قضيت جزءا كبيرا من نهار أمس في البحث والتنقيب في كتب عدة، ومنها كتب التراث مثل ''الحيوان'' للجاحظ عن تاريخ وحياة الكلاب في الثقافات الأجنبية وفي ثقافتنا العربية الإسلامية وما لفت انتباهي كتاب صادر باللغة الفرنسية عن سلالات الكلاب في العالم ومنذ فجر التاريخ بحيث ارتبطت عدة سلالات من الكلاب ببلدان وشعوب شتى، من التبت إلى إنجلترا إلى فرنسا إلى اسكتلندا إلى الصين إلى اليابان إلى إسرائيل· والمحير في هذا الكتاب أني لم أعثر على الكلاب في البلاد العربية أو بالفعل شعرت بنوع من التذمر والسخط، وقلت يا إلهي، حتى الكلاب يريد الغربيون حرماننا منها؟! ورحت أتذكر ما كتبه أبو العتاهية وابن قتيبة وكذلك طبعا الجاحظ عن سلالات الكلاب وطبائعها وأشكالها وطرائقها في الحياة·· الموضوع سيطر على عقلي، لأنني أعمل الآن على تحضير عمل مسرحي وقد تطول قليلا مدة تحضيره يتمحور حول علاقة صحفي في فترة الانهيار والاغتيالات والفجائع التي عرفتها الجزائر في العشرية الحمراء مع كلب بعد أن اغتال المتطرفون المسلحون خطيبته في حاجز مزيف، ومن يومها يغرق الصحفي في حالة من الخوف والحزن القاتل والوحدة، ويلجأ إلى ذاكرته ولحظاته الحميمة مع خطيبته القتيلة ليحكيها إلى الكلب الذي أصبح يعيش معه لحظات محنته··· ثم يتحول الكلب إلى جزء من الصحفي، من حياته، من ذاكرته، من لحظاته المليئة بالرعب والقلق·· يتحول الكلب إلى هاجس، إلى أذن صاغية، إلى ذاكرة تتحرك، تتكلم، وتشهد··· يبحث الصحفي في نفسه من خلال بحث في حياة كلبه راسبينو، فلقد شهد ولادته ذات صباح في منزلهم، ثم تموت والدة الكلب، وتتركه وحيدا، بعد أن مات باقي إخوته الذين لم يكتب لهم العيش·· وراح الكلب يكبر مع المأساة الجزائرية، وشاهد عليها، على القتل، على الاغتيالات وعلى كل الحماقات والبذاءات·· يروي الصحفي إلى صديقه الكلب عن ذكرياته وهو صغير مع الكلاب الضالة، والكلاب المتابعة من طرف الفرق الحكومية التي تريد تطهير المدينة منها·· ليتم قتلها وتحويلها إلى لانفري يلقى في التربة لتصبح خصبة ويروي أيضا حكاياته عن كلب مسؤول كبير كيف فر ذات يوم من فيلة صاحبه، ليختار التيه والجوع والحرية بدل البقاء في منزل مسؤول فاسد·· ثم يتساءل الصحفي عن هذا الوجه المتعدد للكلب، فهو تارة ذلك الوفي الذي لا يترك صاحبه، وهو تارة رمز المسؤولين الفاسدين والطغاة، المكروهين من شعوبهم، وهو تارة ذلك الحيوان الشرير والمخيف، وهو تارة ذلك الحيوان الموظف من طرف رجال الأمن لملاحقة الأشرار والمتمردين في نفس الوقت·· ثم ما الفرق بين الكلب والإنسان في حياة يحكمها السوء والشر من جهة، والصراع من أجل انتزاع وتوليد الخير من جهة أخرى··· من الذي سبق وكان له كل هذا المعنى في هذا الوجود الإنسان أم الكلب؟! ثم ماذا لو تحققت حياة كلبية، وعالم كلبي تحاكمنا فيه الكلاب بدل من البشر الذين لم يجلبوا إلى هذا العالم سوى الضغائن والنزاعات والحروب والمظالم؟! في البدء، كان الإنسان أم كان الكلب؟! من الذي يدل على الآخر، ومن يكون قادرا على استبدال الآخر، الإنسان أم الكلب··؟! إنها خواطر وتأملات، والمجال مفتوح للقراء للمساهمة معي في التفكير في الكلب بوجه عام والكلاب مهما كان نوعها وشكلها بشكل خاص··