سكان مناطق معزولة بين قسنطينة و قالمة مازالوا يحافظون على الاقتصاد المعيشي حافظ سكان المناطق النائية الجبلية الواقعة على حدود ولايتي قسنطينة و قالمة على الطريقة القديمة لتوفير الحاجيات الاستهلاكية اليومية أو ما يعرف عند المختصين بالاقتصاد المعيشي. هذه المناطق تقع بالضبط في الحدود الجبلية لبلديتي عين عبيد وعين رقادة ، التي وقفنا على مشارفها مؤخرا بعد أن تركنا مركبتنا على مسافة عدة كيلومترات لم تغطها شبكة مسالك فك العزلة المبرمجة في الولايتين لوقوعها في حدودهما، مما جعل سكانها يقطعون مسافات طويلة جدا للوصول إلى مضاربهم الواقعة في منطقة الحفرة وما جاورها. سكان الحفرة الذين يرتبط بعضهم بروابط القرابة و المصاهرة بولاية قالمة و البعض الآخر بولاية قسنطينة ، جمعتهم صفة المحافظة على الاقتصاد المعيشي ، متأثرين بالعزلة الكبيرة التي كانوا يعانون منها سابقا قبل تطبيق برنامج مديرية الغابات في الولايتين الذي فك عزلتهم بنسبة عالية جدا. لكن ذلك كما لاحظنا لم يمنعهم من التشبث بالعادة التي ورثوها عن أجدادهم ، حيث يزرعون مساحة من الأرض بما يحتاجونه في استهلاكهم اليومي من بصل وثوم وخس، إضافة إلى الطماطم والفلفل بنوعيه ،و البطاطا ، ولكل موسم خضره يقول النوري الذي زرنا ، مضاربه ، و يحيط بستانه بسياج يتشكل من أغصان الغابات المجاورة وكذا أحراش ، و يزين محصوله من الخضر بضع أشجار تنضج فواكهها على مدار مواسم عدة ، بدءا من المشمش ، الذي يليه الكرز ، ثم التين العادي و الشوكي خريفا. النوري غرس مؤخرا بضع شجيرات زيتون بدأت هاماتها تؤذن بوجودها بين أشجار البستان كإضافة لما ورثه عن أسلافه. و على الرغم من المساحات الواسعة الخالية والمياه الجارية بالمنطقة ، إلا أن ما ورثه سكانها في جيناتهم يكتفي فقط ، بما يغطي استهلاكهم العائلي دون التفكير في التسويق ، الذي لا يزال عندهم يقتصر على لحوم الأبقار والمواشي بعد ذبحها ،دون استغلال الكميات الكبيرة التي تنتجها من الألبان. النوري يروي بستانه من ماء متدفق من منبع روماني مبني بالحجارة الضخمة وتغطيه صفيحة مسطحة و قد ربطه بأنبوب بلاستيكي لينقل الماء في المنحدر . وقد غرس هناك نباتات البقدونس والكرافس و السبانخ فاحتقنت أوراقها بالماء المتدفق من أعالي الجبال يروي بخريره حكايات من عمق تاريخ تلك المنطقة التي عثرنا فيها على آثار الرومان في عز مجدهم ، تحكي تاريخ أيامهم بلسانهم، تركوها منقوشة على حجارة طمر الزمان وحركة الأرض الكثير من معالمها. الجدير بالذكر أن منطقة الحفرة تم ربطها بالكهرباء الريفية سنة 1997 حسب السكان، وقد ساهم ذلك في بقائهم فوق أراضيهم مع الحفاظ على نمط معيشتهم الرعوي. . الأستاذ الباحث فوزي مجماج من المركز الوطني للبحث في علم الإنسان والتاريخ و التاريخ القديم بعين مليلة، الذي رافقنا في هذا الاستطلاع ، قال لنا بأن ظاهرة زراعة مساحات صغيرة قريبا من مكان إقامة سكان المناطق الجبلية النائية يطلق عليها المختصون الاقتصاد المعيشي وهي موجودة في المجتمع الجزائري قبل الاحتلال الفرنسي و قد اعتمدها الجزائري ، ليوفر ما يكفيه من حاجيات الاستهلاك ، قبل انتشار الأسواق وظهور التعاملات النقدية ، ولا زالت موجودة في الكثير من المناطق الجبلية المعزولة ، واعتبرها ظاهرة صحية و مفيدة اقتصاديا.