جريمة العار لا تسقط بالتقادم..    وفد عماني في زيارة إلى مجمع "لابال" لبحث فرص الشراكة    التحديات الأمنية تقتضي تعزيز التعاون    ربيقة يستقبل وفداً برلمانياً    مشروع عملاق.. لمستقبل مزدهر    هذه توجيهات سعيود بميناء الجزائر..    علاقة تاريخية بين سوناطراك ومجمع إيطالي    المخزن يتمادى في التطبيع العسكري مع الصهاينة    ياسين حمزة يواصل التألق    كرة القدم (الجمعية الانتخابية للاتحادية الجزائرية): وليد صادي المرشح الوحيد لخلافة نفسه    بوغالي يشيد بالدور الرّيادي للدولة    جريمة عنصرية ضد أستاذ جزائري بفرنسا    الاحتلال الصهيوني يمارس سياسة الإرهاب بحق المحررين وعائلاتهم ضمن صفقات التبادل    صحفي اسباني : المغرب لا يريد شهودا على ما يقترفه في الصحراء الغربية المحتلة    هيئة فلسطينية: الكيان الصهيوني يشرع في بناء مستوطنة جديدة في بيت لحم    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    مرسوم رئاسي يخص التأهيل الطبي للخدمة في الجيش    81 دراجا عند خط انطلاق المرحلة الثالثة من سطيف    للشباب وللتكوين النوعي دور فعال في البناء المؤسساتي للدولة    ؟!.. فرنسا لم تخرج طواعية    وزارة الفلاحة تطرح أسعار الخضر والفواكه واللحوم    الجامعة ساهمت في دعم انخراط المتخرجين في الحياة المهنية    الجزائر ترفض المشاريع الوهمية للعبث بمصير الفلسطينيين    ضمان وفرة السلع بأسعار معقولة خدمة للموطن    الجزائر متمسّكة بانتزاع تمثيل عادل بمجلس الأمن    وزير الداخلية يشارك في منتدى إقليمي عربي للحدّ من مخاطر الكوارث    وزير الثقافة يشرف على ورشة عمل اللجنة العلمية المكلفة بتحيين القائمة الإرشادية للتراث العالمي بالجزائر    9آلاف صحفي عبر العالم يشوّهون صورة الجزائر    أشغال عمومية: السيد رخروخ يستقبل نائبا من المجلس الشعبي الوطني عن ولاية تقرت    وزير البترول النيجيري: ملتزمون بتنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء بشكل سريع    الجزائر تتمسك بمطلب التمثيل العادل لافريقيا داخل مجلس الأمن    الرابطة الثانية هواة (الجولة 18): مستقبل الرويسات يعمق الفارق في الصدارة ورائد القبة يضيع فرصة "ذهبية"    لن أعمل مع رونالدو ورحيل نيمار يزعجني    الدفاع هاجس بيتكوفيتش والهجوم سلاح "الخضر"    مكتتبو "الترقوي" بغليزان يطالبون بسكناتهم    "الباهية" تواصل إزالة التوسعات العشوائية    معلول يودع اتحاد الجزائر بتأهل صعب أمام مقرة    دعوة لتأسيس نقابة حقيقية وجادة    طواف الجزائر 2025 (المرحلة 3): الجزائري ياسين حمزة يحقق الفوز الثالث تواليا ويحتفظ بالقميص الأصفر لرائد الترتيب العام    ميناء الجزائر: السيد سعيود يأمر بالحرص على العمل بنظام 24/24 ساعة    إيليزي: أكثر من 20 مشاركا في تظاهرة الفن التشكيلي "آزجر"    حقوقيون وفاعلون يثمّنون قرارات رئيس الجمهورية    ديوان الحج يُحذّر    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية الجزائرية للنفسانيين    الجزائر تؤكد وقوفها الثابت إلى جانب المملكة العربية السعودية    وهران: صالح بلعيد يبرز أعمال المجلس الأعلى للغة العربية في مجال الذكاء الاصطناعي    رقمنة الأملاك الوقفية واسترجاع 6 مقابر مسيحية    حج 2025: اجتماع تنسيقي لمتابعة ترتيبات برنامج الرحلات الجوية    كتاب جديد عن جرائم فرنسا في الجزائر    الإعلان عن ترتيبات موسم الحج حصريا عبر المصادر الرسمية الموثوقة للديوان الوطني للحج والعمرة    نسخة مترجمة لكتاب الحكومة المؤقتة    فرسٌ تَعثّر فنهض    البروفيسور بلعقروز ينتزع جائزة الدولة للكتاب العربي 2025    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والهروب المريع
نشر في الجزائر نيوز يوم 02 - 10 - 2011

رؤوس الأموال هربت في الفترة الأخيرة من اليمن، مال ذهب إلى دبي، وآخر إلى القاهرة، وأموال إلى الشرق والغرب يعلم الله حجمها· التجار أنفسهم يهربون، ذهبوا إلى ماليزيا ومصر ودبي، ولندن· السياسيون من السلطة والمعارضة موجودون في الرياض وبيروت والقاهرة ولندن كذلك· شيوخ القبائل يخرجون ويتفيأون الظلال هنا وهناك، شيوخ القبائل يذهبون ويتركون عبسا وذبيان يقتتلون على حصانين، وقد تفانى القوم ودقوا بينهم ''عطر منشم''، على قول النابغة الذبياني· العقول هجرت اليمن من زمان وحلت حيث تجد من يقدر إمكاناتها ويهيئ لها ميادين البحوث في الشرق والغرب والخليج·
ما الذي يبقى في اليمن إذا غادره التاجر والسياسي والحكيم والمثقف وخرجت منه الأموال؟ العساكر لا يخرجون، وهذه هي المشكلة، السلاح لا يهرب من اليمن، ولو هرب منه لحلت المعضلة، المجانين والمتهورون للأسف يعشقون المكوث في صنعاء ولا يطيقون لها فراقا، وهذه مأساة، فرسان بكر وتغلب يستعرضون صباح مساء أسلحتهم في صنعاء وتعز وغيرهما من المدن والقرى أمام الكاميرات، ويشعرون بالفخر لظهور صورهم على شاشات التلفزيون والصفحات الأولى في الجرائد وهم متشحون بالسلاح، فرسان بكر وتغلب لا يدركون أن الكاميرات تتسابق على تصويرهم لتنقل من خلالهم صورة اليمن ''السعيد جدا'' بهم وبغيرهم من المحاربين، يحاول الفرسان الظهور بأقصى ما يمكن حمله من سلاح يشير بالنسبة لهم إلى القوة، ويرمز للعالم الخارجي إلى نوع من البدائية المتخلفة، يفرح الفرسان بالظهور أمام الكاميرات وهم يمضغون عشبتهم الخضراء المقدسة التي جعلت العالم ينظر إلى اليمن من خلال صورة المقاتل القبلي الذي يتمنطق بالسلاح ويمضغ القات·
هؤلاء مسؤولون عن الصورة النمطية لليمني في ذهن الكثيرين خارج اليمن، هم المسؤولون وليست عدسات الكاميرات التي تتنافس على تصويرهم بخبث كبير حال تسابقهم عليها بسذاجة بالغة· لماذا إذن لا يهرب هؤلاء المقاتلون الجوالون الذين يتمشى الموت بين أصابعهم من اليمن؟ لماذا لا يهرب العسكر والسلاح وتجار الحروب؟ لماذا لا يذهب تجار الحروب إلى برلين مثلا ليصيبوا السيدة ميركل بالصداع؟ لماذا لا يطلب العساكر حق اللجوء إلى بريطانيا لينعموا بحماية جلالة الملكة دام ''ظلها الشريف''، الملكة التي ''لا يظلم عندها أحد أبدا''؟ ولماذا لا يأتي مجانين اليمن إلى الهايد بارك ليتعلموا ضربا متحضرا من الجنون، ويكتفوا بممارسة جنونهم بالمناظرات الخطابية مع ''مجانين الإنجليز'' بدلا من ممارسة ''جنونهم البدائي'' على السكان في أحياء الحصبة وصوفان وأرحب والمسبح وزنجبار؟
لماذا يخرج من اليمن العلماء والمفكرون وتأتي إليه ''القاعدة''؟ لماذا خرج منه الإمام مالك بن أنس الأصبحي وجاء إليه عساكر الفرس والأحباش؟ للأسف، العساكر لا يهربون، وحدهم التجار جبناء، يخافون الحروب ويتركون البلاد، وحدها الأموال سهلة الانسياب عبر القنوات إلى الخارج، السلاح لا يخرج لأن مهمته أن يهدم المعابد على رؤوس المصلين للأسف الشديد· كم هو تعيس هذا ''اليمن السعيد''، يخيل إلي أن هذه التسمية هي من قبيل تسمية الأضداد حين كانت العرب تسمي الأشياء بأضدادها، كأن تسمي الأعمى بصيرا والصحراء مفازة واللديغ سليما·
ألم يلدغ اليمن من كل الأفاعي والثعابين التي تحدث الرئيس عن خطورة الرقص على رؤوسها حتى كمن له أحدها مؤخرا في قصره وأصابه بلدغة خطيرة· كم هو تعيس هذا ''اليمن السعيد''، تعيس ببقاء سلاحه وعساكره، وهروب تجاره وحكمائه، تعيس بخروج مالك بن أنس ودخول مقاتلي ''القاعدة''، تعيس بهجرة ابن الوزير وتشرده وبقاء ابن حمزة وعنصريته، تعيس بسلطته ومعارضته، تعيس بدولته وقبيلته وشيوخه والشباب· سامح الله الإغريق، جعلوا اليمن يعيش في وهم خدعتهم آلاف السنين عندما أطلقوا عليه ''بلاد العرب السعيدة''، يموت جوعا وظمأ وحروبا وثأرا، ويشبع سعادة من سراب·
وسامح الله العرب، قالوا إن أصلهم من اليمن ومع ذلك تركوه يموت ظمأ وذهبوا يبحثون عن الماء على ضفاف أنهار العراق والشام، هذه بلاد تطرد أبناءها فيما يبدو، تطردهم مرة بسيل جرف مزارعهم ودورهم، ومرة بالحرب، وثالثة لأنهم لا يطيقون به بقاء، حتى ملكته بلقيس قيل إنها تركت مملكتها وذهبت مع سليمان بن داود ذات يوم إلى فلسطين· هذه البلاد يهرب منها أهلها، غادرها الغساسنة إلى الشام، وغادرها المناذرة إلى العراق، وغادرها الأزد إلى الحجاز وعمان، وغادرها أبناء يافع والضالع وإب وتعز وحضرموت إلى المنافي البعيدة، مفضلين برد المنافي الشمالية وحر البحار الجنوبية على العيش في سفوح جبالها وبطون أوديتها·
واليوم، ومع عملية الهروب الكبيرة التي تتم بعيدا عن وسائل الإعلام لليمنيين الهاربين من الجوع والظمأ وصليل السيوف، والسطو والقنص، يقف المرء متسائلا عما يمكن أن تفعله البلاد التي لا يبقى بها إلا العسكري والسلاح· ماذا نتصور أن يفعل العسكري إذا ترك منفردا وسلاحه؟ هل سيكون أول ما يفكر فيه العسكري إذا خلا بسلاحه أن يعيد بناء ''شارع هايل'' الذي دمر قبل أيام أثناء ''غزوتي الزبيري وكنتاكي''؟ بالطبع لا، أول ما يفكر فيه العسكري هو أن يمارس عمله في تشغيل السلاح، ولنا أن نتصور ما يزيد على ستين مليون قطعة سلاح تنساب ''لعلعاتها'' من تحت الأنامل الموسيقية للعساكر ورجال القبائل والقناصة و''أنصار الله'' الحوثيين وأنصار الشريعة ''القاعديين''، وغيرهم من الكائنات التي تجيد العزف على الجراح والأوجاع والسلاح·
يقول النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم ''الإيمان يمان والحكمة يمانية''، يبدو أن الحديث يخص الأشعريين دون سواهم، ويبدو أنه يخص زمنا بعينه، إلا إذا اعتبرت أفعال اليمنيين اليوم ضربا من ضروب حكمة لقمان، وحاشاه أن يفعل ما يفعلون·
الزبيري شاعر اليمن وثائرها قال يوما:
والعسكري بليد للأذى فطن
كأن إبليس للطغيان رباه
لماذا لا يهرب العساكر من اليمن مع الهاربين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.