لم أحب الثورات العربية و الربيع الذي لا يقوده المثقفون شتاء قالت الروائية الجزائرية المقيمة بلبنان فضيلة الفاروق أمس بقسنطينة بأنها لم تحب الربيع العربي و لا ثورة الياسمين و لا أي ثورة أخرى قامت بالوطن العربي لأنها ضد تكرّر المأساة الجزائرية في باقي البلدان العربية، معلّقة :"أي ربيع لا يقوم بالثقافة فهو شتاء". كما تحدثت عن مصالحتها مع أحلام مستغانمي قائلة بأنهما تعيشان مرحلة هدنة لأجل الجزائر التي تجمعهما. و أضافت الروائية فضيلة الفاروق في لقاء جمعها أمس بقرائها و أصدقائها في أمسية مفعمة بشهادات و اعترافات طبعتها الصراحة و التلقائية بأنها من أنصار قيادة المثقف العربي لهذه الثورات مسترسلة بأنها ضد هذه الثورات طالما أن المثقف لا زال مهمشا و القطيعة بينه و بين المجتمع كبيرة جدا لأن النظام هو من رسخ ذلك. و أضافت بأنها ضد أن تكرّر المأساة الجزائرية في أي بلد عربي آخر معتبرة ما حدث في الوطن العربي لم يكن ربيعا و إنما انتفاضة على الظلم، كاشفة بأنها رفضت الإجابة مرارا عن أسئلة بعض وسائل الإعلام العربي بخصوص رأيها في الربيع العربي لأنها تدرك جيدا كما قالت بأن إجابتها ستسغل ضدها. الأديبة المعروفة بجرأة كتاباتها، حافظت على جرأتها المعتادة و هي تجيب على أسئلة الحضور من قراء و إعلاميين، و التي أعادتها إلى محطات كثيرة بحياتها الأدبية و حتى الخاصة ، حيث رجعت إلى بداياتها عندما كانت تكتب تحت اسم رجالي مستعار ، و إدمانها على قراءة جريدة النصر التي كان والدها موظفا بها، و تتحدث بحنين عن طفولتها و ذكرياتها في أريس و تجربتها الدراسية، جاعلة من منبر قاعة المحاضرات محمد العيد آل خليفة منصة اعتراف، لم تترّدد في البوح بفشل تجربتها الدراسية في البداية و عدم تحصلها على شهادة البكالوريا في المرة الأولى، و حالة اليأس التي مرّت بها لولا إصرار والدها على متابعة دراستها لتصطدم بفشل تجربتها الثانية بمعهد الطب بباتنة التي وصفتها بالسيّئة و تسترسل و هي تضحك بأن مستواها في اللغة الفرنسية كان ضعيفا، قبل أن تعرّج على يومياتها بجامعة قسنطينة التي اعتبرتها من أهم محطات حياتها لما حققته فيها من صداقات لا زالت مستمرة إلى اليوم و هي تذكر بعض أسماء رفاقها، لكن ابتسامتها غابت عن وجهها و عوضتها الدموع و هي تسترجع ذكرياتها مع الهجرة و بداياتها بمنفاها الاختياري لبنان قائلة "كانت البداية صعبة لأنني كنت نكرة بلبنان و لا أحد يعرفني". و تحدثت و الدموع تخنق صوتها عن موقف عاشته و هي تحمل أول إصدار لها نشرته على حسابها " لحظة لاختلاس الحب" و كيف وقفت على رصيف تحمل كتابها و تستسلم لنوبة بكاء بعد سماعها لأغنية "يا الرايح وين مسافر تروح تعيا و تولي" بصوت رشيد طه و التي زادت من حرقة الشوق و الحنين للوطن. و حاولت الأديبة تصحيح بعض الأحكام التي قالت أنها كانت قاسية في حقها كاتهامها بمهاجمة الرجل، و تصنيفها كأنثوية، و اعترفت بأنها تحاملت نوعا ما على الرجل في شبابها لأنها كانت تظن بأنه مصدر كل الهموم على حد تعبيرها، لكن تداركت ذلك في أعمالها الجديدة بعد أن خفت حدة ذلك التحامل بوصولها إلى لبنان و رؤيتها لصور أخرى عن الرجل الذي يدلل ابنته و زوجته و لا يعاكس بوحشية المرأة في الشارع و غيرها من السلوكيات التي طالما انتقدتها في الرجل الجزائري. و في سلسلة اعترافاتها المتواصلة، كشفت فضيلة الفاروق و اسمها الحقيقي فضيلة ملكمي بأنها أعادت قراءة و اكتشاف الأدب الجزائري بوصولها إلى لبنان، منتقدة طريقة التدريس في الجامعة الجزائرية و غياب النقاش معلّقة "لم يعلموننا مناقشة الأفكار، لذا تبقى أفكارنا للأسف رخامية بعد التخرّج". كما أشارت إلى غياب الحوار و التواصل بين الأجيال مستنكرة ظاهرة محاربة الجيل الجديد للجيل الذي قبله. و عن التغيّرات التي طرأت على أسلوبها و طريقة تفكيرها في إصداراتها الجديدة، قالت الأديبة التي حلت ضيفة شرف على الأمسيات الأدبية المنظمة في إطار شهر التراث، بأنها بعد روايتها "اكتشاف الشهوة" خرجت من النفق الأنثوي رغم انحيازها المستمر لجنسها. و في رد على سؤال حول جرأة وصفها المبالغ لعمليات الاغتصاب لدرجة اتهامها بالترويج للاغتصاب، قالت الأديبة"كوني أتحدث عن الاغتصاب لا يعني بأنني أرّوج له، لكن وصفي الدقيق يلّخص ألمي لأنني أعيش رواياتي و أتأثر بكتاباتي". و استرسلت معبّرة عن رفضها للكتابة بهدف تسلية القارئ، و أكدت بأنها استندت إلى مراجع و أدلة و قوانين و لم تكتب روايتها اعتباطيا "لا بد على القارئ أن يقرأنني مرتين فقراءتي مرة واحدة لا تكفي لفهمي" تردف الروائية موضحة بأنها تهتم كثيرا برمزية الجمل و دلالتها. و لم تتخل فضيلة عن تعليقاتها المشاغبة و هي تتحدث عن واقع الأديب الجزائري من خلال استعراض تجربتها بالجزائر ثم لبنان لتقول "لم نخرج من نفق الدين و حفظنا الدروس بأخطائها كما تعلمانها من الوهابيين الذين كانوا يحضرون إلى الجزائر على حساب الدولة" منتقدة تأثير الفكر التطرفي الذي جلبه الأساتذة القادمين من المشرق و بالأخص من العراق و سوريا و مصر واصفة قائلة "كل من لم يكن مرغوبا فيه ببلاده لتطرّف أفكاره كان يرسل به إلى الجزائر". و عاد خلافها مع الروائية أحلام مستغانمي ليطفو على السطح من جديد تحت فضول و إلحاح البعض،حيث أكدت بأنها تصالحت معها و إن جاء ذلك متأخرا، و استطردت و هي تجيب على سؤال لإحدى المتدخلات حول مدى مساعدة أحلام لها في تجربتها الأدبية بلبنان، و قالت "أشكر أحلام لأنها لم تساعدني لأن ذلك دفعني للاعتماد على نفسي و تكوينها بمفردي"، و وضعت نقطة نهاية لفضول البعض بالقول بأنها و أحلام مستغانمي وصلتا لمرحلة هدنة تمنت استمرارها لأجل الجزائر التي تجمعهما. و بخصوص تحرّرها من الأنا الحائرة التي تطبع كتاباتها أكدت الروائية بأنها لم تتحرّر من آلامها معتبرة تخلصها أو تحرّرها منها نقطة نهاية لإبداعاتها الأدبية التي تقوم كما قالت على الشعور بآلام الآخر"لو لم أحس بألم الآخر فلأجل من سأكتب "سألت فضيلة التي أعادتها إحدى الحاضرات من جديد إلى طفولتها المشاغبة التي كانت مليئة بالمغامرات و مفعمة بالعنف الذي قالت أنها لم تكن تعرف مصدره و هي تعيد صور و مواقف خطيرة ارتكبتها عن طيش صغر كقتلها لخمس قطط صغيرة بعد أن وضعتها أمها. و عادت الدموع لتخنق صوت الأديبة و هي تتحدث عن نيتها و الرغبة الشديدة التي تنتابها باستمرار في العودة إلى أرض الوطن الذي أكدت بأنها تركت وصية لأجل دفنها بمسقط رأسها في حال غيّبها الموت، قبل أن تتحدث بمرارة كيف أن بلدها الثاني لم يشعرها بالانتماء رغم حيازتها على الهوية اللبنانية "لدي الهوية اللبنانية لكن عندما يقدمونني يذكرون بأنني فضيلة الفاروق الجزائرية". و كشفت الأديبة بأنها بصدد كتابة سيرتها الذاتية التي قالت أنها ستجيب على الكثير من الأسئلة التي رفضت الإجابة عنها في هذا الكتاب.