سعت و لا تزال الأحزاب الجزائرية إلى إنشاء تكتلات أو منظمات لهيكلة فئات من المجتمع على غرار الشباب وجعلها موالية لنهجها السياسي والإيديولوجي· وبغض النظر عن الأهداف والخلفيات المتوخاة من وراء مغازلة الشباب والطلبة على وجه الخصوص، إلا أن الأمر يطرح إشكالية امتداد الأحزاب الجزائرية وتغلغلها بين شرائح المجتمع بشكل يدفع إلى الاعتقاد أن تهافت التنظيمات السياسية على استمالة أذهان وسواعد شابة، أن الشيخوخة تضرب بأطنابها في معظم الكيانات السياسية الوطنية، ما يبرر السعي إلى ضخ دم جديد في عروق أحزاب شاخ خطابها مثلما شاخت قياداتها··· إن عودة الحديث عن الشباب وضرورة إقناعه بانخراط في الحياة السياسية كفاعل وليس كوسيلة أو أداة للوصول إلى المقاعد ظل إلى وقت طويل موضوع خطاب يصفه البعض بالمزوج·· فمن جهة تتعالى أصوات القادة السياسيين بحتمية الانفتاح نحو شريحة الشباب على اختلاف جنسهم، أعمارهم وانتماءاتهم المجتمعية: طلبة جامعيون، عمال أو بطالون ··· بينما يلاحظ من حيث الممارسة الإقصاء الذي يكاد يكون تلقائيا من تقليد هذه الفئة الغالبة في المجتمع مراكز اتخاذ القرار·· وقد شهد العامان الماضيان إفصاح العديد من الأحزاب نيتها في هيكلة فئة الشباب ضمن كيانات موالية لها أو تحت مظلتها الحزبية· وكانت حركة مجتمع السلم المبادرة في الميدان عندما أعلنت شهر جويلية الماضي عن إنشاء تنظيم ''شباب مجتمع السلم'' أو ما يسمى ''شمس'' رغبة منها في منح فضاء حزبي لشريحة الشباب للتعبير عن انشغالاتها في إطار منظم ·· وهذا حسب ما يشير إليه الخطاب الرسمي الحمساوي·· من جهته، لم يتأخر حزب العمال الذي تتزعمه لويزة حنون في الإعلان عن ميلاد تنظيم مماثل لاستقطاب الشباب أسمته ''المنظمة الاشتراكية للشباب'' ''و من منظور اشتراكي كما هو متعارف عليه أن الإيديولوجية الاشتراكية كانت عبر التاريخ السباقة إلى هيكلة فئات المجتمع ضمن ما يعرف بالمنظمات الجماهيرية وهذا لتوفير أدوات تعبئة ملائمة·· ولعل ''المنظمة الاشتراكية للشباب'' تستجيب إلى هذا المسعى من حيث كونها أداة بيد حزب العمال لترسيخ مبادئ الحزب لدى فئة الشباب· في ظل هذا التهافت على مغازلة الشباب، راح حزب التجمع الوطني الديمقراطي يحذو حذو نظرائه في الساحة السياسية، وأعدّت قيادته السياسية تعليمات لتشكيل نواة شبابية تتولى تأطير الشباب ودفعهم للانخراط في النهج السياسي للحزب· وحتى وإن لم يعلم لحد الساعة عن تسمية محددة للتنظيم ''الأرندوي'' المقبل، إلا أنه يذكر أنه لحزب أويحيى تنظيم طلابي ينشط تحت لوائه وهو ''التجديد الطلابي''··· هذا التسابق في استمالة فئة الشباب ربما قد يكون له موروث وتقاليد تكون الأحزاب قد تخلت عنها، ولها في الحزب العتيد أسوة في قدرته على التجنيد والهيكلة، وإن أصيبت هذه القدرة بالوهن في السنوات الأخيرة لعدة اعتبارات، لعل من أهمها الصراعات واللهث وراء المناصب، إذ يذكر العامة تنظيمات مثل الاتحاد العام للشبيبة الجزائرية واتحاد الطلبة الجزائريين كتنظيمين بارزين ضمن أخرى لتأطير المجتمع وفئاته المختلفة· يحدث هذا رغم أن قانون الجمعيات يمنع في مادته 11 الارتباط العضوي والتنظيمي والمالي بين الأحزاب والتنظيمات، ما يطرح أكثر من تساؤل حول قانونية هذه الخطوات أم أن القانون في حد ذاته بحاجة إلى مراجعة!