كان حلمي أن أبقى صحفية لكن جورج بوش دفعني إلى الرواية أعلنت الروائية والصحفية العراقية الشهيرة إنعام كجه جي أنها لم تكن تفكر في كتابة الرواية على الإطلاق، وكان كل أملها وحلمها أن تظل صحفية فحسب، لكن الغزو الأمريكي للعراق استدعى وسيلة أخرى للتعبير غير الصحافة ما دفعها إلى الدخول المتأخر إلى أرض الرواية. إنعام التي كانت تتحدث نهاية الأسبوع في لقاء ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب قالت بسخرية مريرة: «لم أكن أتوقع أن أصبح روائية لكن جورج بوش الأب دفعني إلى ذلك»، وأضافت أن كل أملها كان أن تظل صحفية وتستمر، فكل العراقيين كانوا يكتبون الشعر في مراهقتهم ثم يعودون إلى رشدهم، وهو ما حدث لها إذ كتبت القصة في بداية الأمر، غير أن عملها في الصحافة جعلها تشبع حاجتها في المقالات والروبورتاجات والأخبار التي تعتبرها نوعا من القص. لكن مع التقدم في السن تترسب في رأس الصحفي مئات الصور وتتكدس شخصيات لا يستوعبها العمل الصحفي، وحين حدث الزلزال في العراق تقول صاحبة «الحفيدة الأمريكية» أنها لم تخف على البلد بل على القيم وعلى الأجيال التي ولدت في الحرب والتي لن تعرف ذلك البلد المتحضر، لأن هؤلاء الذين يظهرون في التلفزيون لا يمثلون عراق كجه جي الموثق في رسومات لورنا سليم، التي جسدت عراق الستينيات في لوحات فنية. وكان عليها أن تكتب لتوثق عراقها «فلا شيء يرد العدوان إلا الكتابة» لذلك استدعت شخصيات معلقة المصائر بين الوطن والهجرة. ورغم إقامتها الطويلة في باريس إلا أنها ظلت مشدودة إلى بغداد بطريقة لم تعرف تفسيرها، بل أنها استغربت كيف تدفقت الشخوص والروائح والأشياء بمجرد ما جلست لتكتب في برد باريس، «مدن كثيرة يزورها الكاتب لكن المكان الأول يبقى هو الأساس»، حتى وإن يحزنها الآن وهي تراجع سواتها المنفرطة أن ما عاشته في الخارج أكثر مما عاشته في مدينتها مدينة الكتابة، لكنها تحرص على التأكيد أنها لم تكن في يوم ما منفية، كما يقال في الإشارة إلى وضعها، بل أنها اختارت البقاء في باريس بعد أن ذهبت للدراسة وكانت دائما تعتقد أنها ستعود وتروي بمرارة كيف أنها لم تغير سريرها وأثاثها لمدة 25 سنة لأنها كانت ترى أن وجودها في فرنسا مؤقت، لكن حين سقطت بغداد عرفت أن وقت شراء السرير الجديد قد حان. وستذكر فيما بعد كيف سقطت بغداد ليس التي عادت إليها فلم تعرفها لأن لوثة أصابت الناس، فهي لا تستطيع المرور في شوارعها أن تجرحها البذاءات، بعد أن وجدتها في زيارة سابقة مكللة برماد الحرب وكان عليها أن تعود إلى رسومات لورنا سليم( المراسلة البريطانية لورنا هيلز التي كانت متزوجة من الرسام والنحات العراقي جواد سليم والتي اكتشفتها الكاتبة مسنة ومجهولة في بغداد) التي رسمت بغداد القديمة لتجد بغدادها، وكان عليها من باب الواجب هي الأخرى أن ترسم بغداد وتوثقها فلم تجد غير الرواية. وهي رغبة استبدت بعشرات الكتاب العراقيين، حيث تفسر إنعام كجه جي انتشار كتابة الرواية في السنوات الأخيرة ببلادها بالقول أن «لكل عراقي حكاية يريد أن يحكيها وكل عراقي يريد أن يروي الخراب من زاوية نظره» وهو نفس الدافع الذي يدفع العراقيين إلى شبكات التواصل الاجتماعي حيث ترى أنهم أنشط قوم على الانترنيت، وكأنهم يريدون بناء وطن افتراضي وترميم الروح:»الوطن يتسرب من بين الأصابع ويظهر على الأنترنيت». إنعام التي قالت أنها طاردت العجائز كصحفية من لورنا سليم إلى نزيهة الديلمي أول وزيرة في العالم العربي (الخمسينيات) والتي انتهت مجهولة هي الأخرى لولا أنها وثقتها في شريط مصور، كشفت أنها تتمنى كتابة رواية عن الحب، وروت حكاية حب تشبه حكايات الحب الغريبة، إنها قصة صحفية عراقية كانت رئيسة تحرير سنة 1947 تعرفت على مذيع فلسطيني في كراتشي واندلعت بينهما قصة حب ، هذه السيدة لا تزال موجودة والسيد لازال موجودا ويقيم في فنزويلا، راسلتهما الكاتبة وتحصلت على كل وثائق الحكاية. البطلان لم يلتقيا منذ 50 سنة ولن يلتقيا ربما سوى في الرواية. الصحفية الشهيرة التي صارت في الثانية والستين الآن لا تنتصر للأدب في ردها على النقاد الذين يقولون أنها تكتب الرواية على طريقة الروبورتاج بل أنها لا ترى مانعا في ذلك لأن الصحافة في نظرها وفضلا عن أنها ضمير هي أرقى فنون التعبير، وتتساءل: هل أن لقب روائي أهم من لقب صحفي؟ وبالطبع ستنتصر في جوابها للصحافة ! وفي تعليقها على ما يحدث في العراق تساءلت ما قيمة الدين الذي لا يردع الإنسان عن إيذاء الآخرين، مؤكدة على أن قوة العراق كانت في تمازجه الديني والعرقي، لكن كل شيء صار الآن سياسيا وأبدت حزنها على ما حدث لأقاربها في الموصل. وبالطبع فإن الأدب لا يستطيع فعل إزاء ذلك والنخبة الثقافية لا تمتلك ما يمتلكه الساسة ولا تستطيع مواجهة ما يخطط في مراكز الاستخبارات المدججة بمعلومات لن تكون في متناول الكاتب. وبمرارة تقول أن البلد السليم هو الذي يترك الإنسان يعيش في سلام. تجدر الإشارة إلى أن إنعام كجه جي تشتغل حاليا مراسلة لصحيفة الشرق الأوسط من باريس ومجلة «كل الأسرة» التي تصدر من الشارقة، وأصدرت ثلاث روايات: سواقي القلوب، الحفيدة الأمريكية التي بلغت القائمة القصيرة لجائزة البوكر ورواية طشاري المرشحة لذات الجائزة هذا العام.