ساعي البريد سدراتي مسعود أصبح فردا من العائلة القسنطينية بعد 27 سنة من الثقة ساعي البريد سدراتي مسعود يعد من بين أقدم ممارسي هذا النشاط بولاية قسنطينة ، التقينا به وبريد الجزائر يستعد لوضع ترتيبات مسيرة أول ماي التي فقدت الكثير من صور البهجة ، ولم يبق صامدا منها إلا هذا الإحتفال البسيط الذي غاب السنة الماضية عن شوارع المدينة بسبب الحركة الإحتجاجية التي شنها عمال البريد للمطالبة برفع أجورهم . وساعي البريد اليوم لم يعد يرتدي البذلة البنية التي كنا نرسم خطوط شخصيتها في دفاتر المدرسة الإبتدائية ، لأنه كما أخبرنا أقدم موزع تعرفه شوارع مدينة قسنطينة قد تغير لونها إلى الأزرق بعد الإنقسام الذي عرفته مؤسسة البريد والمواصلات الأم في إطار إعادة الهيكلة في السنوات الأخيرة . وحتى لو لم يكن مرتديا الزي الرسمي ، فأينما خطا إلا ويجد من يناديه باسمه ويسلم عليه ، وقد حفظ سكان قطاع باب القنطرة وجهه ، وهو يطرق أبواب بيوتهم منذ الثمانينات محملا بالرسائل والهدايا. و بشيء من الحنين راح يتذكر كيف التحق بمؤسسة البريد بتاريخ 15 مارس 1980 عن عمر يناهز 22سنة مباشرة بعد أداء الخدمة الوطنية. وبسبب صرامة النظام المعمول به آنذاك لم يشعر بأنه غادر الثكنة التي كان فيها ، حيث كان الإنضباط هو السائد . وتبعا لطبيعة عمله التي تتطلب معرفة جميع أحياء الولاية ، خرج في بداية تجواله رفقة موزعي البريد القدامى ، ولقي التشجيع من زملاء المهنة ، منهم مرابط مسعود وزركيني كمال وأحمد يحي الشريف وليتيم رحمه الله . وأول حي حمل له الرسائل كان 20 أوت الذي يقيم به آنذاك رعايا أجانب ، حيث قضى فترة 5 سنوات متربصا وهو يلف من حي إلى آخر إلى أن أصبح يعرفها جميعا، فثبت في منصب عمله كموزع بريد على مستوى منطقة باب القنطرة ، وهو نفس المسار الذي مازال يشغله إلى حد اليوم بعد أن ترقى إلى رتبة رئيس سعاة بريد. أي 27 سنة قضاها في حي واحد ، وهي فترة طويلة جعلته كما قال “ فرد من العائلة “ حيث يتلقى دعوات من المواطنين لمشاركتهم أفراحهم ، بل أن معرفته بأدق تفاصيل البيوت التي يطرق أبوابها دفعت ببعض العائلات إلى استشارته وطلب خدماته قبل إتمام خطوبة أبنائها ، وعدد من الزيجات السعيدة اليوم ، منهن بعض جاراته ، هو من بارك خطبتهن وقدم لهن العرسان . وعلاقته مع سكان باب القنطرة كما ذكر لنا لم تتغير عما كانت عليه في سنوات الثمانينات ، حيث مازال يلقى كل الترحاب والإحترام منهم ، ويفتحون له أبواب بيوتهم دون خوف من أن يغدر بهم وقد وثقوا في أخلاقه ، باستثناء إزعاج بعض الأبناء المتمدرسين في السنوات الأخيرة الذين يحاولون أخذ كشف نقاطهم منه عنوة ، لكنه يرفض الإذعان لهم ، ويتمسك بحمل هذه الأمانة إلى أوليائهم مباشرة أو وضعها في صندوق البريد ، لذلك فعندما لا تصل بعض الأوراق الإدارية إلى أصحابها لا يتهمونه أبدا بضياعها ، ويتبين لاحقا بأنه لم يتم إرسالها من الجهة المعنية . وحقيبته مازالت كما قال تواصل توزيع البريد وإن خف وزنها بعض الشيء ، بعد أن استغنى العديد من المواطنين عن الرسائل الخاصة وتبادل التهاني في المناسبات السعيدة في عصر الأنترنت والهاتف المحمول ، فلم تعد تشهد الأعياد الدينية ورأس السنة ضغطا كبيرا عليهم كما كانت عليه قبل من قبل ، كما اختفت البطاقة البريدية منذ حوالي خمس سنوات من رزمة بريدهم ، ولم تعد تحمل حقيبته أي صورة من الخارج . لغز أرقام علي منجلي وفيلات بدون صناديق بريد وتبقى المشكلة الكبيرة التي يواجهها سعاة البريد كما أشار مسؤوله عبد المجيد بوطالبي الذي سيحال على التقاعد في أول ماي القادم ، في المدينةالجديدة علي منجلي ، بسبب غياب لوحات تدل على أسماء أحيائها التي تحولت إلى مجرد أرقام و رموز يجدون صعوبة في فك عناوينها المبهمة . وأيضا عدم مساعدة بعض المواطنين لمهمة ساعي البريد من أصحاب الفيلات الذين يتجاهلون وضع صندوق بريد في بيوتهم الفخمة، وصعوبة سلك الطرقات غير المعبدة. بالإضافة إلى الإعتداءات التي يتعرضون لها على مستوى الأحياء الفوضوية ، من عضات الكلاب المتشردة ، حيث قام بتحرير أربع محاضر حولها هذه السنة . و مهنة ساعي البريد التي كانت تشترط مستوى السنة الرابعة متوسط أصبحت تتطلب مستوى الثالثة ثانوي، ومن بين عمالها اليوم من يحمل شهادة ليسانس. و للتأكيد على أهمية دور ساعي البريد أشار إلى استعانة السلطات المحلية بهم مؤخرا عندما حضرت هيئة حكومية إلى المدينة لتحديد الخرائط التي عجزت الجهات المعنية في رسم معالمها. وسيشارك 48 ساعي بريد في سباق أول ماي حسبما ذكرت نائبة المدير التجاري بن عطية سميرة ، أكبرهم يبلغ من العمر 55 سنة وأصغرهم 24 سنة ، وذلك على مسافة تقدر ب2.5 كم على مستوى وسط مدينة قسنطينة ، توزع فيه جوائز على الفائزين.