النظام الرئاسي المرن الأنسب للجزائر في هذه المرحلة النظام البرلماني سيكرس الآفلان كقوة فاعلة لسنوات أخرى المبادرات الدستورية تأتي دائما من الرأس وليس من المجتمع حاوره: محمد عدنان يرى عضو المجلس الدستوري سابقا والمحامي عامر رخيلة أن النظام الرئاسي المرن الذي يحدد بدقة صلاحيات رئيس الجمهورية هو الأنسب للجزائر اليوم وعلى مدى العشريتين المقبلتين بالنظر لتطور ومسار المجتمع وكذا تطور الطبقة السياسية ويقول للمنادين بنظام برلماني أن هذا الأخير سيكرس حزب جبهة التحرير الوطني لاعبا سياسيا فاعلا في البلاد، وهو يعتقد في الحوار الذي خص به جريدة "النصر" انه يجب "دسترة الحياة السياسية" عندنا وخلق ثقافة احترام القانون قبل الحديث عن أي دستور، كما يدعو إلى فتح نقاش واسع حول التعديل الدستوري المرتقب، ويقول أن مسار التجربة الدستورية في بلادنا مند الاستقلال ارتبطت برأس النظام ولم تشهد أي مبادرة من المجتمع. - برأيكم هل البلاد بحاجة اليوم إلى دستور جديد أو إلى تعديل للدستور الحالي ؟ - هناك فرق كبير بين دستور جديد وتعديل الدستور، أي مجتمع معاصر لابد له من دستور، لماذا لأن أي مجتمع معاصر مبني على سلطات ثلاث، و لابد من ضبط العلاقات بين هذه السلطات، تحديد طبيعة النظام السياسي، رسم مجال الحقوق والحريات للأفراد و التأسيس لعلاقات بين المؤسسات الدستورية، هذه كلها من العوامل التي تستوجب وجود دستور، تبقى مسألة هل نحتاج إلى تعديل الدستور أنا بكل موضوعية أقول الآن ليس السؤال هو هل نحتاج إلى تعديل الدستور؟ أهلا وسهلا بتعديل الدستور لكن ماذا يتضمن هذا التعديل؟. ما يجري على الساحة عندنا هو بيان السيد الوزير الأول الذي تضمن فكرتين، الأولى تشكيل لجنة تقنية مهمتها إعداد مشروع قانون لتعديل الدستور، ماذا يفهم من اللجنة التقنية؟ يفهم منها أنها بمثابة مؤسس دستوري، أم أن دورها يتوقف عند الصياغة؟ الآن هل نحن بصدد تعديل عميق أو إدخال رتوش على بعض الأحكام الدستورية؟ لا اعتقد أن الكل يعلم ما يجري ربما قلة قليلة التي هي على دراية بما هو مطروح كمشروع لتعديل الدستور، أنا افهم من بيان السيد الوزير الأول أننا مقبلين على تعديل ضيق قد يمس بعض المواد وهذا يتنافى في تقديري مع التزامات السيد رئيس الجمهورية التي سبق وان عبر عنها بمناسبة التعديل الدستوري سنة 2008 لأنه وعد بإدخال تغييرات عميقة على الدستور. إذن هناك فرق كبير بين التعديل الدستوري الذي يمس بعض الأحكام الدستورية، والتعديل الذي يمس توازنات السلطات الثلاث وهذا هو مطلب المجتمع، و هذا هو الشيء الذي تستوجبه المرحلة والمتغيرات الموجودة اليوم سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الإقليمي والدولي، ومن اجل أن يكون دستور قار وثابت، ولكن دستور يستجيب للتطلعات المستقبلية للمجتمع، ويمكنه أن يكون سابق في نصوصه للمتغيرات التي سيعرفها المجتمع لا محالة، وهذا برأيي يستوجب إدخال تغييرات عميقة على الدستور الحالي. - نفهم من كلامكم أننا أمام تعديل ضيق؟ - نحن أمام جلسة سرية.. موضوعها غير معلوم لدى الناس، هل نحن بصدد تعديل عميق أو بصدد تعديل بعض المواد من الدستور التي ربما المالك لزمام الأمور هنا يكون قد حدّدها، هل التعديل الدستوري المقبل يستجيب للنقاشات التي طرحت والحوار الوطني الذي شاركت فيه فعاليات اجتماعية وأحزاب سياسية سواء في إطار لجنة الحوار التي اشرف عليها السيد بن صالح أو تلك التي اشرف عليها الوزير الأول مؤخرا؟، بالنسبة إليّ أقول إذا استجيب للأفكار التي طرحت من طرف الأحزاب فنحن بصدد تعديل دستوري عميق، أما إذا حدث انتقاء لبعض المقترحات والعمل بها دون أخرى فنترك ذلك للأيام لتكشف لنا ما تخفيه هذه المبادرة. - هل برأيكم الظروف السياسية أو التوازنات داخل السلطة هي التي تفرض دائما تعديل الدستور؟ - مسار التجربة الدستورية في الجزائر يشهد أنها ارتبطت للأسف برأس السلطة –دستور 1963 ارتبط بشخص بن بلة، أمرية 18 جويلية 1965 ارتبطت ببومدين، دستور 1976 ببومدين أيضا، دستور 1989 والمتغيرات التي حصلت ارتبطت بالرئيس الشاذلي و دستور 1996 ارتبط بالسيد اليمين زروال، وهذا ما يدفعنا إلى الفهم وكأن الدستور "منحة" من السلطة وليس بمثابة تعبير عن حوصلة لمسار سياسي واجتماعي. طبيعة مجتمعنا ومساره النضالي يجعله بعيدا عن الدستور الممنوح، فحتى دستور 1963 كان بمثابة دستور للمجلس التأسيسي، لكن حقيقة الأمر كانت هناك دوافع أخرى لهذا الدستور، واحتجاجا على ذلك استقال رئيسه فرحات عباس بعد أن أسندت مهمة إعداد الدستور في سينما "إفريقيا" لخلايا حزب جبهة التحرير الوطني، إذن وفي ظل المتغيرات السياسية والدولية، والمعادلات والرؤية الجديدة في العالم، وفي ظل تطلعات جيل الاستقلال والجيل الجديد في الجزائر يجب أن يكون الدستور بمثابة مطلب شعبي، لكن للأسف في الواقع حتى وان كان كذلك لا يتم التجاوب معه بالشكل المطلوب، فإذا كانت الوثيقة الأساسية للمجتمع لا تخضع لنقاش واسع من طرف المجتمع ولا تحظى بمناقشة وطنية واسعة فما هو الموضوع الذي يستحق المناقشة إذن؟، الوثيقة الأساسية للمجتمع يجب أن تحظى بحوار ونقاش وطني واسع، وهنا لا نقول وثيقة "جامعة" لكن يجب أن تكون وثيقة "توافقية" بين مختلف الفاعلين في المجتمع، وهذا يعود بنا إلى مضمون السؤال الأول ما طبيعة الوثيقة التي نريدها؟، هناك فرق بين دستور جديد نسميه دستور 2013 أو 2014 يعرض للاستفتاء الشعبي وبين أن ندخل تعديلات على أحكام دستورية موجودة في دستور 1996 تسمح للبرلمان بغرفتيه بالمصادقة عليها، وتمر على المجلس الدستوري للمصادقة ويمكن اصدرا ها في شكل قانون. - إذن نفهم أن الحسابات السياسة الداخلية وبعض التأثيرات الإقليمية طاغية على تعديل الدستور فلماذا نعهد دائما بهذا العمل للجنة تقنية ؟ - لا.. صياغة الأحكام الدستورية هي صياغة قانونية تستوجب أناسا مختصين، لكن الصياغة هي الجانب التقني وهي آخر مرحلة، العبرة ليست باللجنة بل بما يقدم للجنة من اتجاه دستوري.. اللجنة التقنية إذا لم تستعين بخبرات جزائرية تضطر للاستعانة بخبرات أجنبية، والمشكل اليوم ليس قضية الصياغة أو اللجنة بل قضية ما هي الرؤية الدستورية الموجودة في الجزائر اليوم؟ ماذا نريد من الدستور و كيف نريده أن يكون؟، وهذا يقودنا إلى الحديث عن مجموعة من أحكام الدستور أولها تحديد طبيعة النظام السياسي، نظامنا السياسي اليوم هجين لا هو برئاسي، ولا هو بشبه رئاسي ولا هو بالبرلماني، ما يعني أنه يستوجب مناقشة طبيعة النظام السياسي الأصلح للجزائر. و بالرغم من أن الكثير من الأحزاب السياسية تنادي بالنظام البرلماني، فأنا من موقعي كمهتم بالقضايا الدستورية وكقانوني أقول لهؤلاء يجب أن يرفقوا ذلك بوجوب وضع حزب جبهة التحرير الوطني في المتحف، لأنهم يتناسون حقيقة أخرى هي أن النظام البرلماني سيكرس الآفلان لعقود أخرى، كيف؟ لأن النظام البرلماني يرتكز على وجود حزب له وعاء انتخابي كبير من خلاله يمكنه الحصول على أغلبية بسيطة أو أغلبية انتخابية، الآفلان هو الحزب الوحيد المؤهل اليوم في الجزائر ليلعب هذا الدور من خلال انتشاره عبر مختلف بلديات الوطن ومن خلال ارتباطه بالنظام.. فدون فك الارتباط بين الآفلان والناظم ستبقى جبهة التحرير الوطني مهما كانت طبيعة النظام السياسي رئاسي أم برلماني. ولذلك أقول للمتحمسين للنظام البرلماني أن هذا الأخير هو نظام الأزمات الحكومية، كيف؟ لما لا يحصل أي حزب على أغلبية نسبية بسيطة تؤهله ليقود السلطة التنفيذية من خلال قيادته للسلطة التشريعية فانه يضطر للتحالف في إطار حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى، والأحزاب هنا تساوم،ولذلك كثيرا ما تكون الأنظمة البرلمانية أنظمة أزمات حكومية، نستثني من هذا الكلام تجارب معينة مثل النظام الانجليزي، لكن لماذا؟ لأنه يضم حزبين قويين يتداولان على السلطة، لكن نحن في الجزائر اليوم غير مؤهلين لمثل هذه التجربة، لذلك أرى أن اختيار النظام السياسي لا يجب أن يكون عشوائيا، بل يجب أن يكون مبنيا وفق تطور المسار الاجتماعي والسياسي للمجتمع، وعليه أرى أن النظام الأنسب للجزائر في ظل معطيات الساحة الحزبية اليوم هو النظام "الرئاسي المرن" المحددة فيه صلاحيات رئيس الجمهورية، ويكون فيه مبدأ الفصل بين السلطات مكرسا دستوريا، وهذا على مدى عشرية أو عشريتين من الزمن على الأقل. لكن لا يجب أن يكون نظاما رئاسيا بصلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية تمتد حتى لما يعرف بازدواجية التشريع كما نرى اليوم، أي أن يكون رئيس الجمهورية بمثابة مؤسسة لا تتأثر به بقية المؤسسات الأخرى التشريعية والتنفيذية والقضائية. والعبرة كذلك ليست بطبيعة الدستور فقط بل بمسألة "دسترة الحياة" السياسية، لما نأتي بدستور مكتمل الجوانب مفصل تفصيلا ايجابيا، دستور يمثل قمة في الحريات والحقوق، يمثل الفصل الحقيقي للسلطات لكن بمجرد ما تتم المصادقة عليه يوضع على الرف، ما فائدة من دستور كهذا إذن؟ - إذن الإشكالية هنا ليست في وضع دستور معين بل في من يتولون العمل به وتطبيقه؟ - الدستور يحدد صلاحيات والتزامات.. و إذا كانت المؤسسات المعنية تفرط في صلاحياتها علينا إذن الإقرار أننا لا زلنا مجتمعا غير مؤهل للتقيد بالأصول الدستورية، لذلك أول من عليه في المقام الأول احترام الدستور هو رئيس الجمهورية مهما كان شخصه، لأنه هو حامي الدستور، وإذا كان هذا الأخير لا يحمي الدستور في تصرفاته وقراراته لا يمكننا أن نقول انه سيحمي الدستور على مستوى باقي المؤسسات. وهنا يمكننا التطرق أيضا لمسألة أخرى هي المجلس الدستوري، الذي يبقى دوره الرقابي مرهون بالإخطار المحصور لحد الساعة في رؤوس ثلاث مؤسسات، هي رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة.. لابد من توسيع صلاحيات الإخطار للمجموعة البرلمانية كما هو معمول به في كثير من الدول وللوزير الأول لأن هذا يعزز من المكاسب والضوابط والأحكام التي تحدد العلاقة بين المؤسسات. ودائما بما تعلق بالمجلس الدستوري هناك مسألة أخرى مهمة قلتها قبل عشرين سنة وأعيدها اليوم، ينبغي الحرص على أن يكون أعضاء المجلس الدستوري أشخاصا لا طمع لهم في السلطة، ولا يرغبون في تولي مناصب مسؤوليات حتى يؤدون واجبهم كقضاء متميزين، أما أن ينتظر عضو المجلس الدستوري أن يعين كوال أو كوزير، فهذا العضو لا ننتظر منه الخير وهذا هو السائد اليوم للأسف، فحتى المجلس الدستوري يجب أن لا يستثنى من الإصلاحات الواجب التنصيص عليها لجعله مستقلا يؤدي مهمته وفق نظامه الداخلي وروح الدستور، نحن بحاجة إلى ثقافة دستورية تكون على مستوى السلطات قبل أن تكون على مستوى المواطن، يجب أن نصل إلى التطابق بين النصوص الدستورية والممارسات العملية. - قلتم سابقا العبرة في دسترة الحياة السياسية ما ذا تقصدون بهذا؟ - هو الالتزام بأحكام الدستور في أدارة الشؤون العامة للمجتمع، أن تكون هناك ثقافة دستورية عن الحكام قبل المحكوم.. أن لا يكون آخر اهتمام للمسؤول هو احترام الدستور فلا حياة دستورية في مجتمع كهذا، والعبرة ليست بوجود دستور متناسق ومتكامل إن لم تكن هناك دسترة للحياة السياسية، معناها للشأن العام للمجتمع، وفي علاقة السلطات بعضها ببعض، لابد أن تكون هناك ضوابط وحواجز يقف عندها حتى رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن السلطة القضائية لمّا تكون مستقلة يمكنها وقف أي كان عند حده، وبما أن دستورنا ينص على أن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور فإن دسترة الحياة السياسية من مسؤولية رئيس الجمهورية، ومادامت من مسؤوليته المطلوب منه هو في المقام الأول التقيد باحترام الدستور نصا وروحا في علاقته بالمؤسسات وفي تحكيمه بين المؤسسات. - هل تؤمنون فعلا بوجود فصل بين السلطات في بلادنا؟ - لا ..دستور 1989 أقر مبدأ الفصل بين السلطات ثم جاء دستور 1996 فألغى هذا المبدأ وهو لا ينص على الفصل بين السلطات، كيف نعرف هذا؟ نعرفه في علاقة السلطة التنفيذية بالسلطتين التشريعية والقضائية و لما نرى رئيس الجمهورية شريك في التشريع، مجرد مشاركته في التشريع ينهي مبدأ الفصل بين السلطات، وكذا في علاقته بالقضاء، من خلال المجلس الأعلى للقضاء الذي ينبغي أن يكون مستقلا عن السلطة التنفيذية لا من حيث رئاسته ولا من حيث تمثيله، العلاقة بين وكيل الجمهورية ورئيس المحكمة اليوم نرى وكأنها علاقة رئاسية، كثير من رؤساء المحاكم يخافون وكيل الجمهورية، ما دام وزير العدل يوجه تعليمة لوقف هذا أو ذاك فالعلاقة غير طبيعية، العلاقات داخل السلطة القضائية تتسم بغياب مبدأ الفصل بين السلطات من خلال علاقة وزير العدل بباقي السلطات القضائية، مثلا النائب العام في المحكمة العليا يخاف وزير العدل ويعمل له ألف حساب، والفصل بين السلطات هو في الأخير ثقافة في المجتمع وهذا ما يعبر عنه بدولة القانون، فلا يمكن أن نتكلم عن حياة دستورية في دولة لا تحترم القانون. - خلاصة لما سبق ذكره وبما أننا لم نصل بعد إلى مستوى نحترم فيه القانون والدستور في ظل عدم وجود دسترة للحياة السياسية، أي دستور يصلح لنا ونحن على هذه الحال إذن؟ - من الناحية السياسية في تقديري المشكلة اليوم أن السلطة تريد إشغال المجتمع بما يشبه هروبا من واقع معيشي وظروف معينة لذلك طرحت مسألة تعديل الدستور، ولا استطيع القول أن هناك ضرورة كبيرة اليوم لتعديل الدستور، وحتى المناقشات المطروحة اليوم أرى أنها ليست بريئة، هذا التركيز على كون يحق أو لا يحق لرئيس الجمهورية الترشح لعهدة رابعة أناقشه من زوايتين، الأولى دستوريا ليس هناك ما يمنع الرئيس الحالي من الترشح لعهدة رابعة لا في الدستور الحالي ولا في الدستور المرتقب، لأنه لا يمكن للدستور المرتقب أن يتضمن حكما أو مادة دستورية تمنع الرئيس من الترشح. لكن من الناحية السياسية يمكن مناقشة هذا الأمر ويبدو أن هناك من يعمل على توجيه النقاش بهذا الخصوص، فبدلا أن ينصب النقاش على جوانب مهمة يتضمنها الدستور بقينا ندور حول جزئيات مفروغ منها سواء أناقشناها قانونيا أوسياسيا. سياسيا الطبقة السياسية التي تقول لا يحق لرئيس الجمهورية الترشح لعهدة رابعة معها الحق من باب التداول، فمادام ليس هناك تداولا بين التيارات السياسية لم لا يكون تداولا بين الأشخاص من اجل تقديم الأفضل وخلق تفاعل جديد، لذلك أقول سياسيا النقاش مشروع حول هذه المسألة، لكن قانونيا ودستوريا هو ذر للرماد في العيون وهو تحريف للنقاش، فالبعض انخرط في هذا النقاش لدوافع سياسية والبعض الآخر يدرك نية هذا النقاش وهدفه.