نفض الغبار عن أعلام الفكر في الجزائر أصدرت دار الوطن اليوم، مجموعة كتب جديدة، تدخل في إطار سلسلة أعلام الفكر في الجزائر، وهي سلسلة طموحة ضمن مشروع إنجاز بانوراما الشخصيات الثقافية الجزائرية (أنثروبولوجيون، نفسانيون، سوسيولوجيون، رجال إصلاح، فقهاء، إعلاميون، لسانيون، لغويون، مؤرخون، أدباء، مفكرون، قادة تاريخيون، قادة الثورة، سينمائيون، رسامون، مسرحيون، سياسيون، متصوفون...) منذ القديم إلى يومنا هذا، للتعريف بألف شخصية ثقافية جزائرية في ثلاث سنوات. نوّارة لحرش وقد صدرت منها حتّى الآن مجموعة كُتب: هي على التوالي: «مولود قاسم نايت بقاسم: فيلسوف الإنية الجزائرية»، «عبد الرحمن بوقاف: فيلسوف النقد والتنوير في الجزائر»، «محمد أركون: فيسلوف بين الشرق والغرب» وهي من إنجاز الدكتور فارح مسرحي . وبقية الكتب، هي: «أبو عمران الشيخ: رجل الحوار الحضاري» للأستاذة نعيمة دريس. « الزواوي بغورة: الفيلسوف الإركيولوجي الجزائري» للأستاذة زبيدة مونية بن ميسي. «نبهاني كريبع: مسيرة وفكر» للأستاذ اليزيد بوعروري. «محمد حمودة بن ساعي: المثقف المهمش» للأستاذ شريف بن زينب. «مالك بن نبي: مستأنف الخلدونية وفيلسوف الحضارة» للأستاذ بدران بن لحسن. «محمد بن أبي شنب: أوّل دكتور جزائري في الدراسات الأدبية». «مصطفى الأشرف: السياسي المثقف» للأستاذ موسى بن سماعين. «البخاري حمانة: فيلسوف الثورة الجزائرية» للأستاذ ميلود بلعالية دومة.وهي سلسلة تضيء على الكثير من الشخصيات، وتحتفي بها بطريقة تخلد أسماءها وسيرها الفكرية والأدبية والعلمية، وأفكارها وإنجازاتها. ويبقى السؤال الّذي يتبادر إلى الذّهن أمام هذه الكتيبات التي تحمل على عاتقها مهمة التعريف بهذه الشخصيات الوطنية: كيف جاءت فكرة المشروع، ولماذا التعريف بأعلام الفكر في الجزائر، في هذا الوقت بالذات؟ وما هي الخطوط العريضة لهذا المشروع؟ * كمال قرور نعمل على مسح تاريخي لإخراج شخصياتنا من طي النسيان حول هذا الشأن، يقول صاحب المبادرة الناشر قرور: «منذ البداية كان مشروع أعلام الجزائر أو إنجاز سير الشخصيات الجزائرية عبر التاريخ وخاصةً الثّقافيّة منها مدرجًا ومبرمجًا ضمن مشروع سلسلة كتاب جيب «فنك للكُتُب»، ولكن بسبب ظروف موضوعية، تعثر المشروع. وكنا نأمل أن نُعيد الاعتبار لشخصيات قدمت قيمة ثقافية لهذا الوطن. وأن نُعيد الاعتبار لتاريخنا الثقافي بتسليط الضوء على أعلامنا الذين ساهموا عبر العصور، في منح هذه الأرض عصارة أفكارهم ومواهبهم». لكن للأسف -يضيف قرور- ولأسباب تاريخية ونفسية، نحن لا نحفل إلاّ بالأبطال الذين يهبون أنفسهم ودمهم في سبيل الدفاع عن الوطن، وهم يستحقون ذلك. بينما لا نحفل بالعقول المفكرة، وغالبًا ما ننظر إليها بريبة واستهزاء وازدراء. ثم يضيف مستدركا ببعض المرارة: «المؤسف أنّ هذه العقول، التي تجاوزت المحلية وحلقت في سماء العالمية، لم تحظَ بالاِحتفاء، والدراسة، والاِهتمام اللازم وظلت في الظل، أو شُوِّهت أفكارها، أو اُتهمت باطلاً بترهات لا أساس لها. لهذا كان علينا أن نبادر بإعادة إحياء المشروع بتسليط الضوء على شخصيات في عالم الفكر والفلسفة أمثال: البخاري حمانة، مولود قاسم، حمودة بم ساعي، نبهاني كريبع... لنعرج لاحقًا على بقية الشخصيات في مجالات أخرى، كالأدب، العلوم الاِجتماعية، الفقه، التصوّف.. وغيرها من المجالات». مؤكداً أنّ المشروع متواصل ليشمل شخصيات طالها النسيان، إذ يقول في هذا السياق: «نحن نعمل على مسح تاريخي لإخراج شخصياتنا من طي النسيان وتقديمها لشبابنا وليس من مهمتنا تصنيف هؤلاء أو الحُكم على أفكارهم. ما يهمنا هو أن نساهم في تأثيث المشهد الثقافي بأفكار، تقبل الآخر وتقبل الاِختلاف وترفض التعصب والعنف. وهو متفائل بالنتائج الأولى لبذور هذا المشروع، وهذا ما جاء في قوله: «بعد صدور المجموعة الأولى المختلفة المشارب، اِحتضنها المثقفون والإعلاميون والجامعيون. وبعد نشر دعوة الاِستكتاب على وسائط التواصل الاِجتماعي كان التجاوب إيجابياً. حيثُ سجلنا في وقت قصير حوالي 60 شخصية، هي الآن في مرحلة الإنجاز من قِبل باحثين مهتمين بإظهار الوجه الثقافي المشرق للجزائر». قرور الّذي بدأ خطوة أولى في درب طويل من الخطوات والأحلام، هو درب نفض الغُبار عن شخصيات وأسماء فكرية وثقافية وأدبية في مختلف التخصصات العلمية والفلسفية والدينية، يتساءل في حديثه للنصر: لماذا تقصي منظومتنا التربوية هذه العقول من التداول في برامجها الدراسية، وتفسح المجال لعقول أخرى، وهي عن جهل أو دراية، تكرس فكرة أنّ هذه الأرض بور، لا يولد فيها المفكرون، ولا تنبت فيها الأفكار. وهي كما نستنج من هذا التصرف جناية خطيرة نرتكبها، في حق الأجيال. وفي الأخير خلص إلى ما يشبه نشيد الحلم والنداء، إذ يردّد بأمل: «لنكتب تاريخنا الثقافي، بتسليط الضوء على أعلامنا الذين ساهموا عبر العصور، في منح هذه الأرض عصارة مواهبهم. الشعوب العظيمة هي التي تفخر بمفكريها ونوابغها، تعالوا نتصالح مع ذواتنا، ونفخر بكلّ واحد من هؤلاء الذين قدموا لهذا الوطن قيمة مضافة». * فارح مسرحي يجب الاِهتمام بتاريخنا و رموزنا بشكلٍ علمي لا فلكلوري بهذا الخصوص أيضا يقول الدكتور فارح مسرحي الذي أنجز ثلاثة كُتب في السلسلة: «قدم الشيخ البشير الإبراهيمي في أحد نصوصه جملة من النصائح القيمة للشباب الجزائري، منها أنّه يجب عليه معرفة موضع القدم قبل الخطو، وهي نصيحة عميقة من حيث دلالتها على ضرورة التقدم والاِنطلاق المشروط بالروية وحسن التقدير، ولا يمكن للإنسان أن يتقدم بخطى ثابتة إلاّ إذا كانت قدماه على قاعدة صلبة متينة، وما يُقال على الفرد ينطبق على الأمة، فالأمة التي تريد التقدم وتتطلع لمستقبل أفضل عليها قبل ذلك أن تضمن قاعدة صلبة تتكئ عليها لتحقيق غايتها، ولأنّ تقدم الأمم مرتبط أشد الاِرتباط بوجود فكر مرشد وموجه فإنّ إي تخطيط للمستقبل ينبغي أن يتأسس على منظومة فكرية قوية وواضحة، وهذه المنظومة تكون مستحضرة للعناصر الأساسية المشكلة لشخصية الأمة ومنفتحة على أُسس التقدم. -وفق هذا التصور-. يضيف الدكتور فارح مسرحي: «نجد أنّ الاِهتمام بتاريخنا ورموزنا بشكلٍ علمي، لا فلكلوري، يفرض نفسه كمهمة ضرورية ينبغي التصدي لها من قِبل المثقفين بمختلف تخصصاتهم، مثلما ينبغي أن تلتفت لها السلطة من خلال أجهزتها المعنية بهذا الموضوع». فالاِهتمام -حسب الدكتور مسرحي دائمًا- بأعلام الجزائر من مختلف التخصصات وعبر مختلف العصور يحقّق جملة من الأهداف بالإضافة إلى ما سبق ذكره من بناء التصوّر النظري الّذي تستند إليه الأمة في التقدم نحو مستقبلها بثبات؛ فهو يُحقق شيئًا من التصالح مع ذاتنا وتاريخنا، من خلال معرفة تفاصيل دقيقة حول تشكل هذه الذات عبر التاريخ، وهذا مهم لتحقيق التوازن النفسي والتخفيف من وطأة الشعور بالنقص أو الدونية وما يلحق ذلك من تبعية وهوان، مثلما يحقّق غرضاً آخر وهو التأسيس لثقافة الاِعتراف ورد الجميل لمفكرينا وعلمائنا الّذين ضحوا واجتهدوا وتركوا آثارا مهمة. وهنا يتساءل الدكتور مسرحي: «أفلا يجب علينا الاِعتراف بذلك ولو بذكره وتداوله؟ فهم زرعوا ونحن أكلنا، أفلا يجب علينا أن نزرع ليأكل غيرنا؟ وأوّل ما يجب أن نزرعه هو التعريف بآثارهم وطرحها للتداول والدرس والنقد ثمّ يأتي التجاوز والإبداع وهو سنة التطوّر والاِستمرار..». صاحب «التراث والهوية»، استدرك في ذات السياق قائلا: «هناك تقاليد اِستمرت معنا في تعاملنا مع أعلامنا، وهي أنّ هذا التعامل يأتي في شكل مناسباتي فلكلوري ينتهي باِنتهاء المناسبة، فهو اِحتفاء صوتي فقط، يكون في شكل ندوة قصيرة تنتهي أهميتها باِنتهاء زمنها، وهي مسألة وإن كانت ضرورية إلاّ أنّها تبقى غير مفيدة كثيراً طالما لا تترك أثراً مكتوبًا يمكن نشره على أوسع نطاق، كما أنّنا اِعتدنا التعامل مع أعلامنا بأحكام تتراوح بين قطبي: التقديس أو التدنيس، وهذا أيضاً لا هو بالتعامل الصحيح ولا هو بالمفيد، لذلك، ففي اِعتقادي أنّ إنجاز مشروع التعريف بأعلام الفكر في الجزائر من خلال إصدار كتيبات تعريفية بكلّ عَلم من هؤلاء هو طريقة مفيدة جدا، للتعريف بهم وإبراز أهم آثارهم، خاصةً حين يكون المؤلف «متخصصا»، أو مطلعا بصورة كبيرة على آثار العلم الّذي يكتب عنه، وهذا ما شرعتْ فيه منشورات الوطن اليوم وفي مدة قصيرة اِستطاعت أن تصدر مجموعة من الكُتب التعريفية بأعلام الفلسفة في الجزائر وستتبعها مجموعات أخرى من الكُتب التعريفية بأعلام التخصصات المعرفية الأخرى. خاصةً إذا لقي المشروع الاِهتمام اللازم من قِبل المثقفين على اِختلاف تخصصاتهم وتوجهاتهم، وبالأخص إذا اِلتفتت الجهات الوصية «وزارة الثقافة بمختلف هياكلها» وقدمت الدعم من حيث النشر والتوزيع على المكتبات العمومية المنتشرة عبر مناطق الوطن، ليحقق الهدف الأسمى منه وهو تعريف الشباب بأعلام بلادهم في مختلف الميادين ومن مختلف العصور، خاصةً أولئك الذين يمكن أن نطلق عليهم (أعلام الظل) لأنّهم لم يكتبوا كثيراً، أو لأنّهم لم يجدوا الظروف المناسبة للتعريف بأعمالهم أو لم يلتفت لهم كما يجب في وقتهم». * بن زينب شريف يجب نفض غبار التهميش والتجاهل عن قاماتنا الفكرية من جهته الدكتور بن زينب شريف، أستاذ الفلسفة بجامعة يحيى فارس المدية، الذي له مشاركة في هذه السلسلة بكتيب موسوم ب»محمّد حمودة بن ساعي: المثقف المهمش»، والّذي حاول فيه تقديم هذه الشخصية المجهولة عند الكثيرين من المجتمع والتعريف بمعالم أفكارها ومواقفها الفكرية المختلفة. يقول عن مبادرة سلسلة أعلام الفكر: «لا أحد سيقوم بالتعريف بأعلامنا ومفكرينا وعلمائنا المعلوم منهم والمجهول، إن لم نأخذ نحن زمام الأمر لنفض غبار التهميش والتجاهل عن هذه القامات الفكرية،. ولا نجانب الصواب حين نقول أنّ تاريخنا وحاضرنا يزخر بالعديد من هؤلاء الذين يحتاجون إلى هكذا تقديم للقارئ». ويضيف في ذات المعطى: «ها هو صاحب دار الوطن اليوم، كمال قرور الّذي صرح ذات يوم أنّ له حلم التعريف بألف شخصية من أعلام الفكر في الجزائر. نعم إنّه حلم قد يكون للوهلة الأولى صعب التحقيق، ولكن ليس بالمستحيل، عندما تتوفر الإرادة والرغبة الشخصية لدى كلّ شخص في مجال اِختصاصه، وها هو الحلم يخطو خطواته الأولى من خلال إصدار المجموعة الأولى مُعرفةً بأهم الشخصيات الفلسفية والفكرية والأدبية في الجزائر، على غرار كِتاب (بخاري حمانة) أستاذ الفلسفة من جامعة وهران، والأستاذ بوقاف عبد الرحمن من جماعة الجزائر، وكِتاب أبو القاسم سعد الله، ومولود قاسم نايث بلقاسم، والدكتور محمد أبو شنب».بن شريف يوضح أنّ السلسلة مكتوبة بلغة بسيطة مفهومة، تستهدف أكبر شريحة من المجتمع، حيث يستفيد منها الأكاديمي، ويتثقف بها الإنسان البسيط، وما زاد في جاذبية الفكرة توفر إصدارات دار الوطن اليوم في محطات الراحة بالطريق السيار مِمَا يسمح لأي مسافر اِقتناء نسخ لثمنها المنخفض وقيمتها الكبيرة. مشروع ثقافي -يقول بن شريف- «يحتاج إلى الدعم والتشجيع. والناشر كمال قرور صاحب الفكرة تبنى فكرة (القوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب)، نعم إنّها ثورة ثقافة وبناء ووعي».