أسدل الستار أمس، على فعاليات النسخة 15 لدورة الألعاب العربية التي احتضنتها الجزائر على مدار 10 أيام، وكان التتويج الجزائري «مزدوجا»، وذلك بانتزاع اللقب العربي لثاني مرة في تاريخ هذه التظاهرة، فضلا عن كسب رهان التنظيم، ونيل مدح وثناء اتحاد اللجان الوطنية الأولمبية العربية، باعتباره الهيئة المشرفة على تنظيم هذا العرس، سيما وأن طبعة الجزائر 2023 كانت بمثابة محطة بعث فعاليات أكبر تظاهرة رياضية عربية، بعد «غياب» دام 12 سنة، إثر تعليق نسختي بيروت 2015 والرباط 2019، فكانت الطبعة رقم 15 فرصة لجمع الرياضيين العرب في وطن واحد، في تظاهرة احتفظت في جوهرها بالطابع الرياضي، لكنها بالموازاة مع ذلك حملت الكثير من الرسائل، خاصة ما يتعلق بالأمن والسلام والأخوة بين الأشقاء العرب. قراءة: صالح فرطاس نزول قرابة 3500 رياضي من 21 بلدا في ضيافة الجزائر لمدة قاربت الأسبوعين، كان كافيا لدفع اللجنة المكلفة بالتنظيم إلى رفع عارضة الرهانات عاليا، وذلك من خلال توفير إمكانيات مادية وبشرية معتبرة، أكدت على الجاهزية الكبيرة للجزائر لاحتضان منافسة عربية غابت عن المشهد منذ سنة 2011، وقرار إعادة البعث من جديد ألقى بمسؤولية ثقيلة على الدولة الجزائرية، لأن النجاح الكبير الذي شهدته هذه النسخة طمأن اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية العربية، بشأن مستقبل هذه التظاهرة، وبدد كل المخاوف التي كانت تحوم، على خلفية تعليق دورتين متتاليتين، إلى درجة أن هذه الألعاب تم شطبها من الرزنامة على مدار 12 سنة، وقرار البعث كان في ظرف قياسي، لأن الجزائر احتضنت المنافسات بعد 4 أشهر فقط من التحضيرات، وما ساعد في ذلك الخبرة التي تم اكتسابها من دورتي «الشان» و»كان الأشبال»، بعدما وجدت الكاف الجو، الذي ساعد على تنظيم منافستين قاريتين بالجزائر، في فترة وجيزة لم تتعد الثلاثة أشهر. الهيمنة مطلقة وحصاد الوصيف عادل ميداليات «اختصاص» واحد ! وفضلا عن رهان التنظيم، والذي تم انتزاعه بتقدير «ممتاز»، فإن الجزائر ضربت موعدا مع النجاحات الرياضية في هذه الدورة، من خلال إحكام سيطرتها المطلقة على أغلب الاختصاصات، لتكون الحصيلة «قياسية»، بتخطي عتبة 100 ميدالية من المعدن النفيس، وهي أعلى حصاد تحرزه الرياضة الجزائرية في تاريخ مشاركاتها في الألعاب العربية، لأن الرقم القياسي «السابق» كان قد سجل في نسخة 2004 بالجزائر، عند حصد 91 ذهبية، لكن حصيلة الذهب ارتفعت هذه المرة. وتوجت الجزائر باللقب العربي لهذه الدورة بفارق معتبر من حيث عدد الميداليات الذهبية عن صاحب الوصافة تونس، لأن حصاد «التوانسة» الإجمالي من الذهب عادل مع أحزره السباحون الجزائريون في هذه الطبعة، بمجموع 23 ميدالية ذهبية، الأمر الذي مكن الجزائر من انتزاع الصدارة بفارق 82 ميدالية من المعدن النفيس عن أقرب المنافسين، كما أن الحصيلة الذهبية الاجمالية للمنتخبات الوطنية في كل الاختصاصات لم تقل سوى بميدالية واحدة عن إجمالي ما تحصلت عليه 6 منتخبات أخرى، احتلت المراكز ما بين 2 و7، ويتعلق الأمر بكل من تونس، المغرب، البحرين، الأردن، سوريا ومصر، وهي منتخبات تعتبر من المنشطين التقليديين لفعاليات العرس الرياضي العربي. الجزائر احتكرت صدارة 13 شعبة وفي نفس السياق فإن المنتخبات الوطنية احتكرت منصة التتويج في نسبة كبيرة جدا من الاختصاصات، لأن التربع على عرش الصدارة في 13 اختصاصا مكن الجزائر من انتزاع اللقب العربي في هذه الرياضات، وكانت أعلى حصيلة في السباحة، بفضل جواد صيود، الذي أثرى سجله الشخصي ب 11 ذهبية «عربية»، إضافة إلى السباحة آمال مليح وبدرجة أقل رانية نفسي، لأن صيود كان السباح الوحيد في منتخب الرجال الذي أحرز الذهب في سباقات الفردي، ونفسي اعتلت المنصة في السباقات التي لم تشارك فيها زميلتها مليح، مع إحكام منتخبي السيدات والرجال سيطرتهما المطلقة على السباقات «الجماعية»، والتتويج ب 23 ذهبية جعل الجزائر تتنازل عن 13 ذهبية فقط في كل منافسات السباحة التي برمجت في هذه التظاهرة. بالموازاة مع ذلك فإن المنتخب الوطني لألعاب القوى كان صاحب ثاني أعلى حصيلة ذهبية في هذا العرس، لكن التتويج باللقب العربي كان بشق الأنفس، لأن الوضعية نتجت عن التساوي مع منتخب البحرين في عدد الذهبيات بمجموع 14 ذهبية لكل منتخب، إلا أن الجزائر تربعت على العرش بفضل تفوقها في عدد الميداليات الفضية، في منافسات عرفت نجاح 6 منتخبات في التتويج بالذهب، مع تباين في الحصاد، مقابل اكتفاء سبعة منتخبات أخرى بالفضة والبرونز. «القفاز» الجزائري يضرب بقوة ضرب «القفاز» الجزائري موعدا مع التتويجات في هذه التظاهرة، مكررا بذلك «سيناريو» الألعاب المتوسطية قبل سنة، لأن منتخب السيدات كان الأكثر حضورا على المنصة، واعتلى «البوديوم» في 5 مناسبات، بينما كان الذهب من نصيب منتخب الرجال في 4 منازلات، لتتربع الملاكمة الجزائرية على عرش الرياضة العربية، بحصاد ذهبي تساوى مع إجمالي ما تحصل عليه صاحبا المركزين الثاني والثالث معا، لأن منافسات الملاكمة شهدت إجراء 21 منازلة نهائية، في مختلف الأوزان للجنسين، لكن تألق الجزائر مكنها من حصد أعلى حصة من المعدن النفيس، ليمرر بذلك «القفاز» الجزائري الاسفنجة على المشاركة «الكارثية» التي كانت له في آخر دورة للألعاب العربية، لما خرج المنتخب الوطني للملاكمة من تلك الطبعة دون إحراز أي ميدالية ذهبية، واكتفى بفضيتين و6 برونزيات. تطور كبير لاختصاصات البساط وكانت حصاد الرياضة الجزائرية في هذه الطبعة وفيرا بالذهب عبر منافسات «البساط»، وذلك بتتويج منتخبات المصارعة، الجيدو والكاراتي بالألقاب، كل في اختصاصه، وهي «الرياضات القتالية» التي أثبتت من خلالها المنتخبات الوطنية تطورها بشكل ملحوظ، بالمقارنة مع ما كانت عليه في السابق، لأن منتخب المصارعة تدارك دخوله غير الموفق، وأحرز 9 ذهبيات في اختصاصي «الحرة» و»الإغريقية الرومانية»، مما سمح له بالتفوق على المنتخب العراقي في الحصاد الإجمالي، سيما وأن المنتخبات الأسيوية تضم مصارعين اعتادوا على المشاركة في منافسات دولية وعالمية، وهذا الحصاد لم يختلف كثيرا عن ما جمعه منتخب الجيدو، الذي تربع على عرش الصدارة العربية برصيد 8 ذهبيات، في حين تراجع منتخب الكاراتي دو نسبيا، لأن الرهان كان على حصيلة أكبر من الذهب، غير أن منتخب الرجال لم يتمكن من مسايرة ريتم المنافسة في اختصاص «الكوميتي»، فخرج خاوي الوفاض في هذا الاختصاص، إلا أن ذلك لم يقطع أمامه الطريق لاحتلال الصدارة في اللائحة الإجمالية، وهذا بعد تألق منتخب السيدات في الفردي، وكذا منافسات «الكاتا»، وهذا بعد التفوق على كل من الأردن والمغرب. حصيلة تاريخية في الكرة الحديدية وعلى نفس الموجة، سار منتخب الكرة الحديدية، الذي ضرب موعدا مع التألق في اختصاص «الرافا»، ثم بسط سيطرته المطلقة على منافسات الزوجي، ليكون الحصاد تاريخيا في سجل المشاركة الجزائرية في هذا الاختصاص، لأن الحصيلة بلغت 8 ذهبيات، من مجمل 17 ميدالية من المعدن النفيس تم توزيعها في هذه الرياضة، في وجود منافسة شرسة من المنتخب التونسي، والأمر ذاته ينطبق على المنتخب الوطني للجمباز، الذي كانت تتويجه باللقب العربي صعبا، لأن التألق كان في منافسات الزوجي، مما سمح للعناصر الجزائرية بتدارك إخفاقها في منافسات الفردي، واعتلاء سبورة الترتيب بمجموع 6 ذهبيات، وبالتالي التقدم على منتخب تونس. وامتد بروز الرياضة الجزائرية إلى اختصاصات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لمنتخب الدراجات، الذي لم يترك فرصة لمنافسيه في كل الاختصاصات وللجنسين، فكان الذهب من نصيبه في 6 سباقات، مع تنازله عن ذهبيتين فقط للمنتخب المغربي، من إجمالي منافسات تم تنظيمها في هذه التظاهرة، والوضع نفسه تقريبا حدث في رياضة المبارزة، لأن السيطرة الجزائرية كانت مطلقة، بانتزاع 5 ذهبيات، رغم تواجد منتخبي الأردن والكويت كمنافسين مباشرين على الذهب في كل الاختصاصات.