تتحدث الروائية العراقية أنعام كجه جي في هذا الحوار الذي خصت به جريدة ''المستقبل'' عن روايتها الثانية ''الحفيدة الأمريكية'' التي اختيرت ضمن أفضل 30 رواية نالت اعجاب أصحاب المكتبات في باريس هذا العام كما، وجهت الصحفية أنعام كجه جي عبر جريدة ''المستقبل'' دعوة للمخرج شوقي الماجري لتحويل روايتها إلى مسلسل تليفزيوني يشبه ما فعله في مسلسله ''هدوء نسبي''، من حيث التقنية في الاخراج.ولم تغفل أنعام كجه جي الحديث عن الجزائر وصرحت ''للمستقبل'' أنها تنتمي لجيل الأطفال العراقيين الذين خرجوا من مدارسهم يحملون علم الجزائر بيد وبيد أخرى علم العراق ليقفوا على الطريق ويستقبلوا المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد عندما زارت بغداد بعد ثورة جويلية 1958 وإعلان الجمهورية. - من الصفحات الأولى تطلعنا أنعام كجه جي في روايتها ''الحفيدة الأمريكية'' بفيض من الكلمات الجميلة خاصة حين تتحدث بطلة الرواية ''زينة'' عن علاقتها بجدتها ''رحمة''. -- حاولت في الحقيقة أن أتفهم نفسي كيف يمكن لعراقي ولد في بغداد وهاجر منها، مهما كانت الأسباب أن يعود إليها، مرتديا زي جندي في الزي الأمريكي ومترجما يعمل في خدمته، هذه الفكرة خطرت على بالي عندما وجدت أن الحرب لم تكسر البلد فحسب، بل تسللت إلى النفوس، وإذا كانت ''زينة'' بطلة الرواية قد وافقت لأسباب مادية بالدرجة الأولى على أن تعمل في خدمة ممثل بلدها، فإن من وقف في وجهها هو جدتها العجوز ''رحمة'' والدة والداتها، والرحمة بالنسبة لي تمثل الجيل القديم الذي تربى على المبادىء الصحيحة وقيم التسامح والوطنية وحب الوطن، قبل أن تهجم على العراق الانقلابات والحروب والصراعات. - رغم أن البطلة زينة سمعت أناسا يديرون الوجوه ويبصقون ويحذّرون من خيانة الأرض التي شربوا من دجلتهاوفراتها، حتى ولو لصالح الأرض الجديدة التي سقتهم الكوكاكولا صباح مساء، رغم ذلك قبلت السفر إلى العراق مع الجنود الأمريكيين للعمل كمترجمة معهم؟ -- البطلة عاشت ظروفا صعبة، فقد طرد والدها ودفعت الأسرة إلى الهجرة، حالها حال الآلاف من العائلات العراقية التي سلكت دروب المنافي لسبب أو لآخر، وغالبا ما كان السبب هو التعسف السياسي، وزينة هي ابنة المنفى وقد حصلت على الجنسية الأمريكية وهي في سن المراهقة وتصورت أنها أصبحت أمريكية مائة بالمائة، ولما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اهتزت زينة مثلما اهتز أي أمريكي وشعرت أن عليها أن تقدم شيئا لهذه الأمريكا السخية التي احتضنتها، لكن انخراطها كمترجمة في الجيش الأمريكي، وعملها في العراق ما بين بغداد وتكريت والموصل، أصابها بهزة أكبر من هزة سقوط البرجين. لقد اكتشفت أنها كانت ضحية لصراع سياسي معقد، والحرب قامت على كذبة، وهي أصبحت كما وصفتها مرضعتها طاووس ''كلبا ذا بيتين''. أنا من جيل تربى على شعار المقاومة الفلسطينية وأنا من جيل الأطفال الذين خرجوا من مدارسهم يحملون علم الجزائر بيد وبيد أخرى علم العراق ليقفوا على الطريق، ويستقبلوا المناضلة جميلة بوحيرد عندما زارت بغداد بعد ثورة جويلية 1958 واعلان الجمهورية، وأنا من جيل كان يحفظ في الجامعة بطولات المقاومة الفيتنامية لذلك لم يكن من السهل علي ولا على أي عراقي ولا أي مواطن في أي بلد من العالم أن يقبل بجيش أجنبي يغزو أرضه، لكن أيضا من هذا الجيل الذي مني بالخسارات، واكشتفت زيف العديد من الشعارات، حيث بات قادرا على أن يرصد انقسام شعبه ما بين مقاوم ومتعاون، أنتم في الجزائر تعرفون هذه الإشكالية، وما زالت الحركى تثقل على تاريخ كاهلكم ووجدت هذه المسألة صداها في أدب كتابكم وكتاباتكم وأظن أننا في العراق رأينا من الوقائع ما يفوق الخيال على مدى السنوات الثلاثين الماضية وعاش العراقيون ثلاثة حروب طاحنة في مسافة عشرين سنة، وذهب أغلب مثقفينا إلى الجيش لآداء واجبهم في الخدمة العسكرية، وسجلوا وقائع سنوات الجمر، وتجربتنا مازالت حارة ومشتعلة وتقطف الضحايا كل يوم، ولهذا لدينا الكثير ممن ينتظر الكتابة، فإذا كنتم أنتم في الجزائر قد استرحتم بتسمية قتلاكم في حرب التحرير ''شهداء'' فإننا في العراق مازلنا نبحث عن صفة لهؤلاء الضحايا الذين يحصدهم الموت المجاني كل يوم والمأساة هي أنهم لا يموتون بيد عدو بل بيد ابن البلد، وستبقى الرواية مفتوحة للتسجل وتشهد على زمن صعب. - قالت البطلة زينة في الرواية مساكين أهل العراق، لن يصدّقوا أعينهم حين ستنفتح على الحرية؟ ألم يكن حكما متسرّعا منها؟ -- أكيد أن البطلة وليدة الكذبة الأمريكية، وجاءت مع كل الجهل الذي أحاط قيادتها بحقيقة الأمور في العراق، والتركيبة الصعبة للمجتمع العراقي، لكنها عينيها وعلى امتداد صفحات الرواية ستشاهدان الكثير، وأظن أن الغشاوة ستزول عنهما، لأنني أمام نفسي لا أملك أن أعبر عن القناعة النهائية التي عادت بها زينة عن تجربتها العراقية، لقد عادت وهي تقول أنها معصورة مثل خرقة بالية وأنا أقول أن مواجهتها مع جدتها قد صححت مفاهيمها وسلمتها لحالة من الشجن الذي سيواصل تأديبها. - الجميل في الرواية أن البطلة تقول أن والدها كان يسعى لأن تتعلم الأشورية، لغة والدها الأم، بحث الانسان الدائم عن جذوره سؤال الهوية نتشابه فيه. -- نعم البطلة تنتمي إلى الأقلية الآشورية من جهة والدها كما أن والدتها كلدانية أي أنها ابنة سلسلة حضارات عراقية قديمة وأردت من خلال هذا الانتماء أن أؤكد أن الأقليات في العراق لا تقل إخلاصا للبلد وتعلقا به من الأغلبيات وما شخصية الجدة رحمة إلا النموذج الذي يؤكد نظرتي، ورحمة ليست شخصية روائية فحسب بل يكفي أن يدير رأسه في أي أسرة عراقية مهما كان مذهبها أو كانت قوميتها حتى يجسد شبيهات كثيرات لها، إنها يمكن أن تكون والدتي أو والدة جيراننا في بغداد أو إحدى مدرساتي في الابتدائية لقد لملمت ملامح ''رحمة'' من عدة وجوه ورسمت صورها بالإستناد إلى عدة مصادر في ذاكرتي وكان هدفي في الرواية أن أحفظ العراق الذي عرفت وربني وعلمني وشد أزراري في مواجهة الاغتراب، إنه العراق الذي يتبدد اليوم للأسف بحيث أصبحنا في حاجة إلى أن نحتفظ به لأبنائنا والآتي من الأجيال. - عرف مسلسل ''هدوء نسبي'' للمخروج التونسي شوقي الماجري نسبة مشاهدة كبيرة في شهر رمضان، وتناولت فيه مأساة العراق، هل شاهدته وما رأيك فيه؟ -- أنا أولا أحب أن أوجه التحية لشوقي الماجري، هذا المخرج العربي التونسي، فعندما تابعت المسلسل كنت أبكي وكان من العسير علي مواصلة المتابعة لقسوة الأحداث وأنا أسمي شوقي الماجري شاعر الكاميرا، وكم أتمنى لو تصل روايتي: ''الحفيدة الأمريكية'' إلى يديه لكي يجعل منها فيلما لا للعرب وإنما يوري للأمريكيين في أي جب ألقوا بنا وأي شعب دمروا. - وصلت إلى الجزائر يوم الأحد مساء وتغادرينها يوم الثلاثاء لما الإسراع في مغادرتها قبل زيارة أجمل أماكنها؟ -- مكثت أقل من ثلاثة أيام في الجزائر، وبالمناسبة سبق لي زيارة الجزائر وذهبت إلى عنابة، ولكن يكفيني أن أمر بها يوما كل عشر سنوات لتشحنني من جديد بكثير من الأحاسيس، وأذكر أنني كنت أحضر مباراة في كرة القدم بين الجزائر وفرنسا في باريس، قبل سنوات ولأول مرة في أرض فرنسية يجري عزف وأداء النشيد الوطني الجزائري، وكنت أردد كلمات منه، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر، كلما أحفظها من طفولتي يعز عليّ أن أر الجزائر هذا البلد العظيم والثري، تتوزع الفوضى في بعض شوارعه وما زالت آثار الزلزال تشوه العاصمة البيضاء، فلكم أتمنى للجزائر أن تكون جميلة كما أتمنى للعراق وأن تكون قوية ومنصورة. -- ادعاءات كاذبة... الدعاية فن كاذب يستعمله السياسيون والمثقفون وحتى التجار والسماسرة وكثيرا ما كانت الدعاية وراء تحقيق أهداف كبيرة، في السياسة والحروب والثقافة، واليهود من أبرع الناس في استخدام فن الدعاية وقد حققوا به معجزات كبيرة، وحتى بعض الكتاب والمبدعين والمثقفين العرب أصبحوا يقلدون فن الإدعاء والدعاية اليهودية، فيروجون الأكاذيب والإدعاءات، وإلا فكيف يمكن أن نفسر ادعاء بعض الكاتبات أن المرأة العربية مقموعة ثقافية والمجتمع العربي منذ تاريخه القديم حافل بحضور المرأة القوي في جميع مجالات الحياة، ففي الدين الإسلامي مثلا نقرأ حضور سيدتنا وأمنا خديجة وكذلك سيدتنا وأمنا عائشة رضي الله عنه، وفي الأدب سجلت الخنساء، ومي زيادة وفدوى طوقان وغيرهن كثيرات بحضورهن القوي حياتنا الثقافية والإبداع، بل أن سيدات عربيات وأمازيغيات كنا على رأس القيادات الحربية وحققن أمجادا تاريخية عظيمة سواء في ذلك ذات النطاقيين أو ميسون والكاهنة وفاطمة نسومر، فمن أين تأتي هؤلاء الكاتبات بالدعايات الكاذبة على الثقافة العربية والتاريخ العربي إلا أنه تجب الإشارة إلا أن كثيرا منهن يردن أن يصبحن رجالا لأنهن لا يثقن بأنوثتهن من أمثال اللاتي عرفن ثقافة ''الطابو'' والتحرش بالرجال.