بدأت تقنية «الفلاتر» التي توفرها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، لتُعدل الصورة الحقيقية للمستخدم، تأخذ حيزا من اهتمام الفتيات في الجزائر في الآونة الأخيرة، وذلك بعد رواجها وسط «المؤثرين» ومشاهير الفن والموضة، وغالبا ما تُظهر هذه «الفلاتر» الوجوه بملامح غربيّة تُروج لجمال افتراضي زائف، الأمر الذي جعل مختصين في علم النفس والاجتماع يحذرون من خطورة مثل هذه التقنيات التي قد تخلف اضطرابات نفسية وسط شباب تترسخ لديهم مفاهيم خاطئة عن الجمال وتقدير الذات. * لينة دلول ومع ظهور تطبيقي «سناب شات» و»أنستغرام» خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت تتطور استخداماتهما وأضيفت لهما خاصيات جديدة، العديد منها يتيح للمستخدم فرصة إزالة شوائب الوجه وإضافة مساحيق التجميل، وكذلك تغيير لون البشرة والشعر والملامح، وتفضل كثير من الفتيات «الفلاتر» التي تصغر حجم الأنف وتوسع العينين وتنفخ الشفاه وتعطي ابتسامة هوليودية، حتى أن بعضها يتيح تنحيف الجسم. أنوف دقيقة وابتسامة هوليودية! وفي الجزائر، يُلاحظ استخدام واسع لخاصية «الفيلتر» وسط الفتيات، فالعديد من منشورات تطبيق «أنستغرام» على سبيل المثال، كشفت الاستعمال المفرط لكل ما هو أداة تجميل للوجه والشكل، فبدت كل الوجوه متشابهة ومتطابقة، وظهرت الفتيات بشعر أشقر وأعين ملونة برموش طويلة وكثيفة، وكأنهن أميرات أفلام «ديزني». ومما زاد من انتشار هذه التقنية وسط الفتيات، هو استعمالها بقوة من طرف المشاهير العرب والغربيين، الذين يدفعون أموالا طائلة من أجل صنع «فيلتر» خاص بهم يختارون فيه كل التفاصيل الجمالية التي يريدونها. كما يستخدم عدد من المؤثرين، «الفيلتر» عندما يروجون لأحد المنتجات التجميلية، لغرض إقناع المتابعين بأنه فعال وقادر على إخفاء العيوب في البشرة، وقد تسبب هذا الأمر في توليد الشك لدى المتابعين، والإصابة بخيبة أمل إذ لم يحصلوا على نفس النتائج. وتقول شيماء وهي طالبة حقوق، إن استعمال «الفيلتر» أصبح أمرا ضروريا بالنسبة لها لأخذ صورة سريعة ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلا من أخذ وقت طويل في وضع مساحيق التجميل، مضيفة أنها لا ترى بأن هذا التغيير الافتراضي في ملامحها، يمكن أن يؤثر على نفسيتها، فهي متصالحة مع ذاتها، كما عبرت. أما أماني وهي فتاة عشرينية، فذكرت أنها تفضل استخدام «فيلتر» العيون الواسعة لتظهر بشكل أجمل عما تبدو عليه في الحقيقة، كما أن غادة، وهي طالبة جامعية لديها 22 ألف متابع على موقع «انستغرام»، قالت إن الأشخاص كانوا في الماضي يتقبلون صورتهم الشخصية المأخوذة بالكاميرا العادية، ولكن مع ظهور «الفيلتر» تزعزعت ثقتهم في أنفسهم، رغم ذلك ذكرت الشابة بأنها تفضل استعمال هذه التقنية التي تجعلها «أكثر جمالا»، كونها، كما قالت، تشعر بالنقص. وأمام التأثيرات النفسية والاجتماعية التي يسببها الاستخدام الواسع ل «الفيلتر»، تم شن العديد من الحملات الإلكترونية التي قادتها وجوه معروفة لتشجيع النساء على عدم الاعتماد على تقنيات الصور المحسنة، بل تقبل الوجه الطبيعي والهروب من صورة الجسد «المثالية» التي يتم الترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي. إفراط يسبب الإحباط والكآبة وترى المختصة في علم النفس، وردة بن رحلة، أن الأجيال الجديدة أصبحت تعاني من الهوس بالمظهر الخارجي بسبب تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أدى بأفرادها إلى البحث عن وسائل تُمكِّنهم من تعديل مظهرهم بحيث يبدون بأفضل شكلٍ ممكن. وأضافت النفسانية العيادية، أن «فلاتر» وسائل التواصل الاجتماعي لا تؤثر بالسلب فقط على المراهقين، بل أيضا على الكبار، لأنها تجعلهم يعيشون حياة مختلفة وغير متصلة بواقعهم فيحدث الاضطراب في الشخصية وفي السلوكيات تجاه أنفسهم والآخرين أيضا. ولفتت المتحدثة، إلى أن على الآباء مراقبة سلوكيات أبنائهم ومتابعة تصرفاتهم أثناء استخدام هذه التقنية، مشيرة إلى أن هناك بعض البلدان التي سنت قوانين تمنع هذه الممارسة التي تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها ضمنيا خطيرة على نفسية الفرد. فتيات يتقمصن «نسخا» محسنة وذكرت بن رحلة، أن الإفراط في استخدام «الفلاتر» يأخذنا إلى البحث عن الفكرة التي كوّنها المستخدم عن نفسه بداية من محيطه العائلي والاجتماعي، وهل يُقدرّ ذاته أم لا، مضيفة أن هذه الصور المعدلة التي تفشت بطريقة جنونية أصبحت تخلف للمراهقين وفئة الإناث خاصة، العديد من المشاكل النفسية التي يتولد عنها عدم الثقة بالنفس وعدم التوازن، ويتم نبذهم داخل المجتمع الافتراضي إن لم يحققوا لهم الرضا الذي عودوهم عليه.وأكدت النفسانية، أن هذه الصور قد تكون بمثابة المحفز النفسي الذي يؤدي إلى إصابة الفرد باضطراب التشوه الجسمي، والذي قد يوصله إلى حالة من الإحباط والكآبة ورفض الشكل، وهو ما ينعكس على مفهوم الذات وتقديرها، مضيفة أن خاصية تحسين الملامح قد تجعل المستخدمين يفكرون في إجراء العمليات التجميلية، ليصبحوا نسخة طبق الأصل من الوجوه الافتراضية.وأشارت المختصة إلى أن التمعن في هذه الظاهرة يقود إلى مفهوم التقمص الوجداني من فئة الفتيات اللواتي أصبحن يجدن المتعة في تقمص نسخ أخرى «محسنة»، الهدف منها إعادة تشكيل أنوفهن، أو تبييض أسنانهن، أو الظهور أنحف من الواقع وذلك لأنهن يرفضن ملامحهن الحقيقية. تقنية تشجع على العزلة الاجتماعية كما يؤكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2، الدكتور محمد زيان، أن الإحباطات المتكررة جعلت الكثير من أفراد المجتمع، يحبون البروز في صورة قوية و»جميلة» توفرها «فلاتر» وسائل التواصل الاجتماعي. وذكر الدكتور زيان، أن هذه الظاهرة بقدر ما تعطي راحة وسعادة مؤقتة لأصحابها، إلا أنها تُدخلهم في رواق طويل له بداية وليست له نهاية، مما يزيد من عزلتهم، ويمهد لهم، مثلما يضيف، الطريق للدخول إلى عالم المهدئات. وأضاف الأستاذ الجامعي، أن إشباع الرغبات عن طريق الصورة بات نموذجا متداولا يتجلى بقوة في المجتمع الجزائري على الخصوص والمجتمعات العربية عموما، مشيرا إلى أن الفرد أصبح يحب أن تكون له مكانة وسط الجماعة مستغلا الأريحية التي توفرها التكنولوجيا في التواصل مع أكبر عدد من الأفراد دون أي خوف من التأنيب والنقد.