الموقف الأمريكي من الأحداث في ليبيا يتطور بسرعة، لا يقاس إليها تطور المواقف الأوروبية· الموقف الأوروبي انتقل من السكوت على مجازر القذافي إلى دعوته إلى ضبط النفس، فالتهديد بالعقوبات الاقتصادية وإحالة ملف العقيد وأعوانه على محكمة الجنايات الدولية، ثم أخيرا إلى ضرورة رحيله فورا· أما الموقف الأمريكي فانتقل مباشرة من السكوت إلى استعداد الولاياتالمتحدة إلى مساعدة السلطة الانتقالية· والمريب في طريقة تعامل الأمريكيين أنها تنسجم مع تطورات الأوضاع في الداخل الليبي نفسه كما تنقله لنا بعض وسائل الإعلام، مع إغفالنا إغفالا تاما لما يقوله القذافي وسيف الإسلام، وما يصر على تصديره التلفزيون الرسمي الليبي· فبعد أن كانت القنوات الإخبارية منشغلة مائة في المائة بحجم المجازر التي ترتكبها كتائب العقيد، تبدّل الأسلوب فجأة إلى حصر الحديث، بنسبة كبيرة، في انتقال السلطة إلى هيئة مؤقتة تسمي نفسها ''المجلس الوطني الانتقالي''· تكون أولى مهماته تحرير العاصمة طرابلس· بعد أن كان الحديث يدور حول حكومة مؤقتة ببنغازي المحررة يرأسها وزير العدل المنشق، مصطفى عبد الجليل· وأمام ما تبثه القنوات يجد المراقب نفسه أمام مجموعة من الأخبار المتضاربة عن الواقع على الأرض: مدن تحرر الآن، وقد كانت قبل دقيقة واحدة تحت سيطرة قوات العقيد، في اللحظة التالية تنقسم بالتساوي بين الفريقين المتنازعين·· وهكذا· وبسرعة كبيرة أعطيت لهذا المجلس شرعية قيادة الحركة المناهضة للقذافي· وبالسرعة نفسها صرحت كاتبة الدولة الأمريكية، هيلاري كلينتون، أن بلادها مستعدة لتقديم الدعم اللازم· وقبل ذلك تلقفت الولاياتالمتحدة مشروع القرار الأممي الذي كان في الأصل اقتراحا فرنسيا بريطانيا، وأرادت أن تعطيه من الصلاحيات ما يسمح بإنهاء سلطة القذافي بالقوة· وعلى الرغم من أن مكانة هذا المجلس، داخل خارطة المعارضة الليبية، غير واضحة: فمن الصعب الجزم بأن هذا المجلس يسيطر على كافة المناطق التي يقال إنها محررة، ومن الصعب أكثر الجزم بأنه يؤطر كل الفارين من الحكومة والجيش ومن الصعب أكثر فأكثر تصور سيطرته على الكم الهائل من السلاح الذي خسرته قوات القذافي· وباختصار من الصعب تصور توصل هذا المجلس في أيام قليلة إلى إبعاد شبح تقسيم ليبيا والحيلولة دون تدخل عسكري أجنبي يفرض على ليبيا أجندة خاصة، ثم أخيرا إبعاد شبح الحرب الأهلية·· على الرغم من ذلك يبدو أن القوى الكبرى، قد قررت التعامل معه على أنه يمثل بداية الطريق إلى السلطة البديلة· وتشير مختلف المصادر إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، مثلها مثل دول الإتحاد الأوروبي، قد بدأت بالفعل إجراء محادثات مع أعضاء من هذا الاتحاد· هذا ويؤدي بنا الربط بين مجموعة من الأخبار إلى نتيجة مستحيل تصديقها· مجلس وطني انتقالي يتحكم في ثلاثة أرباع البلاد· استئناف صادرات ليبيا المحررة من البترول، والاستعداد لزحف منظم على طرابلس في آخر معركة مع جماهيرية القذافي· من الصعب تصور هذه النتيجة إلا في حالة واحدة، وهي أن الولاياتالمتحدة تكون قد عملت منذ مدة طويلة على تحضير هذا المجلس، وتحديد ميقات الإعلان عنه، والتنسيق بينه وبين المعارضين الليبيين في الخارج، وكذا تنسيق العمل مع مختلف رؤساء العشائر· وهذا ممكن جدا بالقياس إلى سرعة الاعتراف به أو على الأقل السكوت عن الطعن فيه· ولعل هذا ما يفسر خروج بعض الشخصيات المفتاحية في النظام على سلطة القذافي في وقت مبكر جدا، ومنهم وزيرا العدل والداخلية وعدد لا بأس به من السفراء بالخصوص· وإذا تحققت هذه النتيجة بالفعل فسنكون ملزمين على الاعتراف بأن الثورة الليبية قد حققت أهدافها قبل الثورة التونسية والمصرية، مع الفرق الكبير في عدد الشهداء بطبيعة الحال·