أعرب الناخب الوطني لصنف الأشبال في رياضة رفع الأثقال عزالدين بصباص، عن أمله في أن يكون تعامل المواطنين الجزائريين مع تدابير الحجر الصحي، بنفس درجة انضباط الرياضيين في التدريبات، لأن بعض السلوكات التي طفت على السطح مؤخرا، جعلت الجميع كما قال يندد بالتصرفات المسجلة في الأسواق والفضاءات التجارية، دون مراعاة الخطورة الكبيرة التي يشكلها فيروس كورونا على حياة البشر. حاوره: صالح فرطاس بصباص، وفي حوار خص به النصر، أوضح بأن رياضة رفع الأثقال تعاني تهميشا اعلاميا كبيرا، لكنها على حد تصريحه تبقى خزانا يتوفر على الكثير من الطاقات التي تشرف الراية الوطنية في المحافل القارية والدولية، كما عرج أيضا على سر اشتهار مدن صغيرة بهذا النوع من الرياضة، وتحدث عن الطرق الواجب اتباعها لضمان تجاوب الرياضيين مع نمط التدريبات في شهر الصيام، وأكد بأن الصيام ليس حاجزا أمام الرياضيين في هذه الفترة. - نستهل هذه الدردشة، بالاستفسار عن الكيفية التي تتعاملون بها في التدريبات منذ ظهور فيروس كورونا، خاصة بعد قرار الوزارة القاضي بغلق القاعات، ومنع التدريبات الجماعية؟ الأمر الذي لا نقاش فيه أن الحجر المنزلي، يبقى ضرورة حتمية في هذه الظروف العسيرة، لأن ضمان الحماية من الوباء تمر عبر تفادي أي احتكاك بالمحيط، لكن ما أصبحنا نشاهده في الأيام القليلة الماضية من ازدحام وتدافع في الأسواق، يبقي الكثير من علامات الاستفهام مطروحة، حول مدى إدراك المواطنين بخطورة الوضع، ومثل هذه السلوكات تعود بالدرجة الأولى إلى الذهنيات، لأننا كرياضيين اعتدنا على الانضباط في الحياة اليومية، وشخصيا أود أن يتم اسقاط هذا الانضباط على الحجر الصحي، ورياضة رفع الأثقال تضررت بطريقة أخرى من هذا الوباء، لأن المخاوف من انتقال العدوى، جعلت وزارة الشباب والرياضة تقرر غلق القاعات، وعليه فإننا منحنا راحة اجبارية لأغلبية الرباعين، مادامت التدريبات على انفراد في هذا النوع من الرياضة، تستوجب برنامجا استثنائيا باستعمال عتاد خاص، ولن يكون باستطاعة أي رباع توفيره في المنزل، ومع ذلك فقد ارتأينا توزيع عتاد خفيف على بعض العناصر الدولية، التي ستكون معنية باستحقاقات قارية وإقليمية بعد التخلص من الفيروس، لأن المحافظة على «الفورمة» تتطلب الكثير من الانضباط، مع المواظبة على التدريبات اليومية، تحت متابعة منتظمة من مختلف أعضاء الطاقم الفني. - لكن رياضة رفع الأثقال تتطلب لياقة بدنية كبيرة، وفترة الراحة التي فرضها الوباء لها تأثير على هذا الجانب. فهل بالإمكان تدارك الوضع واسترجاع اللياقة عند استئناف النشاط؟ البرنامج الذي سطرناه يراعي بالأساس المعطيات الخاصة بمرحلة ما بعد أزمة «كوفيد 19»، لأن هذه الوضعية الوبائية جعلتنا نعيش تحت تأثير ضغوطات نفسية كبيرة، التخلص منها بالنسبة للرياضي يكون بالمداومة على تدريبات يومية، حتى يتسنى له كسر الروتين القاتل، والابتعاد لفترة زمنية عن أخبار كورونا، والعامل البسيكولوجي سيكون له انعكاس كبير على سلوكات المواطنين بعد التخلص من الوباء، ولو أن الوضع ليس حكرا على الجزائر فقط، بل يمس كل بلدان العالم، والأضاع في دول أخرى أكثر خطورة، مما يبقي النشاط الرياضي في المقام الثاني، لأن الوباء حصد الكثير من الأرواح البشرية، ومسايرة هذه الوضعية استوجبت انخراطنا في العمل التوعوي والتحسيسي، في محاولة لاقناع المواطنين بالتزام الحجر الصحي، هذا بالإضافة إلى المساهمة في المبادرات التضامنية، بعيدا عن الرياء، وعليه فإن التدريبات الفردية تبقى موجهة لفئة معينة، في محاولة لتفادي درجة الخمول البدني والنفسي بالنسبة للرباعين، على اعتبار أننا ضبطنا برنامجا لكل العناصر الدولية يأخذ في الحسبان حتى الجوانب التي لها صلة مباشرة بالنظام الغذائي، بغية تمكنيهم من المحافظة على اللياقة. - وهل يكون للصيام تأثير على تجاوب الرباعين مع برنامج التدريبات في هذه الفترة ؟ حقيقة أن كل الرياضيين يعمدون إلى التخفيض من العمل البدني في رمضان، وهذا أمر منطقي، في ظل عدم القدرة على الاسترجاع جراء التأثر بالصيام، لكن في الواقع أن هذا الشهر يعد أفضل مناسبة للتحضير الجيد، وقد كانت لي تجربة ميدانية سنة 1992، حيث تزامن التربص الإعدادي الذي أجريناه ببلغاريا مع شهر رمضان، وكنا بصدد التحضير لبطولة إفريقيا وكذا دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، إذ قمنا بتحضيرات جادة في هذا المعسكر، والتدريبات كانت موزعة على مرحلتين، لكن الانضباط كان أبرز سلاح نراهن عليه لتحدي كل الصعوبات، وقد نجحت بعد أسبوعين فقط من عيد الفطر من التتويج بلقب البطولة الإفريقية التي أقيمت بكينيا، وعليه يمكن القول بأن الإنضباط يبقى بمثابة كلمة السر في نجاح أي رياضي، ومدى تعامله بجدية مع كل الظروف والمراحل، لأنني كنت في تلك الفترة أتواجد في أوج العطاء، خاصة بعد تتويجي بثلاث ذهبيات في يوم واحد في البطولة الإفريقية بالقاهرة سنة 1991، رغم أن مصر تبقى أقوى بلد في القارة في هذا الاختصاص، وهو واحد من أفضل الانجازات في مشواري، لأن الذهبيات كانت لها «نكهة» مميزة، في حضور أبطال من مصر، تونس ونيجيريا، ولو أنني شاركت أيضا في «الأولمبياد» 3 مرات، فضلا عن إحرازي 6 ألقاب إفريقية. - كثيرا ما اشتكى الرباعون من نقص الامكانيات وعدم توفير الشروط اللازمة للتحضير تحسبا للمواعيد الدولية الكبرى، فكيف هي الأوضاع الآن؟ رفع الأثقال هي رياضة مناسبات، والمنافسة الرسمية فيها تبقى منحصرة في الدورات التأهيلية وحتى نهائيات البطولة، لكن التحضير لهذه المنافسات يتطلب وقتا طويلا، ويستوجب الكثير من التضحيات والصبر، كما أنها شاقة للغاية، وهي عوامل تبقى وراء عزوف الشبان عن ممارستها، لأن قطف الثمار قد يكون على المدى البعيد، كما أن هذا النوع من الرياضة يبقى «مجهريا» بالمقارنة مع كرة القدم، التي تعد الأكثر شعبية في الجزائر، ولو أن الأوضاع تحسنت كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت وسائل التدريب والقاعات متوفرة، وهي إمكانيات كنا في عهدنا نحلم بها، مما يجعلنا نتفاءل بمستقبل أفضل، خاصة وأننا نتوفر على طاقات شابة بالامكان الاستثمار في قدراتها، لأن العمل يكون أكثر على مستوى النوادي، والانتقاء الذي نقوم به يكون في الدورات الخاصة بالبطولة الوطنية، انطلاقا من دوراتها الجهوية، ورفع الأثقال تبقى من الرياضات التي تبرز في بعض المناطق التي لا تشتهر كثيرا برياضة كرة القدم، ونذكر على سبيل المثال بن سرور بولاية المسيلة، بريكة بولاية باتنة ومغنية بتلمسان، وهذه الأندية تعاني كثيرا من حيث الامكانيات، وتبقى بعيدة عن الأضواء، خاصة من الناحية الاعلامية، لكنها في الواقع مخزن لأبطال عالميين. - نلمس في هذا الكلام الكثير من التفاؤل بخصوص مستقبل رياضة رفع الأثقال الجزائرية، أليس كذلك؟ التفاؤل بالنسبة للرياضيين أمر ضروري، لأن نقطة الانطلاق تكون بتسطير أهداف بطموحات عالمية، والتركيبة الحالية تضم الرباع وليد بيداني من نادي مغنية، صاحب الميدالية البرونزية في بطولة العالم 2019، والذي ضمن تأهله للمشاركة في أولمبياد طوكيو، كما تضم القائمة أيضا رباعين بارزين، على غرار صدام ميساوي من مدرسة بريكة، الذي كان قد انتزع البرونزية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وكذا البطل العالمي أيمن طويري الذي كان نجمه قد سطع مبكرا، لما انتزع 3 ذهبيات سنة 2015 في بطولة العالم للأشبال بالبيرو، ثم أحرز بعدها ميدالية برونزية في بطولة العالم للأواسط، وهي عيّنات من أسماء تواصل العمل بجدية، وتتسلق المنتخبات الوطنية حسب الأصناف، لأن الاستراتيجية التي تنتهجها المديرية الفنية الوطنية مبنية بالأساس على التكوين، مع ضمان الاستقرار على مستوى تركيبة الطواقم الفنية، ومنح الأولوية لكل تقني في التدرج مع الرباعين الذين يشرف عليهم منذ صنف الأشبال، وهذه السياسة ساعدت على ضمان الاستمرارية في العمل. - إلا أن هذه الانجازات تبقى بعيدة عن الأضواء، بالمقارنة مع ما حققه الثنائي بصباص ويحياوي في أواخر الألفية الماضية، فما سبب ذلك؟ لا يوجد أي مجال للمقارنة بين الماضي والحاضر، خاصة في الشق المتعلق بالامكانيات المتوفرة وظروف العمل، لكن الإشكال الذي أصبح يعترض رياضة رفع الأثقال، يكمن في تراجع شعبيتها في أوساط الشبان، لأن التدريبات الشاقة التي تتطلبها تعد السبب الرئيسي الذي أدى إلى العزوف عن ممارستها، كما أن هذا النوع من الرياضة راح ضحية «شعبية» كرة القدم، ليس من ناحية الامكانيات فحسب، وإنما حتى من حيث الرغبة في الممارسة والمتابعة في آن واحد، والمنافسات «المناسبتية» تجعل الأضواء الاعلامية تتجاهلنا على مدار موسم كامل، لأن الإعلام أصبح يركز اهتمامه على أخبار كرة القدم دون غيرها من الرياضات، وهي معطيات حالت دون ظهور أبطال عالميين على الشاشات وصفحات الجرائد إلا في حالات نادرة، رغم أن رياضة رفع الأثقال نالت جائزة أفضل رياضي جزائري شاب لسنة 2018، بفضل الرباع أيمن طويري، والحضور يبقى شبه منتظم في هذه الجوائز السنوية. وبالعودة إلى الماضي، فإنني رفقة زميلي عبد المنعم يحياوي، كنا فعلا قد بصمنا على مشوار متميز، بفضل الإنجازات التي حققناها لفترة دامت قرابة عشرية من الزمن، والتتويجات التي أحرزناها كانت في حقبة ظلت فيها الرياضة الجزائرية بحاجة ماسة إلى ألقاب، فكانت رياضة رفع الأثقال قد ساهمت في رفع الراية الوطنية عاليا في المحافل القارية والدولية، وهذا طبعا إلى جانب ألعاب القوى، في الوقت الذي كانت فيه كرة القدم تعاني من تراجع رهيب في النتائج، والآن موازين القوى تغيرت في المنظومة الرياضية الوطنية. - نختم هذا الحوار بالبحث عن سر تألق مدينة بريكة، واشتهارها برياضة رفع الأثقال؟ ليس هناك أي سر، فهذه المدينة رياضية، فيها فريقان لكرة القدم وكذا فريق لكرة اليد، لكن رفع الأثقال أصبحت الرياضة التي اكتسبت شعبية أكثر، وهذا بفضل ما حققناه في عهدنا، لأن الإنجازات والألقاب القارية والعالمية التي سجلتها رفقة رفيق الدرب يحياوي، كانت كافية لإخراج هذه المنطقة من دائرة الظل، رغم أن بداية المشوار كانت صعبة للغاية، وما حققناه يعد ثمرة تضحيات فردية، لتكون تلك المسيرة الإيجابية السبب الذي جعل العديد من شبان المدينة، يميلون إلى ممارسة هذه الرياضة، سيما وأننا بقينا أوفياء للمدرسة التي تخرجنا منها، لأن تواجدي في المنتخبات الوطنية منذ 1997 لم يمنعني من مواصلة مهامي في منصب مدرب للمدرسة الشعبية ببريكة، والأمر نفسه ينطبق على يحياوي، مما مكن هذا النادي من المحافظة على تقاليده، وبالتالي مواصلة التكوين، على غرار ما هو معمول به في بلدية بن سرور، التي تعد من أفضل الخزانات التي تزود المنتخبات الوطنية بمادة خام في رياضة رفع الأثقال.