يُمثل الطبيب العام أول حلقة في دائرة العلاج المتواصل خاصة بالنسبة للذين يعانون الحساسيات أو تعقيدات أمراض أخرى، أو ببساطة لمن هم ذوي بنية قابلة للإصابة ببعض الأمراض، وبذلك يرتادون العيادات الطبية بصفة متكررة. إلا أن الإشكال المطروح حاليا لدى أهل الاختصاص يتمركز في نقطتين أساسيتين، أولاهما ضعف التكوين الخاص بالأطباء العامين، وثانيهما اتجاه المريض إلى الطبيب الأخصائي مباشرة دون المرور على الطبيب العام، وهي النقطة التي تناولتها "المساء" مع ثلة من الأطباء العامين على هامش ملتقى طبّي انعقد مؤخرا بالعاصمة. الاستشفاء غاية يسعى إليها المريض بزيارة الطبيب سواء العام أو الخاص لغرض المعالجة وتشخيص المرض الذي يعاني منه دونما تفكير في القدرات والمهارات التي يتمتع بها الطبيب المعالج. والملاحظ حاليا حسب ذوي الاختصاص أن المريض يتجه إلى الأخصائي لمجرد الإحساس بألم بسيط في أحد أعضاء جسمه، وفي حالات نادرة قد يفكر في الذهاب إلى الطبيب العام مشككا في قدرات هذا الأخير، هذا التفكير يحد من قيمة الطبيب العام ومكانته في المجتمع، وحتى وسط الحلقة الطبية كاملة، ضف إلى ذلك أن هذه النظرة التقصيرية تتحد مع نقص الوسائل المتاحة للطبيب العام في أداء عمله خاصة في وحدات الصحة الجوارية. تقول الطبيبة العامة (ش.لمياء) من مؤسسة الصحة الجوارية لبوزريعة إن المواطن الجزائري وصل إلى درجة معينة من الوعي ولكن هذا قد ينقلب ضده، إذ أضحى الكثيرون حاليا يتجهون إلى الطبيب المختص لمجرد إحساسهم بألم بسيط، فإذا كان ذلك مثلا في أذنه يتجه إلى أخصائي الأنف والحنجرة مباشرة، ويطلب من طبيبه أن يصف له علاجا فعالا وإجراء فحوصات مخبرية وتحاليل دم حتى يتأكد من أنه غير مصاب بمرض ربما سمع أن أحدهم أصيب به. في البلدان المتحضرة - تضيف - إن اكتٌشف أن مريضا عالج مباشرة عند طبيب مختص دون المرور عند الطبيب العام المخول بإرساله إلى المختص فإن منظومة التعويض لا تعوض له الأدوية، بل قد تتابعه قضائيا لدى الجهات المختصة، أما هنا فإن كل الأوضاع ضدنا نحن الأطباء العامون، حتى الأخصائيون أنفسهم لديهم نظرة ازدراء تجاه الطبيب العام، ويحملونه مسؤولية العلاج غير الناجع لأحد المرضى الذي قد يقصدهم لسبب أو لأخر، فيرددون على مسامعه أن الطبيب العام "خاطيه" كما يقال لدى العامة، وهو ما ساهم في نظرة التصغير أو الانتقاص من قيمة الطبيب العام، تنهي الدكتورة حديثها إلينا.
20 مليونا من أجل دورة تكوينية ! وتربط الدكتورة بوزيدي.ن من مؤسسة الصحة الجوارية للشراقة مشكلة الازدراء من الطبيب العام بمسألة العنف النفسي الذي يتعرضون له من جهتين: "من المواطن الذي يعيب علينا تقصيرنا في أداء واجبنا الطبي وسط النقص الكبير للإمكانيات، وشح تلك الموجودة مما يجعلنا نؤدي نصف واجبنا، مع العلم أن المواطن يُحرجنا إذا وقف على هذا النوع من التقصير بقوله ماذا تفعلون إذاً وراء مكاتبكم وكأن الأمر بأيدينا، ناهيك عن إصرار آخر في إيجاد العلة التي يعاني منها مع وصف علاج ناجع، وأمام ما هو موجود من إمكانيات نقف عاجزين، وهو ما يعطي بعضا من المصداقية للمواطن، وهو يعيب علينا دائما كوننا نحن الذين نواجه فئات عديدة من المواطنين ممن لا يستطيعون قصد الطبيب في القطاع الخاص حتى ولو كان طبيبا عاما" . ومن جهة أخرى فإن هناك عاملا مهما للغاية يتمثل في نقص التكوين لصالح الأطباء العامين، والذي تشير الدكتورة (ش.لمياء) إليه قائلة "إننا كأطباء عامين لا نتطور أبدا بالنظر إلى انعدام الدورات التكوينية، والموجودة يتبناها القطاع الخاص، وتصل تكلفة الدورة الواحدة - لبضعة أيام - إلى حدود 200 ألف سنتيم، وهو مبلغ كبير جدا لا يمكننا توفيره. كما أن هناك محسوبية بالنسبة لبعض الدورات المنظمة من طرف الوزارة المعنية، فقد يستفيد منها أطباء مُعينون على حساب آخرين. ولذلك لا بد لوزارة الصحة أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار لما لها من أهمية بالغة، على الأقل حتى يُطور الطبيب العام معارفه في الحقل الطبي الذي يبقى في تطور مستمر، ناهيك عن أهمية تطوير أدائه في عمله و بالتالي التحكم في نفقات الصحة العمومية. المشكلة ليست في ذهاب المريض للعيادة سواء العمومية أو الخاصة وتحمله تكاليف العلاج وصرف الدواء، وإنما في أخطاء الوصفات العلاجية وعدم تشخيص الحالة المرضية بشكل سليم من طرف الأطباء. هكذا يرى بعض المواطنين ممن يعيبون تدني الخدمة العلاجية بالنسبة لبعض الأطباء ببعض العيادات العمومية أو الخاصة. وأثناء تواجدنا مؤخرا باحدى العيادات المتعددة الخدمات "بالعاصمة لمحنا شاباً رفقة والدته وهو يحمل بيديه كيسا مليئا بالأدوية وأوراق نتائج الفحوصات المخبرية وتحاليل الدم، علق يقول إن كل ذلك حتى يتم التأكد من أن والدته لم تصب بقصور كلوي بسبب السكري، والتأكد كذلك من عدم تأثير المرض على عينيها ورجليها، مضيفا أن هذه رابع مرة يصطحب فيها والدته للعلاج في أكثر من عيادة. مرجعا السبب إلى أن كل طبيب يصف دواء مختلفا عن الطبيب الذي سبقه للكشف عن الحالة المرضية، والغريب - يقول المتحدث - أن أي طبيب تزوره يطلب منك إحضار الوصفة الطبية والتحاليل التي طلبها منك الطبيب الذي قصدته قبله؟
المريض طبيب نفسه أولا وفي إحدى العيادات الخاصة سألنا طبيبا عاما عن كيفية تشخيص الحالة المرضية التي تأتي إلى العيادة بغية العلاج، فأجاب بالقول إنه هناك ثلاثة أساليب أساسية لاكتشاف حقيقة المرض، فقد يترك المجال للمريض للإفصاح عن مرضه، أو عن طريق الفحص السريري بمعنى تحسس موضع الألم، أو عن طريق الفحوص الطبية بدءا بأخذ درجة الحرارة وانتهاء بأكثر الفحوص الطبية تعقيدا، فالطبيب العام - يقول - يكون في الغالب على دراية علمية وعملية بالحالات المرضية التي يتم معالجتها، وفي نفس الوقت ما تحتاج إليه من أدوية أو فحوصات مخبريه وغيره. ويؤكد الدكتور أن الحديث الصريح بين المريض وطبيبه هي أهم نقطة، إذ أن تسعا من كل عشر حالات مرضية يكفي للمريض أن يعطي وصفا دقيقا للأعراض التي يشكو منها حتى يستدل الطبيب على طبيعة المرض، ويصل إلى التشخيص الصحيح حتى قبل أن تظهر نتائج الفحوص الطبية وتحليلات الدم. من خلال الكشف والمعاينة الأولية أو السريرية تحال حالات معينة على أطباء أخصائيين لأنه يتعين على الطبيب العام ذلك، بعدما يتم إجراء المعاينة والفحوصات المخبرية، يأتي هذا إذا استدعت حالة المريض طبيباً مختصاً، يقول الدكتور مراد بودية القائم على تنظيم الملتقى الخاص بطب العمل مؤخرا بالعاصمة الجزائر مضيفا أن الطبيب العام يُحيل المريض على الطبيب المختص إذا كانت الحالة تستدعي ذلك. ويوضح أن المريض هو الشخص الوحيد المؤهل لإرشاد الطبيب إلى حقيقة المرض الذي يعاني منه ليتمكن من معالجته أو تحويله إلى طبيب مختص. إلا أن الإشكالية الحقيقية حسب الدكتور بودية تكمن في أن الكثير من الأطباء يتجاهلون لسبب أو لآخر تخصيص الوقت الكافي لكل مريض فالوقت الضيق الذي يقضيه الطبيب مع كل مريض والذي حددته بعض الأطراف في تحقيق أجري مؤخرا بستة دقائق في بعض العيادات يعد غير كاف إطلاقا، ولا يسمح للطبيب العام بالوصول إلى التشخيص السليم، فيحيل مريضه إلى أخصائي ومن أخصائي إلى آخر.. وهكذا يظل المريض يتنقل بين الأطباء ووسائل التشخيص قبل أن يصل إلى التشخيص الصحيح.