مؤسسة الشيخ بن باديس بقسنطينة تحصي 6 آلاف عنوان أُنشئت المكتبة التابعة لمؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس المتواجدة بقسنطينة، لتخدم العلم والفكر، فضلا عن نشرها ثقافة المطالعة المثمرة التي يستفيد منها قراء من مختلف الشرائح العمرية وباحثين وطلبة جامعيين، حيث يجدون ضالتهم بين عدد كبير من الكتب القيمة، كما يضم مخزنها ما أرخه باحثون جزائريون في مجالات عديدة، وذلك حفاظا على الموروث العلمي العربي الإسلامي، بحسب ما أفاد به رئيس المؤسسة عبد العزيز فيلالي للنصر. إيناس كبير زرنا مقر المؤسسة وتجولنا في المكتبة التي كان يعمها الهدوء التام، حيث وقفنا أمام رفوف تحتوي على عدد مهم من العناوين بعضها تناول شخصيات تاريخية بارزة وعلماء جزائريين دافعوا عن الهوية الوطنية، وتحدثت صفحاتها عن فكرهم واجتهاداتهم، فضلا عن حقب مختلفة من تاريخ الجزائر والأمة الإسلامية والعربية، كما لفت انتباهنا قصص مصورة للأطفال معروضة فوق الرفوف المتواجدة برواق المؤسسة. مصادر موثوقة للمهتمين بالتاريخ وضع القائمون على مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس كل جهودهم وإمكانياتهم، لإنشاء مكتبة علمية ثقافية فكرية تساهم في بناء المجتمع فكريا وثقافيا، فضلا عن توفير مصادر موثوقة للباحثين والمهتمين بالتاريخ، يقول رئيس المكتب، الدكتور عبد العزيز فيلالي، بأنهم ركزوا أثناء تظاهرتي قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، وكذلك تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية على إثراء المكتبة، خصوصا وأن وزارة الثقافة أصدرت الكثير من الكتب المهمة، وكان نصيب المكتبة منها حوالي ستة آلاف كتاب أغلبها باللغة العربية وذلك نظرا لأهمية إتقانها والحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار، على حد تعبيره، بالإضافة إلى حوالي 70 عنوانا أصدرته المؤسسة، حيث أفاد فيلالي بأنهم يطبعون سنويا من خمسة إلى ستة كتب. وقال المتحدث بأنهم ارتأوا في البداية أن تكون مكتبة متخصصة، تحتوي على كل ما دُون عن الحركة الإصلاحية، لكنهم فيما بعد قرروا التوسع في الاختصاصات والمواضيع لتشمل عناوين في التراث الوطني بصفة عامة، والتاريخ الوسيط والحديث فضلا عن المعاصر، كما يتواجد بها كتب في الفلسفة والأدب والشعر. كما خُصص جناح للأطفال يحتوي على مجموعات قصصية تسرد البطولات التي بذلها المجاهدون والشهداء، وأخرى عن تاريخ مدينة قسنطينة، كما وضعوا بين أيديهم كتبا تلاءم ومستوى استيعابهم، يتعرفون من خلالها على شخصية العلامة عبد الحميد بن باديس ومآثره، فضلا عن رفاقه الذين شاركوه مهمة تحرير الوعي المجتمعي وإنقاذه من شرِاكِ الجهل والخرافات التي كانت تستحوذ عليه آنذاك، وأردف فيلالي بأن المؤسسة تنشر ما معدله كتاب إلى كتابين مخصصة للأطفال، وأعقب بأنهم في الإجمال وصلوا إلى طبع في حدود سبع عناوين. قاعة مطالعة لاستقبال القراء و الباحثين من جهته قال الأمين العام لمؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، إدريس خلدون، بأنهم خلال الترميمات الأخيرة استحدثوا قاعة للمطالعة لاستقبال القراء، وهي مفتوحة يوميا للزوار عدا يوم الجمعة، مضيفا بأن المكان مريح وهادئ يساعد على التركيز واستيعاب معلومات الكتاب.غير أنه أبدى تأسفه لقلة عدد الزوار، المنحصر في فئة من الباحثين الجامعيين وطلبة التاريخ والفقه، الذين يبحثون عن عناوين لإنجاز بحوثهم أو مذكراتهم، وقال الأستاذ خلدون بأن مخزن المكتبة يحتوي على مجموعة قيمة من العناوين والإصدارات لمؤرخين ودكاترة جزائريين تناولوا تاريخ الثورة، ومحطات من حياة الشيخ عبد الحميد بن باديس وعلماء جزائريين، وذكر خلدون بأن الأساتذة والباحثين من أعضاء المؤسسة أيضا يحرصون على إفادة القراء وتوجيههم، فضلا عن مشاركتهم خبراتهم العلمية والأكاديمية، والإجابة عن استفساراتهم. تحري الدقة في الإصدارات التاريخية والفكرية ولفت الدكتور فيلالي، إلى أهمية التدقيق العلمي قبل إصدار الكتب وتقديمها للقارئ، وقال بأن المؤسسة تعتمد على لجنة علمية متكونة من أساتذة وباحثين يقيمون الكتب التي تصدر قبل نشرها، متحرين فيها القيمة المعرفية، والتاريخية والاجتماعية التي ستضيفها للقارئ، ونبه من جهة أخرى على أهمية اعتماد المؤرخ على مصادر أصلية وذات مصداقية، وقال بأن الذي يحمل على عاتقه هذه المسؤولية لا يستطيع المضي في طريق التأليف بدونها، وعلق المتحدث بأن التاريخ الذي لا يعتمد على وثائق حقيقية لا يمكن دراسته والاستفادة منه.كما يرى بأن الاعتماد على منهج تاريخي، والاحتكام إلى الموضوعية في الطرح عنصرين مهمين يجب أن يتقيد بهما المؤرخ، فضلا عن إتقانه للغة البلد أو المدينة التي يكتب عنها حتى لا تكون كتابته هزيلة ولا يقع في اللبس والمغالطات، فضلا عن الاختلاط بالمجتمع الذي يدون عنه. فضاء لتلقين الأطفال القراءة والتاريخ وتهتم المؤسسة بالحفاظ على مكانة الكتاب لدى الأطفال وتعزيز القراءة لديهم، حتى يستقوا منها المعرفة القائمة على أسس صحيحة، لهذا تستقبلهم في رحابها مخصصة لهم برنامجا علميا وثقافيا ثريا بالمناقشات والتفاعلية مع المعلومات التي يتلقونها، وفي هذا السياق قال الدكتور فيلالي بأنهم استقبلوا في آخر نشاط لهم موجه للأطفال، تلاميذ أعضاء في ناد للقراءة حضروا مع أوليائهم ومعلميهم لزيارة هذا الصرح العلمي والتعرف على مرافقه، يضيف بأن الهدف من الزيارة هو معرفة مدى اهتمام التلميذ بالمطالعة. وعقب المتحدث، بأن الأولياء يجب أن يكونوا واعين بأهمية خلق توازن بين استخدام أبنائهم لوسائل التكنولوجيا وممارستهم للأنشطة الثقافية على رأسها مطالعة الكتب، مضيفا بأن القراءة يجب أن تُرسخ في الطفل منذ الصغر بمساعدة وإشراف أهاليهم لما يحتوي عليه الكتاب الورقي من فائدة كبيرة يجب الحفاظ عليها من الضياع أمام قوة تأثير وتسارع التطور التكنولوجي، ونصح بأن تكون القراءة متنوعة وشاملة لكل المجالات، حتى يحقق القارئ ثراء معرفيا ولغويا، كالإطلاع على ما حللته الفلسفة من أفكار ونظريات، وما توصل له البحث في العلوم الدقيقة والتكنولوجيا، كما أكد على الاهتمام بالتاريخ الذي وصفه بأنه ذاكرة الشعوب والأمم. المكتبة تقاوم والكتاب الفكري يفرض تواجده ورغم نقص إقبال القراء على قاعة مطالعة المكتبة، يقول الأمين العام للمؤسسة إدريس خلدون بأنهم متواجدون دائما لخدمة القارئ، ولتعميم ونشر ثقافة قراءة الكتاب الفكري والتاريخي، خصوصا في ظل انتشار عناوين تجارية غيرت مفهوم القراءة ورمت بها في هوة التقليد وإتباع كل ما هو رائج، يردف المتحدث بأن مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس انتهجت سبيلا في مجابهة هذا التيار من خلال العمل الميداني بالتوجه نحو الثانويات بالتنسيق مع مدرائها، وبرمجة أنشطة للتلاميذ يتعرفون عبرها على تاريخ الجزائر وأمجادها فضلا عن تزويدهم بمعلومات مهمة، مضيفا بأنهم أيضا يمنحون كتبا للمدارس لتقديمها كهدايا تشجيعية للتلاميذ النجباء. ويهدفون من خلال هذه المبادرات التي تقوم بها المؤسسة لإخراج العلوم والمعرفة من بين الجدران وتسهيل وصول كل الفئات إليهما، ووفقا لخلدون فإن الغاية من تأليف الكتب هي قراءتها والاستفادة منها لذلك يسعون لوضعها بين يدي كل قارئ وباحث عن المنفعة.بدوره قال رئيس مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، عبد العزيز فيلالي، بأنهم يطمحون لتوسيع المكتبة، وبرمجة معرض خاص لكل الكتب والإصدارات التي تحتوي عليها. العلامة بن باديس قضى جل وقته في المطالعة وزرعها في طلبته وفي سياق متصل، تطرق الدكتور عبد العزيز فيلالي إلى تعلق العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس بقراءة الكتب، يقول بأنه كان لا ينام إلا سويعات قليلة بينما يجده أهل بيته أو رفاقه، في باقي اليوم إما حاملا كتابا أو بصدد البحث والتدوين أو تعليم طلبته الذين ساروا على النهج نفسه، مضيفا بأنه وبحسب ما جاء في تقارير بوليسية كانت تراقب كل ما يصل عبد الحميد بن باديس من خارج الجزائر، فقد أحصت حوالي 37 مجلة كانت تأتي للشيخ من أقطار مختلفة من العالم، فضلا عن الكتب والجرائد المتواجدة بالجزائر والتي كان يطلع عليها باهتمام كبير أيضا. يضيف الدكتور فيلالي، بأن مكتبة بن باديس كانت ثرية بالكتب التي شاركها مع طلبته لقراءتها، كما حرص على حثهم على المطالعة ومجالسة الكتب، وأعقب المتحدث بأن الشيخ لم يبخل على المجتمع الجزائري بالمعلومات التي كان يتحصل عليها، فقد كان يضمن جريدة الشهاب بكل ما يراها مفيدا وينشرها لهم لقراءتها. يقول محدثنا بأن هذا التكوين، واحتكاكه بعلماء في الزيتونة والمدرسة الخلدونية في ذلك الوقت، جعلا منه رجل ذو اتجاهات مختلفة، تضلع في الدين والتفسير والقراءات، كما دلت كتاباته على أنه كان يجيد اللغة العربية وقلمه سيال وسلس وغير معقد، واصفا إياه، بأنه كان صحفيا بامتياز وذو اطلاع في علم النفس والاجتماع، وسياسي من طينة الكبار.