إن التحضير الجاري على قدم وساق بتلمسان من أجل أن تكون عاصمة للثقافة الاسلامية ولمدة سنة خلال سنة 2011 ليس بالأمر الهين، وإن برمجة ووضع استراتيجية لما تقدمه ليس هو بالأمر السهل لأن مثل هذه التظاهرة الثقافية لا ينبغي أن تنحصر في زاوية التراث والوقوف على المقابر والحديث عن المناقب والمآثر التي حققها أسلافنا، بل ينبغي أن تكون تلمسان نافذة جزائرية على العالمين الاسلامي والعربي وأن تكون عاصمة للثقافة المتنوعة والتي تمتد على مدار 1400 سنة وأكثر. هاهي الجزائر تفتقد في الأستاذ العلامة محمد أركون ركيزة من ركائز فكرها الاسلامي بكل معانيه وتفاصيله مثلما فقدت قبله المفكر العالمي الاسلامي الكبير الأستاذ مالك بن نبي، وهاهي الجزائر التي شاركت ومازالت تشارك بكل ثقلها الفكري والعلمي من أجل إعادة عجلة الفكر العربي الاسلامي إلى السكة الصحيحة من خلال ترميم الطريق الذي سلكه الاسلاف وهجره الأخلاف فنبتت فيه الأشواك والحشائش الضارة فصعب فيه السير وحجبت مسالكه، فأصبح من هب ودب يدعي أنه أمير الطريق، ودليل الناس إليه من الضلال. لم تكن الثقافة الإسلامية في الجزائر مناسباتية ومجرد ومضة ملتقى أو مائدة مستديرة أو محاضرة تلقى أو كتاب يصدر أو مسجد يبنى ثم يسدل الستار وتنطفئ الأضواء، بل كانت حركة استمرارية منذ الأمير عبد القادر الجزائري إلى الدكتور محمد بن شنب الى جمعية العلماء وملتقيات الفكر الاسلامي وجامعة الأمير عبد القادر، أما ماقبل القرن الماضي القرن العشرين فإنها كانت امتدادا متواصلا ودون انقطاع للثقافة العربية الاسلامية وحضارة المغرب العربي والأندلس من ابن رشد وابن عقيل إلى الأمراء والملوك الذين كان معظمهم من رواد العلم والفكر الذي ازدهر طيلة تلك القرون الخوالي. ولا أحد يمكنه نكران ريادة المغرب العربي فكريا للعالم الاسلامي ومحاولة تجديد الفكر وتوجيهه توجيها صحيحا يعتمد على النقد والتصحيح والتمحيص والتلقيح حتى تعود إليه صحته وعافيته بعد الهزال والضعف الذي أصابه طيلة قرون. تلمسان عاصمة للثقافة الاسلامية تستقطب من هذا الاسم ماضي الأمة وحاضرها لتؤسس لمشاهد المستقبل، وتلمسان مدينة العلم والصلحاء والاتقياء لديها الرصيد الكافي من الثقافة الممكن انفاقه طيلة سنة 2011 م كما أن الجزائر تعد كلها ثروة ثقافية حضارية تاريخية اسلامية ورائدة برجالها وعلمائها ومفكريها في هذه الميادين مجتمعه التي أعطت للأمة الاسلامية ثقلها الحضاري الذي تعتمد عليه وتصنع منه المزيد من الانجازات. ويبقى الفكر الاسلامي في الجزائر وعند الجزائريين خصوصا والمغاربة عموما أكثر جرأة وأكثر حفرا وتنقيبا في الأماكن التي وضعها بعض عجزة الفكر من المحرمات التي لا يجب الدخول في بقاعها إلا أن مفكري المغرب العربي كانوا أكثر جرأة وأكثر سعة وعقلانية وتنويرا في ولوج هذه المناطق واضفاء عليها الفكر الحداثي التجديدي مضيفين بعد اقتفائهم لاسلافهم من المفكرين والفلاسفة الجديد برؤية عصرية تتجاوب والفتوحات العلمية والفكرية المتقدمة. مالك بن نبي الذي عالج بأفكاره مشاكل الأمة حتى أصبح مرجعا ونورا يلجأ إليه العلماء والمفكرون كلما ادلهمت عليهم المشاكل وأوحلت الأفكار فيلتمسون من فكره الطريق ومن توصيفه العلاج، فكان وما يزال المصباح الذي يضيئ ويهدي للتي هي خير للأمة، وهاهو الجابري وأركون والكنز وغيرهم من رواد الفكر عندنا يؤسسون لهذا الفكر ويعطونه الرؤية الحضارية الجديدة المبنية على ثقافتنا العربية الاسلامية. تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية والتي سبق لها وأن احتضنت في عهد المفكر الوزير ملود قاسم رحمه الله ملتقى الفكر الاسلامي حيث احتضنت زبدة المفكرين من هذا العالم وكبار علمائه البارزين حيث أثيرت الحوارات والانتقادات والتعقيبات والرؤى وأصبح ملتقى الفكر الاسلامي مؤتمرا فكريا عالميا لا يقتصر على الفكر الاسلامي وحده، بل تعداه للفكر العالمي من كل الديانات والمذاهب والملل والنحل. هل يبدأ الحراك الثقافي من تلمسان؟ وما نوعية هذا الحراك ولونه؟ هل يكون شبيها للجزائر عاصمة الثقافة العربية ويمضي في حال سبيله أم أنه يكون متنوعا ومتعمقا ينفذ لصميم الفكر والفنون والتاريخ والتراث وينفض الغبار عن كثير من الكنوز والتحف ويثري المكتباب بكثير من الدراسات والأبحاث والمتسجدات؟. يأتي العالم الاسلامي الى تلمسان لكن يأتيها بكل ثقله الثقافي والحضاري، وهذا الثقل الثقافي والحضاري لا يكون استعراضيا فلكلوريا مناسباتيا ثم ينطفئ كما تنطفئ الأضواء في ساحة المشور أو ربوة العباد أو المساجد والمدارس العتيقة بتلمسان، هل نقدم نحن هنا في الجزائر لهذا العالم الكبير والذي له أكثر من حلقة تشدنا به ما يستحقه ونستحقه، نقدم له الجزائر العظيمة بما أنجزته وتنجزه من ثقافة وفنون وعمران ومسارح وموسيقى وكتب وشخصيات عظيمة وعلماء سجلوا أسماءهم في تاريخ وحضارة هذه الأمة؟ يبقى السؤال مطروحا والفضاء على الثقافة الاسلامية مفتوحا على من تحملوا هذه المسؤولية للتعريف بالجزائر واعطاء صورتها المشرقة الجميلة واستغلال هذه التظاهرة الاستغلال الأمثل في التعريف بقدرة الجزائر السياحية والاستثمارية الاقتصادية حتى لا تبقى مجهولة وأبوابها موصودة على هذا العالم الذي لو تكاتف وتلاحم لأعاد للحضارة العربية الاسلامية الصولة والجولة، فهل يبدأ الحراك الثقافي من تلمسان؟