1 زمان، كنت فكرت في كتابة جزء ثان من رواية ''مالك الحزين'' وشجعني بعض الأصدقاء على ذلك، إلا أنني بعد عرض ''الكت كات'' خشيت أن يقال إنني أردت استثمار النجاح الذي صادفه الفيلم، استبعدت الفكرة تماما، وحسنا فعلت· إلا أنني، وقد مضت السنون، لم أستطع أن أمنع نفسي من تتبع مصائر بعض الشخصيات الحقيقية التي اعتمدت عليها في كتابة هذه الرواية، وعرفها المشاهد على نطاق أوسع بعد مشاهدة الفيلم، من أمثال الشيخ حسني الضرير والهرم بائع المخدرات وفاطمة ويوسف وتاجر الطيور وغيرهم، فهذه شخوص لها أساس في الواقع وملامح من أناس عرفتهم وعشت بينهم· وليس معنى ذلك أن كاتبا يمكنه أن ينقل رجلا في الشارع إلى الورق، لأن هذا غير ممكن عمليا، كما أن أحدا لا يستطيع أن يخترع إنسانا، كل ما يستطيعه هو أن يتكئ على ملمح أو آخر يعينه على البدء، أما الشخصية فهي لا تتكون أبدا إلا عبر ردود أفعالها، ثم أفعالها تجاه ما يصادفها داخل النص من مواقف وأحوال، هكذا تتضح ملامحها وتنمو كائنا لم يكن حتى في الحسبان· وتبتعد الشقة بينها وبين الأصل الذي اعتمدت عليه· لقد صار شخصا لا ينطق إلا بلسانه، ومعذرة لهذا اللغو· لقد وجدتني راغبا في أن أحدثك عما جرى لهؤلاء الناس الذين على أرض الواقع· ما جرى للشيخ حسني الذي جسده الفنان محمود عبد العزيز، وسأعود إليه في مرة لاحقة· تاجر الطيور الذي اشترى مقهى عوض الله ليهدمها، فاطمة، يوسف، عبد الله· الهرم بائع المخدرات الذي جسده الفنان الراحل نجاح الموجي، وهو بالمناسبة بائع المخدرات الوحيد في المنطقة الذي لم أكن رأيته، وإن استوقفني اسمه، ولقد حدث مرة أثناء سهري في بيت أحد الأصدقاء على مقربة من منزل الأسرة في الكيت كات، وكان الفجر اقترب، أن سمعت صوتا عاليا ينادي مكررا: ''الصلاة يا مؤمنين، الصلاة خير من النوم'' وسألني هذا الصديق: ''تعرف مين ده؟ قلت: ''لأ'' قال: ''ده الهرم بيع الحشيش'' ثم أخبرني أن الهرم أثناء جلوسه مع زوجته ليلا، وكان خرج حديثا من الحبس، وكانت هي شابة، بنت بلد وجميلة، حدث أن وضعت رأسها على كتفه وارتاحت قليلا وماتت· وهو انتابه الهلع العظيم لشهور لم يغادر فيها البيت، ثم أطلق لحيته، ووضع عمامة كبيرة، وأمسك بعصا طويلة وغليظة، وصار يغادر البيت قبل صلاة الفجر، يجوب حواري إمبابة لا يفوته يوم، يدق الأرض بعصاه كما يدق الأبواب صائحا: ''الصلاة خير من النوم''· وما إن تبدأ الصلاة حتى يعود إلى البيت· لا يصلي، ولا يدخل الجامع أبدا· أما المعلم تاجر الطيور، فهو بعدما اشترى المقهى وهدمها وبنى مكانها عمارة كبيرة، ثم بعدما اشترى الحارة وفعل فيها نفس الشيء، بعدما انتهى من ذلك كله أصابه المرض العضال في حنجرته، ثم علمت من الأصدقاء أنه استأجر مضيفة تجيد الإنجليزية رافقته إلى لندن، حيث ركبوا في رقبته ثقبا معدنيا للتنفس، (من أخبرني كان يقصد إعلامي بالمبلغ الضخم الذي تقاضته المضيفة) بعد لك بزمن افتقدته وسألت عنه، وعلمت أنه لما كان قاعدا بالجلباب والمعطف، يتابع عماله وهم يشتغلون بين أقفاص الطيور، ويعملون فيها تقليبا ووزنا وذبحا ونتفا وخلافه، حدث أن الزغب المتطاير في أجواء المكان سد هذه الصفارة، والمعلم اختنق في مقعده على باب الدكان، ومات· والحقيقة، أنا استغربت· بعدما كتبت ما كتبت، أخبرني صديق قديم من إمبابة يدعى عادل الشرباتي أن الهرم قبل أن يحدث له ما حدث، كان اتجه بعد عرض الكيت كات إلى شارع دوبريه حيث الشركة المنتجة للفيلم ودق الباب، وعندما فتح له أحدهم قال: ''أنا الهرم''· والرجل الذي لم يفهم استغرب وقال: ''هرم إيه''· وهو قال: ''أنا الهرم اللي اسمه طلع في الفيلم''· ثم أخبرني أن الهرم قال له بأن الرجل في الشركة انبسط منه وأعطاه عشرين جنيها وأغلق وراءه الباب· وأضاف بأنه سأل عني شخصيا ليرى إن كنت سأدفع له شيئا عن هذا الفيلم، والشرباتي أخبره بأن ينسى هذا الأمر تماما لأنني مجرد مؤلف، فضلا عن كوني من أبناء إمبابة·