أكد الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي و السيارات ذاتية القيادة، محمد سنوسي، بأن نخبة من علماء الجزائر في المهجر، مجندة للمساهمة في رسم معالم خارطة طريق مستقبلية، تساعد على تحيين مسارات الجامعة و البحث العلمي و توظف الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح وعملي لتحقيق التنمية، حيث تحدث في هذا الحوار مع النصر، عن شروط نجاح المؤسسات الناشئة الناشطة في المجال و قدم تصورا عن واقعه وعن طبيعة الأوليات التي يتعين على الدولة التركيز عليها فيما يتعلق بتوظيف التكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك الاستغلال الأمثل للمادة الرمادية القادرة المنتجة للأفكار، كما فصل في العناصر التي قد تفجر ثورة تكنولوجية حقيقية في بلادنا. حاورته: هدى طابي نسعى للمساهمة في رسم معالم طريق المستقبل النصر : نظمتم مؤخرا رفقة مجموعة من الباحثين، أول لقاء للكفاءات الجزائرية في المهجر، بعنوان « المحاضرة أو ذا كونفيرانس»، و هي سابقة من نوعها، حدثنا عن المبادرة و الهدف منها؟ محمد سنوسي: هو لقاء استمر ثلاثة أيام من شهر ديسمبر الماضي، تعود فكرته إلى نهاية سنة 2019 و بداية 2020 مباشرة بعد تنظيمنا لأول مخيم علمي في الشرق الجزائري زرنا حينها، ثلاث جامعات هي قسنطينة و سكيكدة و بسكرة و بدأنا التحضير لمخيمات أخرى في الشرق والغرب و الجنوب و الوسط، لكن الجائحة أخرت كل المواعيد، لذلك اعتمدنا على المخيمات الافتراضية، نظمنا في هذا الإطار أكبر مخيم افتراضي في الجزائر خلال ذات الصائفة، وقد عرف مشاركة 13ألف مسجل، تابعوا عن بعد محاضرات قدمها علماء من أمثال بلقاسم حبة و نور الدين مليكشي و الأستاذة فاطمة بن الشيخ. و بعد رفع الحجر قررنا أن ننظم لقاء حضوريا مع هؤلاء العلماء، ضمن إطار جديد أطلقنا عليه اسم «ذا كونفيرانس»، و الهدف منه هو تبادل الآراء و المقترحات و الخروج بتصور علمي يمكن أن يحدد معالم خارطة طريق مستقبلية لمجالات التعليم العالي والبحث العلمي، حيث تم التنسيق مع مختلف الهيئات ذات الصلة لإنجاح الحدث، الذي شارك فيه الدكتور ياسين وليد الوزير المكلف باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، و الذي نشكر دعمه للمبادرة. ما هي التخصصات التي تقع ضمن أولويات مستقبل البحث العلمي في الجزائر ؟ تناولنا كل ما له علاقة بالبحث العلمي كما سبق وأن ذكرت خاصة مجالات الذكاء الاصطناعي و التكنولوجيا و الرقمنة و علم البيانات وغيرها من التخصصات التي تشكل لب أولويات الجزائر، حيث خصصنا اليوم الأول من اللقاء لموضوع الذكاء الاصطناعي و المؤسسات الناشئة و تحدثنا في اليوم الثاني، عن الجامعة و البحث العلمي و النظرة المستقبلية لهذه المؤسسة، أما اليوم الثالث فقد تناولنا خلاله موضوع الرقمنة و علم البيانات، و الحقيقة أن التجاوب كان كبيرا من قبل الطلبة الذين حضروا إلى القاعة و تابعونا أيضا عن طريق المنصات الرقمية، كما كانت فرصة مهمة للالتقاء بباحثين جزائريين كثر، من أمثال الأساتذة كمال يوسف تومي و محمد لاشمي و رشيد بلعمري و نوار ثابت و مروان الدباح ولعجال بلطرش. كيف يمكننا توظيف الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية؟ يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات بشكل كبير، في كل المجالات لأنه يساعد على أخذ الاحتياطات خاصة عند توفر حجم كبير من البيانات والمعلومات عن السكان، كل الدول بما في ذلك الدول النامية، تستثمر جديا في هذه التكنولوجيا و توفر الوقت والمال اللازمين لذلك. في الجزائر لدينا أولويات محددة تتمحور بالعموم حول الزراعة و الأمن الغذائي، حيث يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على استخدام تكنولوجيا الزراعة الدقيقة و المنتجة ، يوظف الذكاء الاصطناعي كذلك في تطوير تطبيقات لاستغلال الطاقة « بترول وغاز»، إلى جانب استخداماته في مجالات الطب و التعليم العالي. هذه شروط نجاح المقاولاتية في مجال الذكاء الاصطناعي كيف تقرأون مستقبل المقاولاتية في مجال الذكاء الاصطناعي في بلادنا؟ يمكن القول، بأن الحكومة الجزائرية تعرف أولوياتها بشكل كبير و تدرك بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم إضافة نوعية لتحقيق التنمية وتطوير القطاعات المهمة، وما تقوم به حاليا واعد جدا، حيث تسير بخطى ثابتة نحو أهدافها. الحديث عن المؤسسات الناشئة سيقودنا مباشرة للحديث عن وزارة اقتصاد المعرفة و المؤسسات الناشئة، التي استحدثتها الجزائر تماشيا مع هذا التوجه المستقبلي، و الاهتمام الكبير بإدماج الطلبة في المجال المقاولاتي، وهو أمر مهم جدا خصوصا وأننا نحصي ما يزيد عن 1.7 مليون طالب جامعي وهذا رقم لا تتوفر عليه كل الدول، علما أن نسبة كبيرة من هؤلاء الطلبة يدرسون الإعلام الآلي و التكنولوجيا و مهتمون كثيرا بالذكاء الاصطناعي، وقد وقفنا فعليا على هذا الواقع خلال المحاضرات الافتراضية التي كنا ننظمها خلال الجائحة. أوضح كذلك، بأن امتلاكنا لهذا العدد من الطلبة يعني بأننا نحوز على المادة الرمادية الخام، وهذا أمر معروف عن الجزائريين الذين يتألقون في مجالات العلوم عبر العالم و المغزى هو أن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي يعني بالضرورة وجود الأفكار أو حاملي الأفكار القابلة للتجسيد في شكل مؤسسات ناشئة، وأعتقد أن أهم أولويات الدولة حاليا هو إنجاح هذا التوجه، قد لا يعني ذلك أن كل المؤسسات سوف تنجح، لكن فتح المجال ودعم الأفكار سيمنحنا لاحقا فرصة مناسبة للانتقاء و سينتج نماذج ناجحة. نملك مادة رمادية هامة في مجال الرياضيات ما هي الشروط التي تحدد انتقال المؤسسات الناشئة إلى مرحلة التمويل الذاتي و خلق الثروة؟ الانتقال إلى مرحلة التمويل الذاتي، مرتبط بداية بنجاح الفكرة ونجاح الشركة الناشئة في تقديم منتج نوعي يغطي جانبا من الاحتياجات، عندما تنجح المؤسسة فإنها ستكون قادرة على افتكاك التمويل، لأنها سوف تستقطب اهتمام مستثمرين خواص سيساهمون في رأس المال و في تطوير الفكرة و الترويج للشركة الناشئة و توسيعها بشكل يسمح بخلق الوظائف، ويمكن أن أقدم هنا مثالا عن مؤسسة « يسير». هل يتوقف استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية وحتى التعليم على تحقيق الانتقال الرقمي بشكل كامل ؟ الرقمنة مهمة جدا و مشروع « صفر ورقة » أكثر من ضوروي للتطور، كل الدول بلغت حاليا نسبة 90 إلى 95 بالمائة في مراحل رقمنة مؤسساتها، و نحن متأخرون قليلا في هذا المجال، لكن الحلول موجودة ومرتبطة أساسا بتوفر الإرادة السياسية، والواجب حاليا هو تعميم هذه العملية على كافة المنشآت والشركات عبر الوطن، صحيح أن الذكاء الاصطناعي مبني على الرقمنة، خصوصا فيما يتعلق بعمل مراكز الإحصاء، غير أن توظيفه ليس مرهونا بالانتهاء من هذه العملية، بل يمكن العمل عليهما معا بشكل مواز. في الجزائر لا يزال علينا الانتظار لحوالي ثلاث إلى أربع سنوات ربما، لكي تتخرج أول دفعة من المهندسين من المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، لذلك فإنه من الضروري أن يرافق تعليمه مراحل الرقمنة، لكي نؤسس لقاعدة متينة في هذا المجال تكون قابلة للتطوير في مراحل لاحقة. يمكننا أن نحقق ثورة في مجال التكنولوجيات الجديدة ماذا عن طلبة الرياضيات كيف يمكن إدماجهم في تطوير استخدام التكنولوجيا وهل برامج التكوين في الجامعات والمعاهد الجزائرية تتماشى مع المستوى العالمي ؟ معروف أن الجزائر، تتوفر على المادة الخام من طلبة و باحثين في مجال الرياضيات، والذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل مباشر على التخصصات التقنية « رياضيات و فيزياء وعلوم»، لا ننسى كذلك، أن عدد الطلبة كبيرا جدا كما سبق و أن ذكرت، ولو توجه 1 إلى 2 فالمائة من أصل 1.7 مليون طالب إلى البحث في مجالات الذكاء الاصطناعي فسوف نحقق ثورة حقيقية في التكنولوجيات الجديدة بالعموم. الجامعة الجزائرية قامت في السنوات الأخيرة، بتحيين برامج التكوين لتتماشى مع هذا التوجه وحتى وإن سجلنا تأخرا نسبيا، إلا أن تداركه ممكن جدا خاصة في ظل إدراك الحكومة لهذا الواقع، بدليل إعلان سنة 2023، كسنة للذكاء الاصطناعي، مع ضبط برمجة خاصة على مستوى الجامعات والمؤسسات لتتماشى مع هذا الطرح. على ماذا يجب التركيز هذه السنة كي نتدارك التأخير و نحقق الانتقال المطلوب؟ أول محور هو مراكز الإحصاء و معالجة البيانات أو « داتا سنتر»، يجب علينا فعليا العمل على توفير هذه المراكز وتجهيزها كي نتمكن من جمع وتخزين البيانات، أما المحور الثاني فهو التكوين و تعليم الذكاء الاصطناعي، دون أن ننسى تسريع وتيرة الرقمنة. لنتحدث عن مشاريعك في الجزائر منصة « نخب» ومخبر « سكاي لاب» ؟ نخب، هي منصة على يوتيوب و إنستغرام و فيسبوك الهدف منها مد جسر للتواصل بين الطلبة والأساتذة والعلماء الجزائريين الذين نجحوا في الخارج، لأجل الاستفادة من تجاربهم عن طريق مقابلات يتحدثون فيها عن رحلة العلم وتحدياتها، كما نقدم عبر المنصة محاضرات افتراضية نتناول فيها مختلف المواضيع ذات العلاقة بالتكنوليجا و الذكاء الاصطناعي و علم البيانات و مجالات توظيفها. في الحقيقة عندما انطلقنا في المشروع، لم نكن نتوقع النجاح الذي حققته الفكرة، كان الهدف بداية هو تحفيز الطلبة، لكننا تحولنا في وقت وجيز إلى منصة مؤثرة، حيث نستقبل كثيرا من الأفكار المهمة والواعدة من طلبة وأطباء و مختصين في عديد المجالات حتى العلوم الإنسانية، وهو ما يؤكد ما قلته سابقا بخصوص توفر المادة الرمادية القادرة على التفكير. أما بالنسبة لسكاي لاب، فهو أول مختبر لتعليم الطلبة تقنيات الذكاء الاصطناعي، أسسته أنا و الأستاذ مراد بوعاش بجامعة سكيكدة، بمشاركة أساتذة الإعلام الآلي في الجامعة و بإشراف من مديرها السيد سليم حداد، كما نهدف إلى توسيع التجربة وتعميمها على أكبر عدد من الجامعات الجزائرية لذلك يمكنني أن أصف المشروع بالخلية أو النواة التي سننطلق منها في مسعى توسيع فهم واستخدام هذه التكنولوجيا في بلادنا. تتوجه الجزائر نحو اعتماد السيارات الكهربائية في حظيرتها، ما رأيكم في هذا التوجه وما هي شروط نجاح التجربة، انطلاقا من خبرتكم في مجال تطوير السيارات الذكية و ذاتية القيادة؟ هو توجه مهم جدا وخطوة ذكية، في العالم ككل هناك اهتمام متزايد بالسيارات الكهربائية و الذكية على وجه الخصوص، و نجاح التجربة في الجزائر ممكن في حال توفرت البنية التحتية بداية بمحطات الشحن التي تبقى العامل الأهم. العالم بأسره وبالتحديد الدول الكبرى، تملك مخططات مستقبلية قائمة على إيجاد البدائل و من المنطقي جدا أن نواكب هذا التوجه.