المخطوط عملة ممنوعة من التداول في الجزائر تحتفظ الجزائر بمخزون ثري من المخطوطات بعضها نادر وتعتبر شاهد إثبات حي على عبقرية الأسلاف الذين أثروا بإبداعاتهم الأدبية واكتشافاتهم العلمية تاريخ العلم والمعرفة الإنسانية على مر العصور . غير أن التراث العربي المخطوط في الجزائر لا يزال اليوم رهين رفوف مكتبات وخزائن عائلات تصر على قدسية المخطوط وتحرس على منع تداوله إلا في أطر جد ضيقة وهو ما يتسبب في ضياع هذا الموروث الحضاري الجماعي يوما بعد يوم وابعد من ذلك يشكي باحثون جزائريون من سلوك غريب للقيمين على خزائن المخطوطات الذين يقومون بفتحها للأجانب وغلقها أمام الجزائريين ... النصر استغلت فرصة تنظيم الملتقى الوطني للتراث المخطوط الأسبوع الماضي ببسكرة وحاورت ورصدت أراء أساتذة. إعداد : توفيق ذباح الدكتور صالح بن قربة / أستاذ بمعهد الآثار بجامعة الجزائر2 عائلات لا تدرك قيمة المخطوطات التي تحوزها يعتبر الدكتور صالح بن قربة أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية بمعهد الآثار بجامعة الجزائر 2 أن التراث المخطوط هو جزء مهم من الآثار التي تسمح بالتعرف على مدى تطور الفكر عبر العصور . وينسحب هذا الوصف حسبه على المخطوطات العربية التي لجأ إليها السلف من علماء وباحثين ومشايخ لتدوين ما توصلوا إليه من أبحاث ودراسات في مختلف العلوم الشرعية والإبداعات الأدبية وكذا من اكتشافات ونظريات في العلوم الطبيعية والتجريبية . وبقيت المخطوطات التي تم تدوينها منذ مئات السنين شاهد عيان على تطور الفكر العربي الإسلامي عبر مختلف الحقب الزمنية ، غير أن هذا التراث الثابت والمنقول يحتاج اليوم كما قال إلى من ينفض عنه الغبار ويقوم بدراسته وإحيائه واستنباط ما يختزنه من علوم ومعارف. وفي هذا الصدد أوضح الدكتور بن قربة أن مجهودات العاملين بالمخبر الوطني للمخطوطات بجامعة الجزائر 2 (بوزريعة) من أساتذة وباحثين توجت بفهرسة حوالي 3000 مخطوط تتواجد بخزائن ومكتبات وزوايا منتشرة عبر مختلف مناطق الوطن. غير أن المشكل المطروح حسبه هو بقاء هذا الكم الهائل من المخطوطات بعيدا عن الدراسة الأكاديمية الجادة التي تهدف بعد الفراغ من مرحلة الفهرسة إلى تحقيق المخطوط ثم نشره، لأن هذا العمل يتطلب حسبه الكثير من الجهد والمال وتسخير عدد كبير من الباحثين والمختصين في مجال الفهرسة والتحقيق . وأقر الدكتور بن قربة بوجود صعوبات كبيرة تعترض الباحثين الراغبين في دراسة وتحقيق المخطوطات ، حيث يصعب على هؤلاء الحصول على النسخة الأصلية للمخطوط وكثيرا ما يعترض أصحاب الخزائن وملاك المخطوطات على تقديم يد العون للباحث ومنعه من الإطلاع المباشر على المخطوط ، وفي أحسن الحالات يسمحون له بتصويره أو الإطلاع على نسخة مصورة (منقولة) عن النسخة الأصلية للمخطوط. و تطرق رئيس الملتقى إلى إشكالية غياب التنسيق بين مخابر البحث المتواجدة عبر الجامعات والتي أصبحت تتنافس فيما بينها على فهرسة أكبر قدر مُمكن من المخطوطات دون أن تنتبه إلى ضرورة توحيد الجهود وتوحيد طرق فهرسة وتحقيق المخطوطات. موضحا أن فهرسة المخطوطات هي علم قائم بذاته ويتطلب توفر ثقافة شاملة مانعة لدى الباحث الذي ينبغي له أولا أن يعرف ماذا يفهرس ؟ وكيف يفهرس؟ وما هي الموضوعات التي يفهرسها ؟ . وأعاب بن قربة هنا على بعض الأساتذة الذين يعهدون بمهمة الفهرسة إلى الطلبة وهؤلاء غير قادرين على القيام بها بالنظر للصعوبات التي تعترضهم ، ومنها أنهم يعثرون على مخطوطات مبتورة من الصفحة الأولى والأخيرة ويصعب بذلك التعرف على عنوان المخطوط واسم مؤلفه وتاريخ نشره . كما أن المُفهرس يُشترط أن يكون مُلما بمعرفة كافة أنواع الخط العربي لأن كل خط من الخطوط يمثل العصر الذي ظهر فيه، وهو مؤشر هام يساعد في تحقيق المخطوط. وسجل المتحدث بروز ظاهرة قلة المخطوط العربي العلمي المتواجد بالجزائر ودول المغرب العربي عموما مقابل كثرة المخطوط الأدبي والفقهي بالمقارنة مع ما هو موجود بدول المشرق ، وتساءل الدكتور بن قربة عن قلة المخطوطات العلمية بالرغم من أن المغاربة كانوا متفوقين في الطب والعلوم التجريبية والرياضيات ؟ مرجعا ندرة هذا النوع من المخطوطات إلى تواجدها في خزائن عائلات لا تقدر قيمتها العلمية وفضلت التكتم عنها وعدم فسح المجال أمام الباحثين والمختصين للإطلاع عليها . وفي هذا الصدد وجّه الدكتور بن قربة بصفته مكلفا بمشروع بحث وطني حول الآثار الصحراوية الدعوة لكل ملاك وأصحاب خزائن المخطوطات إلى تمكين الباحثين من الإطلاع عليها بهدف إعداد دراسات حول هذا التراث المشترك بين الجزائريين والإنسانية عموما قبل أن يتعرض للتلف والزوال وهو مصيره المحتوم لا محالة مثلما أضاف في ظل إصرار هؤلاء على التكتم والتستر عليه وحفظه في ظروف غير ملائمة . الأستاذ حليم سرحان – قسم التاريخ جامعة المسيلة الباحث الأجنبي يجد الترحاب وتقدّم له المخطوطات والباحث الجزائري مرفوض استغرب الأستاذ حليم سرحان من قسم التاريخ بجامعة المسيلة طريقة معاملة أصحاب الخزائن ومالكي المخطوطات في الجزائر للباحثين الأجانب الذين يقصدونهم بغرض الإطلاع على ما يملكونه من مخطوطات مقارنة بمعاملتهم للباحثين الجزائريين . حيث يجد الباحث الأجنبي الذي يقصد أصحاب الخزائن والمكتبات العائلية والزوايا التي تتواجد بها مخطوطات كما قال كل الترحاب ويعامل معاملة جيدة، ويجد الأبواب مفتوحة أمامه والصدور رحبة في استقباله إذ يرحب به هؤلاء ويقدمون له كل ما يطلبه من مخطوطات عكس الباحث الجزائري الذي يقابلون طلبه بالرفض . وتساءل الأستاذ سرحان عن السر في ذلك ، متسائلا هل هذا راجع لفكرة القابلية للاستعمار التي تحدث عنها المفكر مالك بن نبي والتي تجعل من أصحاب المخطوطات يثقون في الباحثين الأجانب ويقدمون لهم النسخ الأصلية للمخطوطات لدراستها وتحقيقها وحتى القيام بتصويرها في حين يعرضون عن تقديم الخدمات نفسها للباحث الجزائري الذي يقصدهم لنفس الغرض . وهل يرى هؤلاء أن الباحثين الجزائريين غير مؤهلين للقيام بدراسة وتحقيق المخطوطات عكس الباحثين الأجانب الذين ينظر لهم على أنّهم متفوقون بالضرورة حتى ولو لم يكونوا كذلك. و أشار إلى أن بعض الجهات التي تعمل على تسريب المخطوطات إلى الخارج استغلت هذا الظرف وتمكنت بالفعل من نقل وسرقة بعض المخطوطات النادرة. وبخصوص المجهودات المبذولة من قبل مخابر البحث والجامعات الجزائرية في مجال دراسة وفهرسة وتحقيق المخطوطات سجّل الأستاذ سرحان غياب بنك معلومات وطني موحد حول المخطوطات بفعل غياب التنسيق بين هذه المخابر ، وحسبه فإن مثل هذا البنك بإمكانه مساعدة الباحثين والطلبة في التعرف على مكان تواجد المخطوط وموضوعه بسهولة تامة ويربحون بذلك الوقت والجهد. وفي هذا الصدد ذكر الأستاذ الباحث حليم سرحان أنّ الباحثين والمهتمين بالتراث المخطوط في المغرب خطوا خطوات كبيرة في مجال المحافظة على المخطوطات من الضياع والتلف بإتباع الطرق العلمية الحديثة . وقال أنه كباحث جزائري مهتم بالبحث في تاريخ الجزائر وقف عند ظاهرة تواجد عدد معتبر من المخطوطات النادرة التي تخص تاريخ الجزائر بالمكتبات والخزائن المتواجدة بالمملكة المغربية ، منها مخطوط بعنوان "تاريخ قسنطينة " لصاحبه ابن المبارك ومخطوط آخر عنوانه "الرحلة المرومة إلى مدينة ندرومة " لمؤلفه الإدريسي الذي تناول تاريخ مدينة تلمسان في الفترة الزيانية تتواجد نسخته الأصلية في المكتبة الحسنية في الرباط ، وهي مخطوطات كان من الأولى حسبه أن تكون في الجزائر، واستغرب لعدم وجود ولو نسخ من هذه المخطوطات التي تخص تاريخ الجزائر بالمكتبات الجزائرية . وهو ما يحتم كما قال على الباحثين الجزائريين المهتمين بالبحث في تاريخ الجزائر السفر في كل مرة إلى المغرب للإطلاع ودراسة تلك المخطوطات هناك ، مرجعا هذه الظاهرة للمستعمر الفرنسي الذي عمد إلى طمس وإتلاف كل ما يمثل هوية وتاريخ الشعب الجزائري من أثار ومخطوطات . الأستاذ يوسف بولعراس خطّاط ومهتم بتاريخ وتراث منطقة الزيبان يوجد جدار عازل بين مالكي المخطوطات والجهات المكلّفة بجمعها والمحافظة عليها يرى الأستاذ يوسف بولعراس وهو مهتم بتاريخ وتراث منطقة الزيبان أن الإشكال المتعلق بحبس المخطوطات لدى أصحابها وتمنعهم في فسح المجال أمام الباحثين الراغبين في الإطلاع عليها والاستفادة منها أو العمل على فهرستها وتحقيقها يرجع أساسا إلى انعدام الثقة بين أصحاب ومالكي المخطوطات من جهة وبين الباحثين والجهات الرسمية المكلفة بجمع وجرد وحماية المخطوطات من جهة ثانية . حيث يمتنع صاحب المخطوط عن تقديم ما لديه من مخطوطات للباحثين أو الجهات الرسمية خوفا من فقدانها ، وقد تجرع هؤلاء حسبه مرارة الثقة العمياء التي منحوها لبعض الباحثين والجهات التي قصدتهم طلبا للمخطوطات لكنهم رحلوا وأخذوا تلك المخطوطات معهم وأصبح هؤلاء بفعل تلك التصرفات وعمليات السرقة التي طالت عددا مهما من المخطوطات يمتنعون عن إظهار ما لديهم من مخطوطات . وفي المقابل انتقد الأستاذ بولعراس دور الجهات المختصة التي لم تقدم التحفيزات المالية اللازمة لأصحاب المخطوطات أو مغريات مالية بغية تمكنيها من الحصول على تلك المخطوطات . وبالرغم من هذه المعوقات يتوجه الأستاذ بولعراس بطلب التماس ورجاء لكل مالكي وأصحاب المخطوطات أن يتجاوزوا الذهنية السائدة ويتغلبوا على دواعي التمنع القائمة لصالح مصلحة العامة من خلال تمكين الباحثين من الإطلاع ودراسة ما يملكونه من مخطوطات. كما يستبشر خيرا بقرب افتتاح مركز المخطوطات بولاية بسكرة الذي من شأنه كما قال جمع شتات المخطوط المتناثر في ربوع المنطقة في الزوايا والمساجد وفي الخزائن العائلية الخاصة . ويرى أنه يتعين على أصحاب المخطوطات أن ينقلوا ما يحوزونه من تراث مخطوط للمركز على الأقل من اجل تعقيم تلك المخطوطات بهدف حمايتها والسماح بتصويرها ولابأس من إعادتها للخزائن الخاصة بعد ترك نسخ منها في المركز ، وأشار انه بإمكان أصحاب الخزائن حفظ ما يملكون من مخطوطات في المركز على أن تسجل بأسمائهم . وحسب الأستاذ بولعراس فإنه يتعين على مخابر البحث الجامعية المختصة في دراسة المخطوطات أن توحد مجهودها بغرض إنشاء بنك الكتروني وطني موحد للمخطوطات . وهو البنك الذي من شأنه مساعدة الباحثين والطلبة والمهتمين وتوفير الكثير من الجهد والوقت والمال .وعلى المستوى المحلي يرى الأستاذ بولعراس أنه يتعين تشكيل لجنة ولائية من خبراء وأساتذة توكل لها مهمة جرد وفهرسة التراث المخطوط المتواجد بالمنطقة . وتوفير كل الظروف المادية المساعدة لعمل أعضاء اللجنة وتمكينهم من التفرغ التام للقيام بهذه المهمة. وعلى صعيد البحث الميداني يرى الأستاذ بولعراس أنّ الكثير من العاملين في حقل المخطوطات يُوجهون اهتمامهم نحو عمليتي الفهرسة والتحقيق ، غير أنهم يهملون مرحلة سابقة لهما تتعلق بالتعامل مع أكوام الورق والجذاذات المخطوطة وبقايا المخطوطات التي تسمى اصطلاحا دست أو دشت المخطوطات . ولذلك يجب على الباحث أن يعرف كيف يتعامل مع دشت المخطوطات ، لأن ذلك يؤدي إلى الحصول على مخطوطات متكاملة وتكميل المخطوطات الناقصة . وكشف المحاضر أثناء مداخلته في الملتقى عن تجربته الشخصية في مجال فرز دشت مخطوطات خنقة سيدي ناجي ، التي مكنته من العثور خلال عملية البحث عن أوراق ناقصة من مخطوطات كان يعمل على فهرستها بمسجد سيدي المبارك على تحفة تراثية نادرة تدخل ضمن وسائل وأدوات صناعة المخطوط العربي . وهي كما قال عبارة عن مُسطرة نادرة كانت تستخدم في تسطير أوراق المخطوط قبل نسخه. وحسبه فإن عملية فرز دشت المخطوطات تتم من خلال ثلاث مراحل هي مرحلة الفرز العام ومرحلة الفرز الخاص ومرحلة التدقيق والترتيب والترقيم ، وأساس العمل في هذه المراحل الثلاث هو الفرز الذي يراد به جمع أوراق المخطوط المتفرقة وترتيبها وإخراج الأوراق التي لا علاقة لها بالمخطوط . وتعتبر هذه العملية مرحلة جد هامة في الحفاظ على المخطوطات من الضياع والتلف ، كما يمكن اعتبارها منهجا مهما في التعامل مع المخطوط خاصة أثناء البحث عن أوراق ناقصة في مخطوط ما، أو البحث عن مخطوطات ضائعة أو أدوات تراثية تتعلق بصناعة المخطوط. السيدة حبة ربيعة العدوية منسقة الملتقى الوطني للتراث المخطوط لابد من تشكيل خلية تنسيق للتعامل مع مالكي المخطوطات كشفت منسقة الملتقى الوطني للتراث العربي المخطوط بمنطقة الزيبان السيدة حبة ربيعة العدوية أن هذه الطبعة الثانية نظمت استكمالا للطبعة الأولى التي نظمت العام الماضي والتي تم خلالها تسليط الضوء على أماكن تواجد المخطوطات بمنطقة الزيبان والقيام بجردها . خاصة وأن هذه المنطقة تمتلك مخزونا هائلا وغنيا من المخطوطات يتواجد معظمه الآن حبيس رفوف وخزائن تتوزع ملكيتها بين العام والخاص . وتشترك جميعها في كونها عرضة للتلف والضياع بفعل عدم حفظها وفق الشروط العلمية المتعارف عليها في هذا المجال والتي تمكن المخطوط من الصمود في وجه الزمن والحفاظ على حالته الطبيعية . وفي هذا الإطار أوضحت السيدة حبة التي تشغل منصب رئيس مصلحة حماية الآثار والتراث بمديرية الثقافة أن غالبية مخطوطات منطقة الزيبان المتواجدة بمكتبات المساجد العتيقة والزوايا وبحوزة عائلات وبعض المهتمين والمثقفين هي اليوم معرضة للتلف والاندثار بفعل عدم تعقيمها وإحاطتها بشروط الحفظ المطلوبة كما أنها لا تزال حبيسة الرفوف ويمنع أصحابها أيّا كان من الإطلاع عليها حتى ولو كان بغرض البحث العلمي. وحسب المتحدثة فإن فعاليات هذه الطبعة الثانية من الملتقى الوطني للتراث العربي المخطوط المنظم من قبل مديرية الثقافة بولاية بسكرة بالتعاون مع المخبر الوطني للمخطوطات بجامعة الجزائر 2 توجت بإصدار مجموعة من التوصيات الرامية إلى البحث عن آلية عملية تساعد على حفظ المخطوطات والاستفادة من محتوياتها العلمية وذلك من خلال الدعوة إلى تأسيس خلية توجيه تسند لها مهمة التعامل مع مالكي خزائن المخطوطات الخاصة وربط علاقة ثقة متبادلة بين مالك المخطوط والجهات الرسمية . وإنشاء بنك معلومات وطني موحد مهمته جرد وجمع كافة المعطيات المتعلقة بالتراث العربي المخطوط المتواجد في منطقة الزيبان . كما يوصي المشاركون في الملتقى بضرورة تكوين فر يق من الباحثين ، المؤرخين والأثريين لإنجاز أطلس تاريخي أثري لإقليم منطقة الزيبان، وتنظيم ورشات تطبيقية على هامش الطبعات القادمة من الملتقى تخصص لتكوين الطلبة والمهتمين حول فهرسة وتحقيق المخطوطات. السيدة حفصة بن حقوقة موظفة بالمكتبة الوطنية الجزائرية المكتبة الوطنية الجزائرية تسعى إلى رقمنة رصيدها من المخطوطات أفادت السيدة حفصة بن حقوقة وهي موظفة بقسم التصوير والمؤلفات النادرة بالمكتبة الوطنية الجزائرية أن هذه الأخيرة تحتفظ برصيد مهم من بكرات الميكروفيلم ومنها نسخ فريدة في العالم ، أهمها الجرائد الجزائرية القديمة وجرائد تعود إلى الحقبة الاستعمارية ، وعدد معتبر من المخطوطات والصور . وقد تبنّت المكتبة الوطنية خلال السنوات الأخيرة خيار رقمنة رصيدها من المخطوطات وذلك للحفاظ على الوعاء الورقي للمخطوط لأنه يمثل التراث الوطني الحقيقي ، والرقمنة ما هي إلا وسيلة حفظ تدخل في الحفظ الوقائي للمخطوطات وكل الوثائق الثمينة ووسيلة لتوفير المعلومة للباحث بطريقة سريعة وآنية كبديل عن الأصول. وعن ماهية الرقمنة؟ أوضحت السيدة بن حقوقة خلال مداخلتها في الملتقى أن الرقمنة هي تحويل حاوي المعلومة من الشكل الورقي أو الفيزيائي التقليدي إلى الشكل الإلكتروني وينتج عن ذلك صورة تعالج ببرامج خاصة. مشيرة إلى توجه أغلب المؤسسات أو المكتبات العمومية أو الجامعية تتجه حاليا إلى رقمنة رصيدها من الوثائق والدوريات والمخطوطات. ويمكن حسبها تلخيص أهداف الرقمنة في الحفاظ على الوثائق النادرة من كتب أصلية ومخطوطات نادرة والنسخ الهشة من الملامسات اليومية دون حجبها عن الباحثين. فعلى سبيل المثال تحتفظ المكتبة الوطنية الجزائرية على نسخ كثيرة من المخطوطات النادرة أقدمها مخطوطة عن الرق تعود إلى القرن الثاني الهجري وهي جزء من مصحف (من سورة النّور إلى سورة المؤمنون) مكتوبة بخط كوفي عراقي وهو من أقدم الخطوط العربية؛ فلا يمكن إخراجه لكل الباحثين والزائرين ، لذا قامت المكتبة الوطنية برقمنته لتمكين الباحثين من التمتع برؤيته دون إيذائه وذلك بوضع نسخة رقمية كبديل عن نسخته الأصلية تحت تصرفهم . كما تتيح عملية الرقمنة إمكانية تكبير»الزوم» وتحسين الوثيقة :بعد الحصول على الصورة الناتجة عن الرقمنة يمكننا التكبير على شاشة جهاز الحاسوب لتسهيل القراءة مع إظهار التفاصيل بشكل أفضل ، فالدراسات الكوديكولوجية أو ما يعرف ب»علم الاكتناه» حسب المتحدثة يعتمد كثيرا على التصوير الجيد والصور ذات الجودة العالية للتمكن من دراسة كل تفاصيل المخطوط: كالورق ، الخط ، الحبر دون اللجوء إلى المخطوطة الأصلية إلا نادرا. وحسب السيدة بن حقوقة فقد انطلقت عملية الرقمنة في المكتبة الوطنية الجزائرية سنة 2001 بآلة تصوير جد بسيطة ، لكنها كانت الوسيلة الوحيدة لحفظ المخطوطات والوثائق النادرة والحد من الاطلاع على النسخ الأصلية. وفي سنة 2007 تمكنت المكتبة الوطنية من اقتناء ماسحات جديدة وعصرية تتماشى والرقمنة الحديثة . كما عززت المكتبة الوطنية مؤخرا قدراتها المادية بجهاز سكانير جديد ذو جودة جد عالية يعمل بكاميرا رقمية ومجهز بزجاجة ضاغطة ويستطيع التخزين على مفتاح USB أو على جهاز الحاسوب . وعن آفاق المكتبة الوطنية في مجال الرقمنة، أوضحت المحاضرة أن الدور الأساسي للمكتبة الوطنية هو جمع وحفظ التراث الوطني المنقول. لذا تعمل على تحقيق هدفها بجمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات والمؤلفات النادرة، وذلك عن طريق الشراء ، أو الإهداء أو التبادل .وتسعى المكتبة الوطنية رقمنة كل رصيدها من مخطوطات ومؤلفات نادرة، جرائد قديمة ، رسومات حجرية وصور فوتوغرافية . وذلك في إطار مسعى تشييد المكتبة الافتراضية أو الرقمية . كما تسعى إلى تحقيق تسيير جيد وعقلاني للرصيد الرقمي ليدوم فترة أطول، حتى لا تلجأ إدارة المكتبة الوطنية إلى إعادة التصوير وذلك حفاظا على المخطوط الأصلي وكذا الجهد والمال والوقت . وتعتبر السيدة بن حقوقة أن المخطوطات ثروة لا يمكن تعويضها لذلك تأمل وتطلب مساعدة أصحاب الخزائن الخاصة في التوجه نحو رقمنة مخطوطاتهم حفاظا عليها من التلف والاندثار.