كان يعتبر وظيفته الأساسية في الحياة هي القراءة و الكتابة هواية الكاتب الصحفي هشام أصلان نجل الراحل الأديب المصري إبراهيم أصلان يخص جريدة النصر بحوار يتحدث فيه عن صاحب رواية "مالك الحزين"، وهي المرة الأولى بعد أكثر من 4 أشهر على غياب الروائي أصلان التي يفتح فيها قلبه لجريدة عربية. هشام ظل يرفض كل دعوات الكتابة من طرف الملاحق الأدبية العربية التي كانت تطلب منه أن يخصها بمقالات يتحدث فيها عن والده رثاء واحتفاء في ذات اللحظة، لكن كان يعتذر لأنه كما يقول لم يقو حتى الآن على كتابة مقالة واحدة في حق أصلان الإنسان والمبدع. هشام الذي اعتذر للملاحق الأدبية العربية، رحب وبمحبة بحوار النصر معه، وهو كما أشرنا سابقا الأول للصحافة العربية غير المصرية، إذ أنه استجاب فقط لحوار واحد ووحيد للصحافة المصرية وتحديدا لمجلة "الثقافة الجديدة"، وحواره اليوم في النصر أول استجابة للصحافة العربية وفيه يتحدث عن إبراهيم أصلان وعن زهده في تكريمات وجوائز الدولة، وعن رواياته التي تم تحويلها إلى السينما وعن إحساسه أثناء ثورة 25 يناير وعن بعض الأمور التي تتعلق بأصلان الوالد والكاتب الذي ظل دائما يفضل الظل عن أضواء الإعلام وضجيج المهرجانات والملتقيات. يُذكر أن إبراهيم أصلان غادر يوم السبت 7 جانفي 2012 عن عمر يناهز 77 عاماً وذلك بعد فترة مرض على إثر تناوله عقاقير طبية مقاومة لنزلة برد، غير أن هذه العقاقير أثرت سلبًا على القلب وأربكت وظائفه وكانت سببا في موته وهو على كرسيه الهزاز، الذي تمنى أن يشتريه من زمان، وعندما وضعه في بيته القديم بإمبابة وجد أنه تحول إلى "كرسي عادى" بسبب ضيق المكان، وبعد أن انتقل إلى بيته الجديد بالمقطم، خصص له مكانا وتوفى عليه بهدوء. حاورته/ نوّارة لحرش كيف تستحضر والدك الكاتب إبراهيم أصلان، وكيف هي ذكرياتك معه؟ هشام أصلان: ربما أن طبيعتي التي تميل إلى الهروب من حالات الشجن، تمنعني من تعمد استحضاره، لكن حتى هذا الهروب غير مجدي، لأنه موجود معي طوال الوقت، ليس فقط بحكم الأبوة البديعة التي وفرها لي ولباقي الأسرة، ولكننا كنا أصدقاء بالمعنى الحقيقي للكلمة، وبحكم الأرضية الواحدة التي نعمل عليها في الحقل الثقافي، كان بيننا الكثير من الأصدقاء المشتركين، والأماكن التي تجمعنا صدفة أو بموعد، فتجدين، مثلا، أن هناك أصدقاء له، أتعامل معهم بوصفهم أصدقائي وليس باعتبارهم أصدقاء والدي، وأذكر منهم، على سبيل المثال، الشاعر والناقد شعبان يوسف، والناقد د.محمد بدوي، وهما من أقرب الأصدقاء في الوسط الثقافي إلى قلبي، وربما يشير هذا الأمر إلى الجزء الثاني من سؤالك حول ذكرياتي معه، فهي محيطة بي طوال الوقت من كل الجهات، سواء في البيت أو العمل أو على وجوه هؤلاء الأصدقاء المشتركين، ورغم محاولتي لتحقيق الاستقلال، لا أستطيع إنكار أن حتى ذكرياته هو التي قرأتها متجسدة في بعض أعماله الأدبية، تمثل جزء من ذكريات طفولتي، ذلك أنني قرأت هذه الأعمال في سن مبكرة. كيف عاش تفاصيل وأحداث ثورة 25 يناير؟، كيف كان إحساسه ورأيه؟ هشام أصلان: لا أريد أن يتلقى البعض هذه النقطة باعتبارها شكل من الادعاء أو المتاجرة، لذلك أتعمد عدم الحديث عنها كثيرا، ولكن موقفه كان معروفا للجميع منذ البداية، وكان مؤمنا أن هناك لحظة ذروة لن يهدأ الشباب حتى يعيشوها، وهي اللحظة التي أُعلن فيها خطاب التنحي، وكانت من اللحظات القليلة التي لا أنساها معه. سمعنا الخطاب سويا ورأيت في وجهه فرحة لا تنسى، يومها أصر على النزول إلى الميدان والاحتفال مع الأصدقاء، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها ميدان التحرير بعد 25 يناير، حيث كان الظرف الصحي يمنعه من النزول في زحام المظاهرات. وهناك عددا معقولا من المقالات الأدبية التي نشرها بجريدتي "الأهرام" و"اليوم السابع" في هذا الشأن. ماذا عن زهده في التكريمات وجوائز الدولة، هل كان يحكي أمامك عن هذا الزهد وهذا الابتعاد والعزوف عن الأضواء؟ هشام أصلان: لم يكن يحكي، لكنني كنت أعرف رأيه، ويعرفه كل من عمل في الوسط الثقافي، كان يرى أنه لا فائدة من أن تكون عالميا وجارك الذي يسكن بجانبك لا يعرف عنك شيئا، فكانت تتجلى سعادته إذا قابله أحدهم في الشارع وأثنى على كتاب له أو مقال، وأعتقد أن هذا هو ما يسعد أي كاتب حقيقي، وطبعا هذا لا يعني عدم فرحته بجائزة الدولة التقديرية، لكنه لم يكن يعمل من أجل هذا. هل له طقوس معينة في الكتابة، وما هي أكثر الأوقات التي كنت تراه فيها منكبا على الكتابة؟ هشام أصلان: لم يكن هناك طقسا بعينه، هو كان مقلا في الكتابة بشكل عام، وعندما التزم بمقال أسبوعي مع جريدة "الأهرام" كان يتعامل مع الأمر باعتباره عبئا، وينكب على كتابته في اللحظات السابقة على تسليمه مباشرة. كيف كانت تصرفاته في البيت معكم ومع الزوجة والأهل والأصدقاء؟ هشام أصلان: كان داخل البيت مثله مثل خارجه، هو كان شخصا هادئا لطيفا، يكتم الانفعالات داخله، وكان يرى أنه عليك تلقى الناس كما هم عليه وليس كما تريد أن تراهم. من هم الأدباء والكتاب الذين كانوا يترددون أكثر على البيت لزيارته وقضاء بعض الوقت معه؟ هشام أصلان: لطبيعة الحياة ومشاغلها لم يكن هناك زيارات متبادلة مع الأصدقاء في السنوات الأخيرة، لكنني أتذكر أثناء طفولتي، كان هناك عدد من الكُتاب الأصدقاء، يسكنون بالقرب منا فكنا نتبادل الزيارة معهم، ومنهم إبراهيم عبد المجيد ومحمود الورداني ومحمد كشيك، لكنني أعرف أن شقة أسرته التي كان يسكنها قبل زواجه شهدت جلسات عدد كبير من الأصدقاء في الوسط الثقافي العربي وليس المصري فقط، حيث عايش غرفته الصغيرة كل الكُتاب الذين جايلوه وكان أبرزهم في حدود معرفتي أمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وسعيد الكفراوي، وغيرهم. كان يقول دائما أن الثقافة جمهورية واحدة، وأعرف جيدا أنه كان أيضا على صداقة بأغلب الكتاب العرب، من خلال القراءة لبعضهم البعض وأيضا من خلال الالتقاء في المؤتمرات ومعارض الكتاب الدولية. هل كان على خلافات مع بعض الكتاب؟ هشام أصلان: لم أسمع أبدا عن أي خلافات بينه وبين أحد. وماذا عن الأزمة أو الحملة التي تعرض لها بسبب نشره رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر في سلسلة أفاق عربية، والتي أدت إلى حدوث مظاهرات ضده من طرف طلاب الأزهر وإلى التحقيق معه؟ هل وجد إبراهيم في هذه المحنة الدعم والمساندة من الوسط الثقافي المصري؟ كان يرى أنه لا فائدة من أن تكون عالميا وجارك الذي يسكن بجانبك لا يعرف عنك شيئا هشام أصلان: أزمة الوليمة، كُتب عنها سيل من الكتابات والمقالات، لكن أستطيع أن ألخص الموضوع في إن كل المثقفين المصريين والعرب وقفوا بجانبه وساندوه إلى أقصى درجة. وهنا أقصد بمن ساندوه طبعا، المثقفين الحقيقيين، المهمومين بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير. يحظى أصلان بتقدير نادر، لدرجة أن الجميع يعتبرونه كأيقونة، كيف كان شعوره تجاه هذا التقدير العالي؟ هشام أصلان: بالنسبة لشعوره تجاه التقدير العالي والكبير، هو لم يكن يتعامل مع نفسه أبدا باعتباره "نجم"، وإلى آخر وقت كان لا زال قادرا على الاندهاش. لمن كان يقرأ أكثر؟ هشام أصلان: لا أعتقد أن هناك كاتبا يستحق أن يُقرأ ولم يقرأه أصلان، كان يعتبر أن وظيفته الأساسية في الحياة هي القراءة، وأن الكتابة هواية، وكان مؤمنا بأن القراءة يجب أن تكون في كل المجالات وليس في الأدب فقط، وربما أن عدم إتمام تعليمه، لمساعدة أسرته، لعب دورا في هذه المسألة، فراح يعوض عدم التعليم بقراءة كل ما تقع عليه عينه، إلى أن أصبح كاتبا معروفا، تُعد عنه رسائل الماجستير والدكتوراه. هل تذكر أكثر الأوقات التي كان فيها سعيدا والتي كان فيها حزينا، وآخر مرة رأيت فيها دموعه ولأي سبب كانت؟ هشام أصلان: المرة الوحيدة التي رأيته فيها يبكي، كانت عندما توفى شقيقه الأصغر، وأكثر مرة رأيته فيها سعيدا كانت لحظة إلقاء عمر سليمان خطاب تنحي مبارك. أصلان والرثاء، برأيك هل احتفى الوسط الأدبي بأصلان أو رثاه؟، واقع الحال يقول أن الاحتفاء كان أعلى من الرثاء، هل لأن أصلان يستحق أن يُحتفى به حتى في لحظة الوداع والرحيل؟ هشام أصلان: بالفعل لم يكن رثاء بقدر ما كان احتفاء كبيرا، طبعا كان الحزن والشعور بالفقد الجسدي موجود، لكن الكل أجمع على أن سيرته لا تستدعي غير البهجة، وأن الحزن لا يلائمه. طلبت منك الكثير من الملاحق الأدبية كتابة مقالة عن الراحل أصلان، لكنك رفضت وقلت أن رحيله كابوس، ألم تستوعب الكابوس بعد، ألم تكتب عنه حتى الآن؟ هشام أصلان: لا، للأسف لم يحدث أن كتبت مقالا عنه حتى الآن، لم أستطع هذا، وكنت دائم الخجل من رفضي لهذا الطلب، حيث أن كل من طلبوا المقال تجمعني بهم صداقة كبيرة، لكن مشاعري إلى الآن ملتبسة تجاه ما حدث، وأتوقع أنني لو كتبت اليوم شيئا ربما أشعر بعكسه غدا. سيرته لا تستدعي غير البهجة، والحزن لا يلائمه قلت: "إذا وحشني أبويا، لن أذهب إلى المقابر كما يفعل الناس، ولكن سأذهب إلى الأماكن التي قرأتها في رواياته. سأزور عالمه الخاص: إمبابة، الكيت كات، أحياء الفقراء والغلابة، وهي أماكن عشتها، وأعرف قدرها عنده". هل زيارة تلك الأماكن تشفي حقا غليل الشوق؟، وأي مكان ستتردد عليه أكثر، لأنه بشكل أو بآخر له أهمية أو رمزية أكثر عند أصلان؟، هل سيكون إمبابة أم الكيت كات؟ هشام أصلان: من المؤكد أن زيارة تلك الأماكن أو غيرها لا يشفي غليل الشوق، لكنني أعرف المكانة التي تحتلها هذه الأماكن عنده، ولست وحدي الذي يعرف ذلك، وكما قلت لكِ بداية، أن ذكرياته، فيها جزء من ذكرياتي، وفكرت أن زيارتي لهذه الأماكن هي زيارة لروحه فيها، وربما يكون هذا الكلام محاولة لمقاومة الاعتراف بفكرة رحيله التي سوف تترسخ بزيارة المقابر، لكن للأسف، ما باليد حيلة في هذه الأمور. وبالنسبة لأكثر الأماكن التي أفكر في زيارتها، هو الجلوس على النهر في منطقة الكيت كات، فأنا أعلم كم كان هذا المكان ملهما له، ومرتبطا به، وتقريبا بأغلب من يعيشون في إمبابة والكيت كيات. كيف هي علاقتك الآن بكرسيه الهزاز الذي اشتراه، ولم يستطع الجلوس عليه في بيته القديم بإمبابة لضيق المكان. كيف تنظر إليه وهل جربت الجلوس عليه؟ هشام أصلان: لم أستطع التعامل مع هذا الكرسي على الإطلاق، ولا حتى لمسه، بل كان مجرد النظر إليه يزيد ألمي. أكثر رواية له تعود لقراءتها، ومع كل قراءة تشعر فيها أنك تكتشف والدك أصلان أكثر؟ هشام أصلان: أنا أحب كل ما يكتبه، ولكن "مالك الحزين" تحديدا لها معزة خاصة عندي، ربما لأنها أول ما قرأت له في الصغر، أيضا لأنني رأيت المنطقة التي عاش فيها أهلي من زاوية مغايرة وفي زمن مختلف عن الزمن الذي عشتها فيه. تم تحويل بعض أعماله ورواياته إلى أفلام من طرف بعض المخرجين المصريين، هل كان راضيا عن تلك الأفلام، مثل "الكيت كات" و"عصافير النيل"، وهل رأى أن الوسيط السينمائي كان موفقا في تحويل الروايات إلى حياة أخرى متحركة على الشاشة؟ هشام أصلان: كان راضيا بشكل كبير عن المعالجة السينمائية لعمليه، "مالك الحزين"، و"عصافير النيل"، خاصة وأن ثقته في المخرجين الكبيرين داود عبد السيد، ومجدي أحمد علي كانت كبيرة. هل ترك بعض الأعمال الأدبية، وهل تنوي نشرها عن قريب؟ هشام أصلان: كانت هناك رواية يعمل عليها في الفترة الأخيرة، ولكنه مسحها كاملة دون قصد من على جهاز الكمبيوتر، ورغم أنه كان نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام، إلا أن النسخة التي مُسحت كان عليها تعديلات كما قال لي ذات مرة، ونفكر في نشرها كما كانت في الأهرام مع الإشارة في مقدمة لما حدث، ولكن لم نأخذ قرارا بعد، أيضا هناك عدد من المقالات الأدبية التي كتبت أثناء الثورة، وأتصور أنه من الممكن جمعها في كتاب، غير أن هناك كتابا صدر بالفعل أعده وقدم له الشاعر المصري شعبان يوسف، وضم عددا من قصصه الأولى التي لم تنشر في كتاب، ومعها بعض الشهادات والدراسات النقدية التي لاقاها في بداياته من بعض كبار النقاد. الكتاب صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر وكان بعنوان "خلوة الكاتب النبيل". وكيف وجدت الكِتاب؟ هشام أصلان: كتاب "خلوة الكاتب النبيل"، تناول زاوية مهمة في رأيي، وجاء على مستوى لائق جدا رغم ضيق الوقت الذي أنجز فيه، والحقيقة أنه جهد مشكور جدا للصديق الشاعر والناقد شعبان يوسف. الذي أعرف كم أن اهتمامه بإنجاز الكتاب يأتي، ليس فقط في إطار هواه بالتوثيق والتنقيب، ولكن أيضا في إطار شعوره بالمحبة الكبيرة لإبراهيم أصلان. إضاءة على مالك الحزين