لا تزال مساجد قسنطينة العريقة مدفونة تحت الركام بعد أن فشلت عمليات ترميم انطلقت ضمن مشاريع عاصمة الثقافة العربية في إعادة تأهيلها بل و حولتها إلى أطلال سكنتها الطيور و الجرذان ، فتلك الورشات القائمة منذ ست سنوات بأغلب المساجد القديمة لم تفتح المساجد للمصلين بل فتحتها لأيدي المخربين، ما يعرض إرثا تاريخيا للزوال. روبورتاج أسماء بوقرن ملف المساجد ظل لسنوات مطروحا لأسباب مختلفة أدت إلى نتيجة واحدة وهي الخراب، فراغ كبير يشعر به سكان قسنطينة العتيقة الذين حرموا لسنوات من الصلاة بمساجد تشكل جزءا من ذاكرتهم الجماعية، وها هم هذا العام وإن كانوا يشتركون مع بقية سكان الجزائر في عدم توفر فرصة لأداء صلاة التراويح بسبب جائحة كورونا، إلا أنهم حرموا حتى من صوت الآذان. الأوامر التي وجهها رئيس الجمهورية لترميم المساجد بعثت الأمل من جديد في نفوس القسنطينيين وأعادت إلى الواجهة إشكالية ظلت بلا حل طيلة السنوات الماضية، النصر تنقلت إلى عدد من المساجد لنقل صورة عن وضعيتها اليوم. مسجد سيدي الكتاني، الأربعين شريفا، عفان و الجامع الأخضر، من بين مساجد قسنطينة القديمة 12 التي برمجت للترميم في عاصمة الثقافة العربية و انطلقت بها الأشغال غير أنه لم يسلم منها سوى مسجدين هما الجامع الكبير و الباي، اللذين رفع الآذان بهما منذ نحو سنة تقريبا، فيما لم تر أخرى النور منذ نحو ست سنوات، لأسباب تتعلق بتجميد مشاريع و بطء وتيرة أشغال أخرى، حسب ما أكده مدير الثقافة عريبي زيتوني للنصر، موضحا بأن قرار تجميد مشاريع تهيئة المساجد التي لم تنطلق بها الأشغال أبقاها على حالها. طاولات الخضر والصناديق تشوه مسجد سيدي الكتاني المغلق النصر زارت عددا من المساجد القديمة الموزعة عبر أزقة المدينة، فكانت بداية جولتنا من سوق العاصر بمسجد سيدي الكتاني، الذي لا يزال مغلقا نتيجة عدم اكتمال الأشغال به و التي توقفت في مهدها، فسكت فيه صوت الآذان منذ نحو 6 سنوات، و ظل هو الآخر في طي النسيان حاله حال عدد كبير من المساجد التي برمجت للترميم تحسبا لتظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، فأصبح محيطه مستغلا لبيع الخضروات و الفواكه على الطاولات التي أغلقت مداخله ، كما أستغل الباعة زواياه في تجميع الصناديق الفارغة، و طالت الكتابات الحائطية جدرانه التي و بالرغم من مرور قرون على تشييده إلى أنها لا تزال صامدة، محافظة على هندسته التي تعكس الحضارة العثمانية و زخرفتها الإسلامية الفريدة. و وجدنا بوابته الرئيسية مغلقة بإحكام، و أمامها بقايا و مخلفات الفاكهة، فيما تحول فضاؤه الداخلي لمرتع للحمام الذي يتسلل لداخله من زجاج النوافذ المحطم، إذ لا ينبعث من داخل هذا الصرح الديني سوى هديل الحمام الذي يقصده للاحتماء بداخله، و قيل لنا بأن منبره المصنوع من الرخام الايطالي لا يزال محافظا على جماليته، حسب أحد قاطني الحي الذي استوقفنا قائلا بأنه كان يصلي فيه بشكل يومي، و يشعر بإحساس رائع عند ولوجه و التأمل في زخرفته الاسلامية التي تعيده الى الزمن العثماني، متأسفا على وضعه من الداخل بعد أن تم نزع سقفه في إطار انطلاق عملية الترميم ، ما زاد من تدهوره، غير أنه و حسب ما وقفنا عليه و بالمقارنة ببقية المساجد التي قمنا بزيارتها يعتبر وضعه أقل سوءا. الجامع الأخضر منارة دينية أطفأت وهجها عاصمة الثقافة غادرنا سوق العصر متجهين نحو الجامع الأخضر المعروف بمسجد سيدي لخضر الواقع بقلب مدينة قسنطينة، الذي و بعد مد و جزر بين المقاولات المعنية و الجهات الوصية بشأن مصير ترميمه المتعثر بسبب مشاكل عدة، جاء قرار رئيس الجمهورية لينقذه من الصراع القائم، بعد أن أمر بترميم المساجد العتيقة في الجزائر وفي مقدمتها الجامع الأخضر في قسنطينة، و الذي يعد من أشهر و أعرق مساجد المدينة، الذي فتح للمصلين أواخر شعبان 1156 هجري، حسب ما استقيناه من لوحة مصنوعة من الجبس معلقة في جدار قاعة الصلاة الموجودة بالطابق العلوي ، فقد كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يلقي فيه دروسا في التفسير والحديث، اذ أشرف بمدرسته القرآنية على تدريس عدد كبير من أبناء المدينة الذين لايزالون الى اليوم يتذكرون كل زاوية من هذا الصرح، من بينهم رابح الذي ساعدنا في الولوج للمسجد. النصر زارت بعد صدور التعليمة المسجد المشيد منذ القرن الثامن عشر و الواقع بنهج ميموني عبد العزيز بالجزارين، ووقفت على وضعه المزري، الذي ازداد تدهورا نتيجة توقف الأشغال به في بدايتها ، حيث تم تهديم سقفه و تعويض جزء منه بصفائح قصديرية قصد حماية أساساته، و تدعيم أعمدته بألواح خشبية، فيما تم نزع تلبيس جدرانه التي لا تزال قائمة و لم تتأثر بعوامل الزمن و الطبيعة، وقد وجدنا صعوبة كبيرة في التنقل بين أرجائه بعد التخلص من بعض الممرات و السلالم و تعويضها بألواح خشبية لمرور عمال الورشة، كما وقفنا على وضع المدرسة القرآنية التي كان يدرس بها العلامة عبد الحميد بن باديس، و كذا المائضة المجاورة لها و الموجودين بالجهة اليمنى بالطابق السفلي للمسجد. كما وقفنا في الطابق السفلي على قبر مشيد المسجد و هو الباي العثماني حسن بن حسين بالإضافة إلى قبرين مجاورين له قيل بأنهما لقريبيه، تم تغطيتهما لكي لا تطالهم يد الانسان، فيما كانت أكياس الردوم و الاسمنت الذي فقد صلاحيته مرمية بفضائه السفلي، بعدها سلكنا سلالم خشبية نحو الطابق العلوي للاطلاع على وضع قاعة الصلاة، فلاحظنا بأن بعض الجدران ظلت محافظة على الفسيفساء التي تغطيها و على آيات من الذكر الحكيم المكتوبة بها بخط اليد ، و بقيت إحدى قببه شامخة محافظة على هندستها، كما ظل المنبر المصنوع من الخشب محافظا على جماليته حيث تم تغليفه بأشرطة بلاستيكية شفافة، ووضعه أمام المحراب المزين بصفائح الفسيفساء، فيما تم دعم بعض الأعمدة بلوائح خشبية، و نزع الحجارة التي كانت تفترش الأرضية. صفائح القصدير تشوه مسجد الأربعين شريفا حال مسجد الأربعين شريفا لا يختلف لحد كبير عن حال مسجد سيدي لخضر غير أنه أكثر سوءا، و لا يزال محاطا بصفائح قصديرية و أعمدة حديدية التي ثبتت قبيل مباشرة الأشغال المتوقفة في مهدها، بعد تهديم سقفه و جدرانه الداخلية، و تبين لنا عندما ألقينا نظرة من أحد المنافذ التي تكشف وضعه الداخلي بأن الأشغال متوقفة، فيما بقى محافظا على لوحة تسميته القديمة، و مئذنته التي لا تزال قائمة تنتظرعودة صوت الآذان ، حيث قال لنا أحد السكان بأن المسجد تحول لمكان مهجور تقصده الطيور و الفئران، اذ كانوا يؤدون الصلاة قبل الحجر الصحي و اجراء غلق المساجد بسبب كورونا بمسجد سيدي ميمون الواقع على بعد أمتار قليلة منه. عفان.. من أعرق المساجد المنسية غادرنا المكان نحو محطة موالية، متجهين لمسجد عفان الواقع بأسفل حي السويقة، و الذي برمج للترميم هو الآخر باعتباره أقدم مسجد في المدينة حسب باحثين في علم الآثار الذين أكدوا في عدد من الملتقيات بأن الأثار التي عثر عليها به تؤكد عراقته، فحاله لا يختلف عن حال بقية المساجد ، مئذنته لا تزال شامخة في السماء و مكبر الصوت معلق بنافذتها الصغيرة،و بوابته الخشبية الرصينة لا تزال قائمة محافظة على نجميتها، و كذلك دعامة رخامية ملصقة بجانب الباب الخشبي مكتوب عليها الآية 109 من سورة التوبة و اسم المسجد «مسجد عفان» الذي بدأت حروفه السوداء تطمس شيئا فشيئا، فيما برزت التشققات في واجهته ، و أصبحت الحجارة المبنية به بارزة للعيان و أكل الصدأ أنابيب تصريف مياه سقفه، و الممتدة على طول المسجد ، فيما حاولنا الولوج للداخل للوقوف على وضعه غير أننا لم نتمكن، لكننا أنه لم نجد أي شيء يدل حتى على انطلاق أشغال التهيئة به، فيما قال لنا أحد السكان بأنه تم مباشرتها من الداخل ، و أصبح المسجد يغرق في الردوم حسب ما أكده لنا من تحدثنا إليهم . مئذنة سيدي مغرف تكاد تنقض على المارة أما مسجد سيدي مغرف الواقع بشارع عبد الله باي بالجهة العليا لحي السويقة، فلم تباشر فيه الأشغال غير أن وضعه الكارثي ينذر باحتمال وقوع كارثة داخل الحي الشعبي، نتيجة التشققات الكبيرة الموجودة بين المئذنة و المسجد، و التي تظهر بأنها منفصلة عنه، اذ يخيل لمن ينظر اليها بأنها توشك على السقوط، وبالدخول للمسجد وقفنا على وضع أكثر سوءا حيث تشققت أرضيته و جدار المائضة بالكامل نتيجة انزلاقات ، كما لاحظنا تشققات كبيرة بمحرابه و سقفه، و أكد مسؤول على الصرح بأن سقوط المئذنة قد يقع على المارة في الممر الرئيسي للحي، و تم تهيئته سنة 2007 . مدير الثقافة زيتوني عريبي: المقاولات لم تكن في المستوى وقرار تجميد المشاريع أثر على وضعيتها أكد مدير الثقافة لولاية قسنطينة عريبي زيتوني بأن قرار تجميد مشاريع ترميم عدد من المساجد، وراء توقف الأشغال على مستواها و بقائها على حالها، مشيرا إلى أن هناك مساجد انطلقت بها الأشغال غير أنه لا توجد وثائق تؤكد ذلك وقت صدور التعليمة، موضحا بأنه قبل صدور تعليمة رئيس الجمهورية الرامية لرد الاعتبار للمساجد القديمة، قدم طلبا لرفع التجميد من خلال مراسلتين للوزير الأول، و سيتم توجيه مراسلة أخرى، مضيفا بخصوص باقي الورشات المفتوحة على مستوى سيدي لخضر و زاوية بشتارزي ، و التي لم تنته بها الأشغال بسبب تماطل المقاولات المعنية، قائلا بأنها لم تكن في المستوى، حيث وجه إعذارات و ألغى صفقات أخرى.