السينما القوية تستوحي تفاصيلها من قصص البسطاء، وبالتالي تستطيع أن تفرض وجودها في مختلف المهرجانات الدولية، لأن العالم ورغم انفتاحه الكبير وتوسيع حدوده، إلا أنه لا يزال يحتاج إلى تلك الخصوصية التي تميز الشعوب عن بعضها البعض، وهذا ما طرحه المخرج الجزائري عبد الكريم بهلول في فيلمه ''سفر إلى الجزائر'' ، سفر عبد الكريم بهلول إلى الجزائر لم يكن سفرا سياحيا، بل كان رحلة إنسانية استلهمها المخرج من طفولته وحياته مع والدته في مدينة ''سعيدة''· إنها قصة زوجة شهيد وأولادها الستة الذين كانوا ضحايا طمع أحد المسؤولين الانتهازيين في المدينة، الذي حاول أن يستولي على منزل زوجة الشهيد الذي تركه لها فرنسي قبل مغادرته الجزائر غداة الاستقلال، ولأن نضال هذه المرأة لم ينتهِ بعد، تقرر أن تسافر إلى العاصمة رفقة ابنها الصغير، - هذا الابن لم يكن سوى عبد الكريم بهلول في صباه- للقاء رئيس الجمهورية وبالفعل في قصر الشعب ستلتقي رجلا ثوريا سيغير مسار الجزائريين· عند لقائها بهذا الرجل لم تكن تعلم بأن هذا الثوري الذي سيصبح خلال ساعات رئيسا للجمهورية الجزائرية سينصفها بوضع حد للممارسات التعسفية لهذا المسؤول الذي أراد اغتيال حلم أبناء الشهيد وزوجته، الرجل لم يكن سوى الرئيس الراحل هواري بومدين· هذا الطرح في الفيلم يعتبر امتدادا للطرح الذي كان سائدا في السبعينيات والذي اهتم كثيرا بالواقع الاجتماعي، لكن بهلول الذي ينتمي إلى المخرجين المقيمين في فرنسا له تصور آخر أكثر تطورا، حيث يعرض سينما جديدة ظاهرها اجتماعي وباطنها سياسي لأن مأساة هذه المرأة لم تكن سوى زاوية أراد بهلول أن يسلط الضوء عليها للحديث عن الممارسات الشنيعة التي قام بها البعض غداة الاستقلال لاغتيال أبسط حلم يصبو إليه الجزائريون· من الناحية السينمائية لا يمكن أن نصنف فيلم بهلول في مصاف الأفلام القوية سينمائيا، بمعنى الإيقاع في الرواية يفتقد إلى بناء تركيبة معقدة تتوازى مع قوة القصة لتكون ما يسمى بالوحدة العضوية السينمائية التي تروي المأساة الإنسانية باستعمال أداوت سينمائية يفتقد إليها فيلم بهلول، مثلا المشهد الأكثر قوة في الفيلم ''لقاء الرئيس الراحل بهذه المرأة يعتبر المدخل الرئيسي لفيلم بهلول''، لكنه بدا ضعيفا وإرادة الممثلين لم تكن قوية وحتى الذي أدى دور الرئيس أراد أن يبرز جانبا قويا في شخصية الرئيس، ورغم ذلك نجح بهلول في توظيف الموسيقى، حيث كانت عنصرا مهما وفاعلا أعطت بعدا لهذا السفر الذي لم يكن عاديا بل سفرا من أجل البقاء· لكن على كل الأحوال لا يمكن أن نغتال فرحة بهلول واحتفائنا به، لأن الجوائز التي نالها كانت تقديرا لتلك القصة الإنسانية، ومع ذلك نعلم جيدا بأن السينما القوية هي التي تتحدث عن الإنسان، ولأننا نحلم بأن تتطور سينمانا أكثر لا برواية قصة فقط، لكن نود أن نسافر بخيالنا بعيدا مهما كانت المأساة مؤثرة لأنها هي التي تصنع اللحظة القوية في السينما·