يعري عبد الحميد بوداود، رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين، السلطات من حيث أنظمة الأمان والوقاية التي تخضع لها منشآتنا الاقتصادية الحساسة والهياكل القاعدية، ويفضح الحماية المدنية التي لا ترقى - حسبه - إلى مصاف الحماية المدنية بدول أخرى، سواء من حيث إمكانياتها أو من حيث التكوين. سأله: عبد اللطيف بلقايم أصبحت الحوادث والكوارث في المنشآت العمومية سواء بدافع الجريمة أو الإهمال أو العفوية حاضرة بكثرة آخرها حادثة الحريق الذي طال شبكات الهاتف والأنترنت بالبريد المركزي للعاصمة، والسؤال الذي يُطرح في خضم تصاعد الحوادث، هل منشآتنا مؤمّنة هندسيا؟ كل المنشآت الحساسة وغير الحساسة عبر العالم تحتوي على أنظمة حماية ووقاية أمنية من الحوادث والكوارث، وعادة تكون باستعمال تقنيات وتكنولوجية “تعقب الدخان"، وهو نظام يخطر مصالح التدخل فور تحسس هذا النظام لدخان ما ينبعث من مصدر بالمنشأة أو المصنع، ويساعد هذا النظام في تحجيم الخسائر بسرعة التدخل، وهذه التقنيات في الجزائر منعدمة للأسف في منشآتنا. تريد أن تقول منعدمة تماما أو موجودة لكن بشكل محدود؟ نحن مهندسون ومجمع المهندسين يعرف ما يُنشأ في الجزائر. أبراج العاصمة على سبيل المثال بحي الموز بباب الزوار أو أبراج بئر مراد رايس لو تحدث فيهما كارثة لا قدّر الله قد تتضاعف الخسائر بشكل كبير، إذ لا يتجاوز أعلى سلم تكسبه مصالح الحماية المدنية أكثر من 33 مترا، بينما المطلوب سلالم تفوق 60 مترا مع نمط البنايات الجديد. ثم إن الطوافات أو حوامات التدخل السريع ينبغي أن تكون لها قواعد خاصة بها في الولايات في حال الكوارث الطبيعية الكبرى وتنشأ حسب معايير معينة. وبالإضافة إلى ذلك مصالح التدخل لا تقوم بمناورات مكثفة وتمارين بشكل جدي. الحماية المدنية بالجزائر مقارنة بنظيراتها في العالم بدائية من حيث الوسائل المادية والبشرية. فبعد زلزال 2003 أبلغنا السلطات بضرورة تكوين فعلي في هذا المجال من المدارس التربوية إلى مدارس التكوين المتخصصة مرورا بالبلديات ودور التحسيس عن طريقها، لكن لا حياة لمن تنادي. فاليوم مثلا لا تعرف عناصر حمايتنا المدنية كيف تقوم بإخلاء سكان من أبراج سكنية في حال تعرضوا لكوارث أو حاصرتهم النيران لأنهم لم يتدربوا على ذلك ولا يقومون بتمارين تجريبية على ذلك، بينما نحن نقوم بإنجاز عمارات متعددة الطوابق. إذن الأحياء الجديدة التي سبق وأنجزتها حكومات سابقة غير آمنة؟ عين النعجة وضواحيها كانت من أهم الوعاءات العقارية التي تضمنت برامج سكن جديدة بالعاصمة على سبيل المثال ولك أن تطلع بنفسك على أبسط معايير الوقاية والحماية من الكوارث بأنها منعدمة. المقاييس تقول إن مصادر مياه الإطفاء ينبغي أن تكون موجودة كل 25 مترا بين الأحياء وعلى الطرقات، ولكن للأسف هذا غير موجود. لكن إسمح ليس سيدي، أليس هذا هو دور المهندسين الذين يصممون الأحياء ويهندسون المنشآت؟ بهذا السؤال تكون قد دفعتني لكي أكشف أمرا خطيرا، فأصحاب المشاريع من مؤسسات وهيئات عمومية عندما تقدم دفتر الشروط لمكاتب الدراسات يقوم المهندسون بلفت النظر لانعدام أنظمة الوقاية والحماية من الكوارث الطبيعية، إلا أن أصحاب المشاريع يرفضون إدراج هذا النوع من الأنظمة في دفاتر الشروط. وأصر فتلك الدفاتر لا تحتوي على أكثر من صفحتين أو ثلاثة ولا تتضمن أكثر من تفاصيل الغلاف المالي المرصود للمشروع ومدة الإنجاز، ولو تقترح أمرا واحدا زيادة يقولون للشركة المنجزة بأن تتحمل ذلك من جيبها، فتضطر مؤسسات الإنجاز إلى الإنجاز بما ورد في دفتر الشروط. كيف يتم التصريح بإنجاز مليون سكن، بينما لم يتم استشارة البلديات قبل ذلك في إحصاء ما تحتاج من سكنات، هل هذا أمر معقول أن ننجز مليون سكن بدون أن تقدم الجماعات المحلية رأيها مبني على إحصاء ودراسة علمية؟؟ البلديات هي التي تحدد أرقام أزمة السكن وحاجتها منها وليس العكس هذه الأرقام وأعداد المشاريع لا يرصدها المسؤولون من فوق بل تأتي باقتراح من القاعدة التي هي البلدية، لكن للأسف اليوم لا يعرف رئيس البلدية حتى ما تحتويه حظيرته العقارية والسكنية وعدد نسمتها. وهل يُعقل أن نبني مليون سكن وملايين العمارات دون أن تكون في الجزائر معامل ومصانع للمصاعد وصيانتها وهي التي تعتبر من أهم المعادلات في الأنظمة الوقائية والأمنية من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية. أين هو المشروع اليوغسلافي لبناء مصنع للمصاعد في الجزائر. لقد قالوا لنا بأنه تم إبرام اتفاقيات مع مؤسسات عالمية للمصاعد لماذا لا نقوم نحن بإنشاء مصانعها ونكون شبابنا. وكيف يتم استدراك مثل هذه الأمور؟ يجب أن تكون لشركات الإنجاز مكاتب دراسات متخصصة تعالج كل جوانب الهندسة المعمارية سواء في المنشآت القاعدية أو السكنات الاجتماعية، علينا التخلص من التفكير بأن كل ما نحتاجه هو توفير سكن للمواطن وكفى مع إهمال باقي الجوانب ذات الاهمية القصوى. فجسر “ميو" بأوربا استغرقت فترة دراسته 10 سنوات من طرف المهندس البريطاني لكن إنجازه كان في 3 سنوات فقط. هذا هو المطلوب في الجزائر أن نفكر بروية وتأني وننجز بسرعة، وهذا يدفعنا إلى التطور الحقيقي.