لم يخف محمد غفير، مجاهد وعضو فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني، سعادته باعتراف الرئيس الفرنسي بالقمع الممارس على الجزائريين العزل في 17 أكتوبر 61: “أنا سعيد بهذا الاعتراف، بعد سنوات من العمل سعينا إلى الحديث عن هذه الفترة بالشهادات والصور والروايات، حتى نسجلها في الذاكرة الجماعية للجزائريين.. لهذا استقبلت بارتياح شديد البيان المذاع الأربعاء الماضي، واعتبرته التفاتة تشعر الذين سقطوا يومها بالعزة، وتحسس ذويهم أن تضحيات الدم والدمع لم تذهب سدى، وأنه مهما طال الزمن سنحقق ما نصبوا إليه أبعد من ذلك". يثير المناضل المعروف ب “موح كليشي" في معرض حديثه مع “الجزائر نيوز" إشكالية استمرار “حصاد الاعتراف" وهل سيستمر الموسم إلى فصول أخرى، أم أنه سيفنى سريعا، محدثنا تساءل قائلا: “هل سيأخذ هذا الاعتراف بعين الاعتبار مجازر الثامن ماي 45، ويقر بأنها كانت جريمة إنسانية كبرى في حق المدنيين آنذاك؟ هل سينظر هولاند وحكومته إلى التاريخ الاستعماري الفرنسي بعين ناقدة منذ 1830 وصولا إلى 1962، أم سيغض البصر على حقب قد تخجل فرنسا من ذكرها أو تمارس ضغطا سياسيا وشعبيا عليها؟"، وكإجابات على هذه الاستفهامات يصرح المجاهد: “خطوات شبيهة باعتراف اليوم ممكنة جدا غدا، إذا أراد هولاند أن يسعى في طريق الذاكرة التاريخية.. ونحن نعلم أن خرجته لا تخلو من اعتبارات سياسية أيضا". ويشير غفير في هذا الباب إلى أن هولاند كسّر تقليد اليسار، وفعل ما لم يفعله ميتران الذي بقي في الحكم 14 عاما دون أن يعترف بجرم واحد من جرائم فرنسا الاستعمارية في حق الجزائر: “لهذا أشكر هولاند بصدق لأنه تحلى ليس بالشجاعة وإنما بالالتزام والواجب تجاه شعبه وتجاه اليمين واليسار معا، وهو يعلم أن حصاد النقد والمعارضة سيكون كبيرا"، ومعقبا: “الاشتراكيون أعلنوا الحرب وأن ميتران كان وزيرا للعدل والداخلية ولم يكن ليفعل شيئا، وهو الذي أمضى قرار إعدام زبانة، لهذا فقرار هولاند نقلة نوعية في مواقف الاشتراكيين عموما". عندما وضع هولاند باقة الورد في جسر كليشي، كان محمد غفير حاضرا، وسمع وعد المترشح للإليزيه يومها، تماما كما كان حاضرا في مظاهرات 61، وعاش المأساة رفقة العائلات الجزائرية التي خرجت بنسائها وأطفالها تطالب بحقها المشروع. إلا أن جزائر الاستقلال لم تكن منصفة حيال هذا التاريخ، الذي ظل منسيا وغير معترف به، وهو ما يؤكد محدثنا “موح كليشي" في حديثه قائلا: “لا يجب أن ننسى أن الجزائر لم تعترف بهذا التاريخ إلا مؤخرا، في 1992 أي كان علينا انتظار عودة محمد بوضياف ليؤسس لليوم الوطني للهجرة ويعيد إلى الواجهة هذه المظاهرات". فالتاريخ بالنسبة للجزائر ما زال يكتب وفق “أمزجة" سياسية بالدرجة الأولى، ومازال لم يكتب كاملا وبالشكل الصحيح - حسب غفير - وعليه من الصعب أن تفكر المؤسسات الجزائرية الرسمية في استغلال بيان هولاند لتطالب بالمزيد من الاعتراف وصولا إلى الاعتذار الذي يردد من مناسبة إلى أخرى، دون فعالية أو جدية: “يجب أن نكون أولا ملتزمين حيال تاريخنا وننقله بصدق إلى الأجيال الصاعدة قبل أن نطالب فرنسا بأي اعتذار أو اعتراف.. فكم من رمز وشهيد مات في سبيل هذا الوطن وبقي مجهولا ومغمورا لسنوات" يردف المصدر ذاته.