كشف الرباع أيمن طويري بأنه رفض حمل الجنسية الفرنسية والالتحاق بمنتخب فرنسا لرفع الأثقال لفئة الأواسط، لأن التعلق بالألوان الجزائرية نابع من حب الوطن، وأوضح في هذا الصدد بأن بعض الأطراف سعت إلى الاستثمار في انجازاته التاريخية، التي حققها في بطولة العالم للأشبال بالبيرو لاغرائه ماديا من أجل اتمام مشواره حاملا للراية الفرنسية. حاوره: صالح فرطاس إبن مدينة بن سرور بولاية المسيلة، أوضح في حوار مع النصر بأن انجازاته لم تشفع له للنجاة من «لعنة» التهميش، لأن الإصابة التي تعرض لها حوّلته في لمح البصر من نجم عالمي إلى رياضي غير قادر على تغطية مصاريف العملية الجراحية، الأمر الذي دفع بوالده «الطاكسيور» إلى بيع سيارته الشخصية من أجل صحة إبنه، كما كشف عن أمور أخرى نقف على تفاصيلها في رحلة الأسئلة والأجوية التي كانت على النحو التالي: - نستهل هذا الحوار بالاستفسار عن مدى تأثير التدابير الوقائية المتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا على تحضيرات الرياضيين المتخصصين في رفع الأثقال، سيما وأن الحجر الصحي تزامن مع شهر رمضان؟ يمكن القول أننا توقفنا كلية عن التدريبات منذ ظهور الوباء في الجزائر، لأنني شخصيا كنا أخضع لبرنامج إعادة تأهيل بدني على مستوى مركز السويدانية، وقرار تعليق المنافسات الرياضية وغلق كل المرافق، أجبرني على توقيف هذا البرنامج منذ منتصف مارس الماضي، لأن الأرواح البشرية أغلى من أي شيء آخر، فإلتحقت بعائلتي المقيمة ببلدية بن سرور، وأكتفي حاليا بتدريبات على انفراد، لكن ذلك لا يكفي لتبية متطلباتي، لأن الرباع يحتاج إلى برنامج مكثف، يبذل من خلاله مجهودات بدنية معتبرة، وذلك يتطلب توفر عتاد خاص، تحت متابعة عن قرب سواء مع المدرب أو المدلك الذي يتولى الاشراف على عملية إعادة التأهيل البدني، وتزامن تدابير الحجر الصحي مع شهر رمضان زاد في تعقيد الأمور أكثر، لأننا اعتدنا على التدرب مرتين في اليوم خلال الصيام، الأولى ساعة قبل الإفطار، والثانية في السهرة، وتكون مخصصة أكثر للعمل البدني، وعليه يمكن القول بأننا فقدنا الكثير من اللياقة، ولو أن وضعيتي تبقى استثنائية، لأن الحسابات التي كنت أراهن عليها استعادة إمكانياتي، اختلطت بسبب تعليق النشاط الرياضي، جراء الأزمة الوبائية. - هل بإمكانك أن تضعنا في الصورة، بخصوص حالتك الشخصية والظروف الاستثنائية التي تمر بها؟ لقد ابتعدت عن المنافسات الرسمية لمدة قاربت السنتين، بسبب إصابة تعرضت لها على مستوى الركبة، وكان ذلك في مارس 2018، خلال البطولة الإفريقية التي أقيمت بمصر، وهي الإصابة التي ازدادت تفاقما بعد إصرار إدارة المجمع البترولي على ضرورة مشاركتي في البطولة الوطنية، التي جرت بعد ذلك أربعة أشهر ببجاية، ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني، والكشوفات التي خضعت لها أظهرت بأنني تعرضت لتمزق في الأربطة، مما استوجب اجراء عملية جراحية، لكن الاتحادية الجزائرية لرفع الأثقال اكتفت بمنحي ترخيصا للإقامة بمركز الشراقة، وهذا طيلة فترة المتابعة الطبية على مستوى المركز الطبي الوطني ببن عكنون، وعندما سلمت مسؤولي الفيدرالية نسخة من الملف الطبي الخاص بالعملية الجراحية على مستوى إحدى العيادات الخاصة بتونس، أكدوا لي بأنهم لا يتوفرون على المبلغ الكافي لتغطية هذه المصاريف، وبرروا ذلك بالعجز المالي التي تعيشه الإتحادية، رغم أنني كنت حينها أترقب موعد العملية الجراحية، وتعلقي رفقة أفراد عائلتي بهذه الرياضة جعل والدي يقدم على بيع السيارة التي كان يوفر بها القوت اليومي للأسرة، لأنن إبن عائلة فقيرة من منطقة بن سرور بولاية المسيلة، والوالد كان يعمل «طاكسيور»، ووضعيتي دفعت به إلى التضحية من أجلي أملا في شفائي، حيث كانت تكاليف العملية الجراحية من مبلغ بيع السيارة، وعودتي إلى أجواء التدريبات كانت صعبة للغاية، لأنها جاءت بعد فترة راحة طويلة، والاستئناف كان يتطلب الخضوع لبرنامج إعادة تأهيل بدني، منحني إياه الوزير السابق برناوي، بعد السماح لي بالإقامة في مركز السويدانية. - نفهم من هذا الكلام بأن الاتحادية تجاهلتك في فترة جد حرجة، أليس كذلك؟ كان هناك انقسام بين أعضاء الفيدرالية بخصوص التعامل مع وضعيتي، لأنني من رياضيي النخبة، وتابع لنادي المجمع البترولي، وسجلي الشخصي على المستوى العالمي كان يحتم على الاتحادية متابعة وضعيتي، لكن ما هز مشاعري هو عدم اهتمام مسؤولي هذه الهيئة بي، ولا حتى الاستفسار عن حالتي الصحية، حيث تركوني في بادئ الأمر أقيم بمركز الشراقة، قبل أن تصل بهم الجرأة إلى تجريدي من هذا «الامتياز»، وهذا عند سفر أغلب أعضاء الفيدرالية مع المنتخب الوطني إلى المغرب، وهي الخطوة التي أجبرتني على الاتصال بوزارة الشباب والرياضة، قبل أن يقدم والدي على التضحية بمصدر قوت يومه من أجل تغطية مصاريف العملية الجراحية في تونس، لأنه تأثر كثيرا بوضعيتي، وكنت جد متفائل بقدرتي على العودة إلى المنافسة، والحمد لله فقد نجحت العملية، وأنا بصدد العودة تدريجيا. - لكن كيف للتهميش أن يطال رباعا كان قد رفع الراية الوطنية عاليا في بطولة العالم؟ يمكن القول بأنني كنت ضحية التقسيم الجغرافي، لأنني من عائلتي فقيرة، تعيش ظروفا قاسية، تقطن بمنطقة بن سرور، وهذه الظروف كانت السبب الذي دفع بي إلى التوقف مبكرا عن الدراسة والاهتمام أكثر بمشواري الرياضي، وقد أيدني في هذه الخطوة كل أفراد الأسرة، بمن فيهم والدي، الذي ظل يتابع كل خطواتي، ورغم صغر سني، إلا أنني كنت أول جزائري يتوج بميدالية ذهبية في بطولة العالم لرفع الأثقال، وكان ذلك بالعاصمة البروفية ليما سنة 2015، حيث حققت أفضل انجاز في تاريخ الجزائر، بإحراز 3 ذهبيات في بطولة العالم لصنف الأشبال، وهذا الانجاز تدعم بميداليات أخرى منها برونزية في بطولة العالم الأواسط التي جرت باليابان في جوان 2017، ولو أن تحضيراتي لهذه المنافسة اقتصرت على 12 يوما فقط، وكانت في النصف الثاني من شهر رمضان، لكن الثقة التي أعطاني إياها المدرب عبد المنعم يحياوي كانت مفتاح هذه النجاحات، سيما وأنه كان قد تفاءل بصعودي على «البوديوم» في البطولة العالمية منذ اكتشافي سنة 2012، فأصبح مدربي الشخصي، وسطرنا برنامج عمل على المديين المتوسط والطويل، لكن التهميش الذي تعرضت له من طرف مسؤولي الاتحادية بعد الإصابة، التي تعرضت لها جعلني أحس بكثير من «الحقرة»، وهنا بودي أن أستغل الفرصة لتوضيح شيء مهم. - تفضل .. ماهو؟ إحساس الرياضي بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه يكون أكبر في المنافسات الدولية، وشعوري لا أستطيع أن أصفه عندما سمعت نشيد «قسما» يدوي القاعة الرياضية بالعاصمة البيروفية ليما عند تتويجي بثلاث ذهبيات دفعة واحدة، حيث أن ذرف دموع الفرحة والتعلق بالوطن بكل عفوية، يبقى أغلى هدية قدمتها للجزائر، رغم أنني كنت أبلغ من العمر 15 سنة فقط، والتشبع بالروح الوطنية يبقى ميزة الجزائريين الأحرار، ولو أن عامل السن كان الورقة التي حاولت بعض الأطراف استعمالها لدفعي إلى «التجنس»، بدليل أنني تلقيت دعوة رسمية من الاتحادية الفرنسية لرفع الأثقال، مع اقتراح الانضمام إلى المنتخب الفرنسي للأواسط، في غياب أي علاقة مسبقة لي مع فرنسا، سواء من حيث العائلة أو حتى الأصدقاء في هذه الرياضة، لكنني رفضت هذا العرض، لأن الألوان الوطنية لا تباع بالأموال أو باقي الإغراءات المادية، وافتخاري يكون كبيرا عندما أساهم في إهداء الجزائر أكبر عدد من الميداليات. - في ظل هذه الظروف، كيف كان مسيرتك من طفل فقير في بن سرور إلى بطل عالمي مميز؟ بلدية بن سرور تبقى من المنطاق المعزولة بالمسيلة، وشهرتها كان بفضل رياضة رفع الأثقال، وأولى خطواتي قطعتها سنة 2008 مع جمال دحومي، الذي كان يشرف على تدريباتنا في الفريق، وهو حاليا نائب رئيس الاتحادية، وبعد ذلك بأربع سنوات خطفت انتباه الناخب الوطني عبد المنعم يحياوي، وكانت أولى محطاتي العالمية سنة 2014، لما شاركت في الألعاب الأولمبية للشباب، وانتزعت الصف السادس، قبل أن أحرز اللقب الإفريقي بتونس، ثم أحقق أفضل انجاز في حياتي، بإحراز الذهبيات الثلاثة في بطولة العالم للأشبال بالبيرو، وهو حلم لم أكن أنتظره، وقد حرمتني الإصابة من المشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو، فضلا عن عامل صغر السن، وقد أحرزت حينها جائزة أفضل رياضي جزائري شاب، وفي سنة 2017 أحرزت برونزية في بطولة العالم للأواسط بطوكيو، وبعد ذلك بشهر نلت شرف إهداء الجزائر الذهبية الوحيدة في البطولة الإفريقية للأكابر بجزر موريس، رغم أنني تلقيت الاستدعاء الرسمي من الاتحادية قبل يومين فقط من السفر، مع حرمان مدربي يحياوي من التواجد ضمن الوفد، ونتيجتي ساهمت في ظفر المنتخب الوطني بالمرتبة الأولى حسب الفرق، وبعد ذلك بثلاثة أشهر كان الموعد مع البطولة الإفريقية للأواسط بأوغندا، حيث أحرزت 3 ذهبيات، فتم اختياري أفضل رياضي إفريقي لفئة الأواسط في تلك السنة، لكن سنة 2018 كانت «سوداء» بالنسبة لي بسبب الإصابة التي تعرضت لها. - إلا أن رياضة رفع الأثقال تبقى مقترنة بتناول المنشطات، فما محلّك من الإعراب في هذه القضية؟ هذه الظاهرة شوهت سمعة الرباعين والرياضيين في باقي الاختصاصات، وقد زحفت حتى إلى الجزائر، لكن كل شيء يبقى مرهونا بذهنية الرياضي، لأن «الاحتراف» ضرورة حتمية لضمان النجاح الميداني، خاصة بالنسبة لرياضيي النخبة، وأنا منخرط في لجنة مكافحة المنشطات، وهي الهيئة التي تعمل على متابعة برنامجي بانتظام، لتفادي أي عامل خارجي من شأنه أن يحطم مسيرتي، والخضوع لاختبارات المنشطات يكون دوما أثناء المنافسات الرسمية لرياضة رفع الأثقال، لكن لم يسبق لي وأن سقطت في هذا الفخ، لأنني أسهر على ضمان الحماية الفردية، بتجنب تناول مأكولات أو مشروبات خارج البرنامج الرسمي المضبوط مع مدربي، وأعداء النجاح كثيرون، والاحتياط من هذه الأمور ضرورة حتمية، لأن الرياضي قد يكون ضحية مخطط تهندس له أطراف أخرى لتحطيمه، وذلك بوضع مواد منشطة في مشروب أو طعام. - وماذا عن طموحاتك المستقبلية بعد العودة التدريجية إلى أجواء المنافسة، وغياب عن التتويجات أزيد من سنتين؟ في الوقت الراهن أنا أحصر عملي في استعادة اللياقة البدنية المطلوبة، وحساباتي مبنية على المنافسات القارية التي من المزمع أن تقام سنة 2021، مع المراهنة على ذهبية الألعاب المتوسطية المقررة بوهران بعد نحو سنتين، وبحكم أنني أبلغ من العمر حاليا 21 سنة، فإن نظرتي إلى دورة «الأولمبياد» تبقى بكثير من التفاؤل، لأن حلم إهداء الجزائر ميدالية أولمبية يراودني.