أصحاء تحولوا إلى مرضى نتيجة التشخيص الطبي الخاطئ تتفاقم الوضعية الصحية لدى أشخاص كثيرين ظلوا لسنوات يتعاطون أدوية و يتابعون مرضا ليسوا حامليه أصلا، لا لشيء إلا لتشخيص طبي خاطئ أدخلهم في دوامة كلفتهم ميزانية ضخمة و أرهقتهم صحيا، نفسيا و اجتماعيا، ليعيش أصحاء تحت رحمة أمراض وهمية نتيجة سوء ممارسة طبية تمكن البعض من كشفها و التخلص منها عبر ما يعرف بالتشخيص المضاد، في حين مات البعض و هم يعتقدون بأنهم حاملين مرضا ما. فلطالما شكل الطبيب الجواب الشافي لكل من يحمل أعراضا مرضية أو يشك في داء معين مهما كانت النتيجة سلبية أم إيجابية، فثقة المريض شبه عمياء فيما يقوله هذا الشخص حول وضعه الصحي بناء على ما يسرده عليه من أعراض أو أحاسيس، غالبا ما يؤكدها لأنه أقر بحملها شخصيا، أو لأنه استخدم جهاز كشف قد يكون سليما أو ربما يعاني خللا يكون كفيلا بإعطاء نتيجة خاطئة، في حين يقول البعض بأن نقص الخبرة و التكوين قد تأثران سلبا على الممارسة الطبية التي يفترض بأن تكون نبيلة و تهتم بالحالة النفسية لأي مريض قبل كل شيء. و قد كشف عدد الحالات المتعلقة بضحايا أخطاء الأطباء التشخيصية رصدتها "النصر" في نقاط متفرقة، عن أن القائمة طويلة و العواقب وخيمة لمن راح ضحيتها في غفلة عن إمكانية أنه لا يحمل المرض الذي يؤكده الطبيب، فالسيدة حبيبة كانت من بين هذه الحالات التي ظلت لفترة طويلة تتلقى علاجا خاصا بمرض القلب و تتنقل بين عيادات الأطباء المتخصصين و تجري فحوصات تبين فيما بعد بأنها غير مجدية و بأن التشخيص كان خاطئا، فالسيدة حبيبة لا تعاني إلا من بعض الآلام على مستوى المعدة. ضعف التكوين يحمل الأصحاء أمراضا غير مصابين بها يجمع عدد كبير من الأشخاص الذين تحدثوا للنصر عن وضعيتهم الصحية التي ظلوا يعتقدون بأنها متدهورة لفترة من الزمن، ليتبين فيما بعد بأنهم أصحاء و لا يعانون شيئا، على أن الإشكالية تكمن في ضعف التكوين لدى شريحة من الأطباء و إن كانوا متخصصين في مجال معين، فالرجل يقول بأنه استمر في متابعة إصابته بمرض الأمعاء لمدة 4 سنوات لدى أحد الأطباء العامين، مما أرهقه ماديا و جسديا، لتتفاقم وضعيته بشكل أكبر فيلزم الفراش. تدخل عندئذ أفراد عائلته فنقلوه لطبيب آخر أمره بالتوجه على جناح السرعة للمستشفى من أجل نزع حصى تسببت في سد منفذ المرارة التي تكاد تنفجر. حالة أخرى لشابة تقول لنا بأنها قصدت أحد الأطباء بعد أن أحست بآلام كبيرة على مستوى رجلها اليمنى، و هي التي صدمها الطبيب بأنها تعاني من مرض خطير يستدعي بتر ساقها، و إلا فهي مهددة بالموت، لتكتشف بعد تنقلها إلى مصلحة جراحة العظام بالمستشفى بأن الأمر ليس كذلك بعد أن تحول كابوس عايشها لفترة إلى حادثة طريفة بات يضرب بها المثل بالمصلحة. حالات أخرى تعاني في صمت، كحالة حمزة البالغ من العمر24 ربيعا، و الذي بدأت مأساته منذ 8 سنوات بسبب مسمار دخل بقدمه اليسرى، لتتواصل الأزمة معه و يتطور الوضع و ينتقل المرض إلى قدمه الأخرى لأن الأطباء عجزوا إلى اليوم عن تشخيص حالته بشكل دقيق، ليظل يتنقل من طبيب إلى آخر و من مستشفى لأخرى خاصة و أنه يعاني أيضا من داء السكري، لتتضخم ميزانية العلاج، و يتدهور وضعه الصحي بشكل كبير باستمرار بعد أن أصيبت قدماه باعوجاج و بات شبه عاجز عن الحركة. العيادات الخاصة...للمتاجرة بأرواح الجزائريين ربما تشكل العيادات الخاصة إحدى بؤر التشخيص الطبي الخاطئ، فبالرغم من تكاليفها الباهظة، و دقة التحاليل التي تفرضها على المريض، إلا أن التشخيص يكون في الكثير من الأحيان خاطئا، و هو ما تثبته حالات كثيرة أكدت لنا لذلك، فالسيدة إلهام أم الطفلة جنان التي كانت وقت الحادثة تبلغ من العمر سنتين، اعتقدت بأن ابنتها تعاني من مرض الصرع نتيجة الأعراض التي تصيبها عند سقوطها، لتبدأ رحلة الكشف عن المرض لتأكيده أو نفيه، إلا أن الأطباء كانوا يؤكدونه في كل مرة و طلبوا منها أجراء أشعة التصوير بالرنين المغناطيسي "إيارام" على مستوى الرأس، لتؤكد العيادة الخاصة ذلك عبر طبيبها المختص في طب الأطفال و المعروف منذ سنوات طويلة بكفاءته، غير أن إصرار باقي أفراد العائلة على أن الطفلة سليمة، دفع بالأم إلى أخذها لطبيب أطفال آخر، فأكد بأن وضعيتها طبيعية و بأن الإشكال سيزول عند بلوغها سن الخامسة، و هي الحالة التي تميز عددا كبيرا من الأطفال و لا تدعو إلى القلق. السيدة حفيظة أيضا كانت واحدة من ضحايا هذه العيادات التي قالت بأنه عليها الإسراع لإجراء عملية جراحية على مستوى العين بسبب الماء الأزرق خلال أسبوع، غير أنها خافت و قررت إجراء فحص مضاد، و فعلا أكد شكوكها لكن نصحها الأطباء بالتريث لأن إجراء العملية بهذه السرعة يشكل خطرا و قد يؤدي إلى فقدانها البصر بشكل تام، ما استنكرته السيدة و اعتبرت عمل هذه العيادات غير نبيل لا يهدف سوى للربح ضاربة عرض الحائط ما يعانيه المريض و ما يتكبده من خسائر لا داعي لها. الاستعجالات الطبية...نقص في الخبرة و سرعة تهدد سلامة المريض تشكل مصالح الاستعجالات الطبية حلقة مهمة في سلسلة عمل أي مؤسسة استشفائية، و على الرغم من ذلك، فكثيرا ما يتكفل بمعاينة المرضى بها متربصون لا يمتلكون الخبرة الكافية لتحديد نوع المرض أو الإصابة، و شاهدنا الكثير من الحالات و حدثتنا مصادر مقربة منها عن بعضها، فالدكتورة س،ب التي تعمل بإحدى هذه المصالح، أكدت بأن أخطاء كثيرة تقع في التشخيص على مستواها، فالمتربص يعجز عن تحديد الداء بدقة خاصة عند التعرض للحوادث، و تربط ذلك بإصابة شاب في حادث سير على مستوى الرأس ،فوصف له الطبيب مسكن آلام، عاجزا عن حمايته لأنه أصيب بنزيف داخلي و ليس صداعا. و تقول فائزة موظفة إدارية بإحدى المستشفيات العمومية بأن الاستعجال في معاينة الحالات ينتج عنه الكثير من الأخطاء، خاصة إذا ما كان عدد المرضى كبير، وهو الوضع ذاته بالعيادات المتعددة الخدمات التي تتعرض فيها العديد من الحالات لأخطاء التشخيص و العلاج . وذلك لأنها لا تولي الأهمية الكافية للمريض عند التوجه إليها، ما يتسبب في مضاعفة الحالة و تفاقم مرض لم يتم الكشف عنه في الوقت المناسب. اللاشعور يعمل عمله بعد التشخيص الخاطئ و الأطباء يعترفون باحتمال الخطأ الأخصائيون النفسانيون لديهم ما يقولونه في هذه النقطة، فالأخصائية شامة بن زيتوني ترى بأن أخطاء التشخيص الطبي شائعة بشكل كبير في المجتمع الجزائري، و تقول بأن عواقبها وخيمة تتسبب في انهيار للمريض نفسيا بالدرجة الأولى من خلال استسلامه للمرض الذي أكد الطبيب بأنه يحمله، فالمريض و كما أكدت لنا ينتقل من حالة الشعور إلى اللاشعور، هذا الأخير الذي يصبح الفاعل الوحيد في العملية. فالمريض ينتقل إلى مرحلة الإحساس بمختلف أعراض المرض الذي أكده الطبيب و إن كان لا يحمله أصلا، و هو ما يفسره أهل الاختصاص بالخوف من المرض و رفض التعايش معه مما يدخل الشخص في دوامة عليه أن يواجهها بالتشخيص المضاد من أجل التأكد تفاديا للوساوس التي تقهره و قد تتسبب في تعقيده حالته. بالمقابل اعترف عدد من الأطباء للنصر بأن أخطاء التشخيص واردة في حالات كثيرة، و هو ما يجعلهم يطلبون من المريض إجراء تحاليل دقيقة من أجل التأكد من حمله للمرض من عدمه، أما عن وصفهم لأدوية و لأشخاص غير مرضى، فقد أكدت طبيبة بأن بعض الأدوية غير مضرة كالباراسيتامول. أما الكورتيكوييد مثلا إذا وصف لشخص سليم فقد يؤثر سلبا عليه و يعرضه للإصابة بأمراض خطيرة. و يبقى الحديث عن أخطاء التشخيص الطبي و نتائجه الوخيمة مستمرا، في ظل تزايد عدد الضحايا الذين يموت البعض منهم و هو متأكد من إصابته بمرض لا يحمله أصلا، و البعض الآخر تناولوا أدوية ليست مخصصة لهم، فأصيبوا بأمراض كانوا في غنى عنها، و على الرغم من تطور الطب و تطور الأجهزة و التقنيات، إلا أن المختصين يرون أن الخطر بات أكبر خاصة مع تعقد العمليات الجراحية التي بات يتعرض لها المرضى.