هل ستعود الحياة من جديد إلى الاتحاد المغاربي الذي بقي في حالة غيبوبة منذ سنة 1994؟ يعود السؤال يكرر نفسه لكن وفق معطيات جديدة فرضتها تصريحات وزيري خارجية الجزائر والمغرب بالحديث عن ''تطبيع شامل للعلاقات بين البلدين''· أثبتت الأحداث أن بناء اتحاد مغاربي لا بد أن يمر بعلاقات ''طبيعية'' بين أكبر بلدين مغاربيين والاتحاد نفسه عرف ازدهارا عندما تحسنت العلاقات بين الجزائر والمغرب بداية من سنة 1988 ليصاب بحالة موت إكلينيكي عندما تدهور الوضع بينهما في صيف 1994 إثر فرض الملك السابق للمغرب الحسن الثاني التأشيرة على الجزائريين الراغبين في زيارة بلده إثر اتهام ''إرهابيين جزائريين متسللين'' بتفجيرات داخل المملكة المغربية، لترد عليه الجزائر فرض الفيزا وغلق الحدود، وهو الغلق الذي أصاب الاقتصاد المغربي بالشلل عند مناطقه الشرقية المتاخمة للحدود الغربية للجزائر، وظل أكبر المسؤولين المغاربة يلحون على فتح الحدود إلى درجة إعلان المملكة من طرف واحد إسقاط الفيزا عن الجزائريين، لكن الجزائر بقيت متمسكة بالقول إن أمر فتح الحدود يتطلب حلا لكل القضايا العالقة حتى لا تعود المشكلة من جديد في المستقبل القريب· والاتحاد المغاربي الذي بقي في حالة غيبوبة، لم يصدر عنه -بطبيعة الحال- أي موقف مع التطور الذي حدث في بلديه الشرقيين، حيث اضطر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للهرب إثر ثورة شعبية عارمة كانت مقدمة ل ''ربيع عربي'' انتهى معه العقيد القذافي بجماهيرته السابقة نهاية مأساوية، واضطرت من خلاله الجزائر والمغرب إلى الحديث عن إصلاحات جوهرية في مؤسساتها من أجل تجنب رياح الثورات الشعبية والدخول في منطقة تحول سلمي في أساليب الحكم في وقت استقبلت فيه المملكة المغربية عرضا وصف بالغريب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي الذي وصفه بعض الزملاء ب ''مجلس الممالك المذعورة''، الدعوة التي لقيت ترحيبا مغربيا واستياء جزائريا، حيث وصفت في حالة الاستجابة لها بالإعلان الرسمي عن موت الاتحاد المغاربي· والآن وبعد التغيير الذي حدث في ليبيا وتونس وترقب الإعلان عن حكومة جديدة في كل بلد منهما في ظل عهد جديد بالفعل في كل بلد، يعود الحديث من جديد عن إعادة تفعيل فكرة الاتحاد المغاربي لكن هذه المرة وفق معطيات جديدة بالفعل· والاتحاد الذي ''تغاضى'' أعضاؤه عند تأسيسه نهاية ثمانينيات القرن الماضي عن مشكلة الصحراء الغربية، أفسدته السياسة مع قرار الحسن الثاني بفرض الفيزا على الجزائريين في وقت كانت الجزائر تعاني داخليا مع الأزمة الدموية التي جاءت في أعقاب إلغاء المسار الانتخابي سنة 1992 ووصف سلوك الملك بمثابة طعنة في الظهر في ظرف استثنائي وهو المشكل الذي بقي قائما مدة طويلة وأحيا مواجع قديمة بدأت مع ''حرب الرمال'' التي أعلنها الملك نفسه والجزائر خارجة للتو من معركة التحرير الطويلة والمنهكة· ولأن المشاكل السياسية متراكمة بل وشبه متجذرة، فإن التقارب الجديد بين الجزائر والمغرب اختير له أن يكون من باب الاقتصاد، وفي هذا الصدد تؤكد مصادر إعلامية أن وفدا مغربيا رفيع المستوى سيقوده وزير الفلاحة عزيز خنوش سيزور الجزائر منتصف هذا الأسبوع برفقة 150 مستثمر ورجل أعمال· وبدا من كلام وزيري خارجية البلدين أن المشاكل السياسية العالقة وأهمها الحدود ستكفل تطور العلاقات الاقتصادية· والعلاقات الجزائرية مع العهد الجديد في ليبيا التي عادت من بوابة قمة الغاز الاقتصادية في الدوحة، يمكن أن تؤدي بالعلاقات الجزائرية المغربية إلى عهد جديد بالفعل، ومن ثمة إعادة الحياة إلى الاتحاد المغاربي، فهل سيصلح الاقتصاد ما أفسدته السياسة؟