تعرّضت الروائية أحلام مستغانمي، مؤخرا، بمجرد صدور روايتها الجديدة ''الأسود يليق بك''، لحملة شرسة من قبل كُتّاب جزائريين، لا يملكون أي ملكة نقدية، وأرادوا أن يلبسوا عباءة النقد وهم ليسوا أهلا له، فاختلطت الأمور، وظهر جليا أن صاحبة ''ذاكرة الجسد'' أصبحت مستهدفة من قبل أطراف أخرى تريد النيل منها، بعد النجاح الكبير الذي حققته. ولم تكن هذه الحرب الشرسة سوى حرب بالنيابة، تدعمها أطراف لم تستسغ النجاح الذي حققته الروائية الجزائرية التي تحوّلت إلى ظاهرة روائية، وحققت صيتا أدبيا كبيرا ومبيعات خيالية، عجز عن تحقيقه كثير من الروائيين العرب. محمد ساري يرى أنها صاحبة جاذبية خاصة من حقها أن تخرج الرواية من أبراجها العاجية يعتقد الروائي محمد ساري أنّ لأحلام مستغانمي جاذبية خاصة، وهي جاذبية بقطبين متناقضين تمام التناقض. فبقدر إعجاب نوع من القرّاء بثلاثيتها ''المبجّلة'' وتهافتهم على شراء كتبها والإصرار على لقائها والفوز بتوقيعها، بقدر نفور نوع آخر من القرّاء الذي شكّك أوّلا في أنْ تكون هي كاتبة ''ذاكرة الجسد''، في إشارة منه إلى الخبر الذي راج في وقت ما حول سعدي يوسف باعتباره الكاتب الحقيقي للرواية. وقد صرّح، فيما بعد، أنه قام فقط بقراءة المخطوط وتصحيح بعض الهفوات اللغوية. وحسب ساري، فإن أطرافا أخرى ترى بأنّ رواية ''ذاكرة الجسد'' عبارة عن رواية رومانسية حالمة، لا تليق إلا بالمراهقين، وأنّ نظرتها للثورة والجزائر نظرة سطحية تبسيطية، تجاوزها الزمن. وقال: ''وينبغي التذكير بأن رواية ''ذاكرة الجسد'' لم تحقق الرواج الهائل بمجرد نشرها، مثلما حدث مع ''عمارة يعقوبيان'' لعلاء الأسواني مثلا، فقد تمّ نشرها في الجزائر في 1993 ولم يلتفت إليها أحد، لا نقدا ولا قراءة. وحتى حينما أعيد نشرها في بيروت، كان انتشارها بطيئا جدا في البداية. وقد حدث أن التقيت بسهيل إدريس، صاحب دار الآداب التي نشرت الرواية، في لقاء جمعنا في سوس بتونس في ربيع 1997 فقال إن الشرارة التي ألهبت هذه الرواية يعود إلى تصريح ممثلة لبنانية مشهورة في قناة تلفزيونية بأنها معجبة، أيما إعجاب، ب''ذاكرة الجسد''، وهي مستعدّة لأداء دور البطولة إن قرّر مخرج تحويلها إلى فيلم''. وها هو الصراع بين المعجبين والمنتقدين لأحلام مستغانمي يعود إلى الواجهة، هذه الأيام، بعد نشر روايتها الجديدة ''الأسود يليق بك''. وقال ساري بخصوص هذه الرواية: ''فمن جهة، تتحدّث وسائل الإعلام عن مبيعات مهولة، كما لو أنّ الأمر يتعلق بقرص أغان لأشهر المغنين العرب. ومن جهة أخرى، يصرّح بعض الكتاب بأنّ الرواية عبارة عن خواطر واعترافات، لا ترقى إلى مستوى الفن الروائي''. وتساءل قائلا: ''ما الذي أثار هؤلاء الكتاب لانتقاد نص أحلام مستغانمي، علما بأن النصوص الرديئة منتشرة بكثرة؟ هل هم مستاؤون من هذه المبيعات المهولة واستقطاب الكاتبة لأشهر أكبر وسائل الإعلام؟ المعادلة معقّدة ومضلّلة. فهل يمكن الجمع بين الجودة والانتشار الجماهيري؟''. وأجاب قائلا: ''المتعارف عليه أنّ النص الجيّد تقرأه النخبة، والنخبة في الوطن العربي عددها ضئيل، نظرا لمبيعات أكبر الكتاب التي لا تتجاوز بضعة آلاف''. وعاد للسؤال مجددا: ''ثمّ، هل المطلوب من هذه الكاتبة ألا تنشر إلا الروائع؟ أليس من حقها أن تكتب للجماهير، وتخرج الرواية من أبراجها العاجية، مثلما فعل نزار قباني مع الشعر؟ أم أنّ وراء هذه الآراء طموحات شخصية للظهور والانتشار على ظهر أشهر كاتبة عربية، لتطبق ما قاله بشار يوما حينما هجا جرير: لو ردّ عليّ لكنت أشهر الشعراء. بالنسبة لي، يكفي أحلام مستغانمي أنها كتبت ثلاثية (ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير)، وصالحت ''الجماهير'' مع قراءة الرواية، وأخرجتها من بوتقة البرج العاجي الذي أخفاها لأزيد من قرن منذ ظهورها''. الناقد سعيد بوطاجين لست مع انحسار المواقف النقدية في دوائر مشبوهة أزعم أنّي تابعت كتابات أحلام مستغانمي من بداياتها، الشعرية والروائية والصحفية، كما فعلت ذلك مع نصوصها. وإذا أردنا تقييمها، فعلينا الاحتكام إلى التقاليد الفنية والجمالية، بعيدا عن الضغوطات غير الأدبية التي توجّه القراءة والموقف النقدي نحو مقاصد لا علاقة لها بالنص كقيمة. وإذا حدث أن تمّ التأسيس للموقف انطلاقا من خلفيات أخرى، كما حدث قبل أعوام، في تونسوالجزائر، وكما يحدث حاليّا في بعض البلاد العربية، فلا يمكن بلوغ جدال ينصف هذا وذاك، مهما كان الانتماء الجغرافي واللساني. أتصوّر أنّ هناك سفاسف كثيرة لا تدخل في باب النقد، لأنها غير مؤهلة لذلك. ثمّ إنّ ما ينشر بالاحتكام إلى وازع ذاتي، ودون زاد معرفي، لا يجعل الكاتبة هالة أو معرّة، خاصّة عندما نستنتج أنّ هناك قراءات قوامها المركزية المقيتة التي أشبّهها بالتفكير القبلي وبقايا الجاهلية. لا يمكن أن نسند لهذه المبدعة ما لم تنجزه عينيّا، موازنة بالمنجز السردي العربي، لأنّ التحيّز سيلحق بها ضررا. وبالمقابل، لا ننفي عنها جهدها، بالنظر إلى ما حقّقته بعد لأي. هذه الكاتبة، رغم اختلافك معها، تبدع بوقار وأبّهة، وعلى عدّة أصعدة، ومن يجتهد مثلها، في بعض السياقات الثقافية، يلحق بنفسه متاعب. وهذا ليس بالشيء الجديد. لست مع انحسار المواقف النقدية في دوائر مالية وسياسية مشبوهة، أو في ما يشبه الانتقام من العبقرية، لأنّنا لسنا جديرين بها. هذا السلوك لا يشجّع سوى على التخريب والفشل، وذاك ما يمارس الآن. إنّنا لا نملك العشرات من نوع هذه الكاتبة. وعلى النقد أن يتحلّى ببعض الأخلاق الأكاديمية. أمّا أن تكون أحلام يمنيّة أو لبنانية، فهذه ليست مشكلتنا. النصوص هي جنسية الإبداع التي بمقدورنا الانطلاق منها. لقد قرأت مفارقات عبارة عن تحامل وأخطاء، ومع ذلك أصبحت مراجع متداولة. الشاعر والروائي عز الدين ميهوبي شيء من ''ذاكرة الحسد'' أعرف أن هناك من يسعى لوضع نقطة تحت حاء الحسد، ليكون العنوان كالتالي ''شيء من ذاكرة الحسد''، أي من رواية أحلام مستغانمي التي نالت من الشهرة والانتشار، ما لم ينله أي عمل إبداعي عربي آخر، في العشرين عاما الأخيرة، إلا إذا استثنينا ''هاري بوتر'' الأمريكية (...). فرواية أحلام تجاوزت طبعتها العشرين في أقل من عشر سنوات، وهذا يؤكد نجاح ''ذاكرة الجسد'' جماهيريا. ولأن أحلام نجحت في أن تكتسح سوق الكتاب بثلاثيتها ''ذاكرة الجسد''، و''فوضى الحواس''، و''عابر سرير''، فإنها أثارت كثيرا من الغيرة والحسد لدى الرجال، والنساء أيضا. ولأن ثقافتنا العربية علمتنا شيئا مهما هو كيف ندمر الموهبة ونقضي على الإبداع؟، فقد كتب صحفي من تونس كلاما منسوبا لشاعر كبير، هو سعدي يوسف، مفاده أن ''ذاكرة الجسد'' هي من إبداعه أصلا (..). ولم يتردّد آخرون في القول بأن نزار قباني، وهو على فراش المرض، أهدى العمل لأحلام، وتحججوا بالكلمة التي زيّنت ظهر غلاف الرواية (..). وانتشر في شارع الثقافة العربي أن أحلام لم تكتب الرواية، ووجدت نفسها أمام تهمة السطو.. والسرقة الموصوفة. قد تختلف مع أحلام مستغانمي، لكنّك لن تنتزع منها موهبتها، وحضورها، وجرأتها، وحبّ النّاس لها، وقدرتها في اختراق السياج الذي ضربته بعض المليشيات الثقافيّة العربيّة عليها وعلى أسماء أخرى مزعجة، بكتاباتها ومواقفها ونجاحها، بهدف إزاحتها من المشهد الثقافي. بعض هذا الكلام نشرته قبل حوالي عشر سنوات، وأضفتُ إليه شيئا مما هو إنصاف لهذه المبدعة التي كلّما وسّعت في مساحة حضورها الثقافي، ضيّق عليها المحاربون بالوكالة، معتقدين أنّهم سيدفعونها إلى ''التقاعد الإبداعي'' وارتداء الأسود، فهو يليق بنساء سيرتا. سليمان جوادي لم يجدوا غير السفسطة الفارغة للنيل من تفوّقها يجب الاعتراف، في البدء، أن أحلام مستغانمي كاتبة من طراز عال، وإنسانة استثنائية استطاعت أن تفرض نفسها وتفوّقها، وتصنع لنفسها اسما كبيرا لامعا. ومن الطبيعي أن تجد لها حسادا ومبغضين، من ضعاف النفوس أو من بعض الكتبة الذين أفلت نجمهم، فأرادوا بعثا جديدا من خلال التهجم على أحلام مستغانمي والتشكيك في قدراتها الإبداعية، وحتى محاولة نسب أعمالها لكتاب آخرين. وهناك بعض المشارقة الذين ما زالت، مع الأسف، تتملكهم عقدة التفوّق حتى ظلوا يراوحون مكانهم، هؤلاء يستكثرون على الجزائر، والمغرب العربي عموما، ظهور كتاب كبار بالعربية، زاحموهم في عقر دارهم، ونافسوهم منافسة لم تخطر لهم ببال، ولم يجدوا غير هذه السفسطة الفارغة للنيل من هذا التفوّق ومحاولة الحدّ من التقدم الكاسح للأدب المغاربي. الجميل في هذا الصراع أنه صراع من جانب واحد، فأحلام أدركت أن الرد على هؤلاء هو إعطاؤهم فرصة للظهور على حسابها. قلت ما قلت، وأنا لا أنفي الحق في النقد، بل حتى في الانتقاد، خاصة إذا كان على أسس موضوعية وبشواهد من أعمال الكاتبة. أما أن تكون مجرّد ادّعاءات وافتراءات، فهذا ما لا يقبل أبدا، ويجب الوقوف ضده. خالد ساحلي هناك من ينوب في الحرب الحقيقة أن كل كاتب ناجح له أعداء يتبعون عورته الأدبية، اصطيادا لأخطائه أو للإيقاع بالقرّاء محبّيه، بإبعادهم عما يكتبه، أو تشويه صورته في غالب الأحيان، إن لم تكن هناك أخطاء أصلا. والأعداء الحقيقيون هم أصحاب دور النشر، المتسابقون على الصفقة، إن حرموا منها رفعوا السيوف بدل أكاليل الزهور، بتفويض من ينوب في الحرب عنهم، لأن رأس المال جبان، كما هو معروف في أدبيات الاقتصاد. كثيرون قالوا إن هذه النجومية صنعها الإعلام، فالأسماء تصنع كما ماركات العطور والأحذية، وقيل بعمل كثير من الجرائد التي ساعدت على تسويق اسمها. لكن أتساءل: لِمَ التسويق لأحلام بالذات؟ أليس من المفروض أن الأديبة انتزعت مكانتها بالتضحية وبالحفر في اللغة؟ أليست هي التي تكلمت على أفواه الرجال لتقول ما تعانيه النساء؟ لماذا الكثير يعتبرون كلامها خواطر ومجرّد بوح وأنه اجترار لما كتب؟ بقيت ملاحظة الحرب بين المشرق والمغرب في مجال الرواية، فالمشارقة يفتخرون بأدبائهم في وجه المدّ الأدبي الخارجي، محافظين على خصوصية وأصالة تقاليدهم الأدبية، بينما نحن الجزائريون نسارع إلى تصديق ما يقال عن كتابنا ونسير في ركب الجلد. الروائي عز الدين جلاوجي لغتها شكلت خروجا عما عهده القرّاء في الروايات الكلاسيكية الرواية فن غير منته، زئبقي، غير إقصائي، مفتوح على كل التجارب، وليس من حق أي كان أن يرفض أي تجربة تحت أي مبرّر. أحلام مستغانمي قامة إبداعية فرضت نفسها على المشهد العربي، رغم كل ما قيل وما يقال، وما يحمد لها بالأساس لغتها الطافحة بالشعرية، المتمرّدة عن الإمساك والاحتواء، متكئة في ذلك على تجربتها في كتابة الشعر. ولغة الرواية، في تصوري، كالدم الذي يسري في الجسد، لا حياة من دونه. فكانت لغة الكاتبة خروجا عما عهده القرّاء في الروايات الكلاسيكية التي تنتصر لأسس أخرى، ولعلها بذلك قد أسست لاتجاه جديد في كتابة الرواية، وجد قبلها لكنه لم يوجد بالزخم ذاته الذي ظهر في كتاباتها. وما يحسب لها أيضا هو هذا الانتشار الكبير في ظرف وجيز، وهي الأنثى أولا والمغاربية ثانيا، والأنثى في موروثنا الجمعي تلهم ولا تبدع، ناهيك أن تتصدّر. والمغاربة في تاريخنا تُبّع للمشارقة، فكل إبداعاتنا هي صدى لإبداعاتهم، وهي ميزة ثالثة. لقد استطاعت أحلام مستغانمي أن تخطف الأضواء من مئات الأسماء الإبداعية في المشرق العربي، بل وفي الوطن العربي كله، وتحتل الصدارة من حيث اهتمام القرّاء بها، وبالتالي تحقيق أعلى المبيعات، ومن حيث اهتمام النقد بما أنجزت. أهنئها رغم كل شيء، وأدعو إلى زرع روح المحبة بين كل التجارب وكل الأجيال.