يواصل خالد بونجمة، رئيس الجبهة الوطنية من أجل العدالة الاجتماعية، خرجاته الإعلامية المثيرة للجدل، والتي تبدو مناوئة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعدما وهب بونجمة للأخير النفس والنفيس لمساندته طوال 12 سنة من حكمه. لا يزال خالد بونجمة متمسكا بقرار الاستقالة أمام الدورة القادمة للمجلس الوطني للجبهة الوطنية من أجل العدالة الاجتماعية، كما أعلنت عنه في إحدى الخرجات التلفزيونية؟ إسمح لي أولا، أن أذكر بأن الجبهة سطرت لنفسها أهداف ومراحل، بدأت منذ كنا جميعا في التنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء التي اكتسبت الكثير من الخبرة والتجربة على الصعيد السياسي. عندما تأسست الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية وترأسها خالد بونجمة، لم يخرج تصورها أبدا عن وجود أزمات ومشاكل في البلاد وجب حلها، وبناء مؤسسات دولة بالشراكة مع الدولة الجزائرية. خلال التشريعيات والمحليات، كانت لدينا نظرة اجتماعية منبثقة عن ظاهرة اجتماعية أدرنا بها الحملتين الانتخابيتين، وهي شهادة السوابق العدلية التي أصبحت، اليوم، عائقا أمام اندماج الشباب الجزائري. هدفنا وأولويتنا في هذه المرحلة هو ترسيخ وتكريس الدفاع عن الشباب، من منظور العدالة الاجتماعية، لأنها اليوم الفئة الأكثر تهميشا في البلاد، فلماذا نعاقب شاب جزائري طوال حياته لأنه سرق مرة أو وقع في مخالفة ما، بمنعه من جواز سفره ومنعه من الأولوية في الاندماج المهني. لقد جبنا البلاد من أقصاها إلى أقصاها ومعاناة الشباب واحدة، وهي حرمانه من جواز السفر والدعم والتشغيل والعمل بسبب جريمة ما، يكون قد ارتكبها وهو صغير أو في مرحلة المراهقة. لهذا عندما تسألني عن تمسكي بالاستقالة، أقول إن هذا مجرد إجراء بسيط، لكن الدفاع عن الشباب والقضايا التي تأسست من أجلها جبهة العدالة الاجتماعية، سيبقى فيها النضال قائما، لإن الإرادة السياسية في الجزائر لحل الأزمة غير موجودة. لماذا بأفكارنا وبحلولنا وبنشاطنا وبتفاعل المجتمع معنا لا يريدون إشراكنا في حل مشاكل البلاد، إذن ما الداعي لكي أبقى على رأس الجبهة بينما أنا ممنوع من المساهمة في حل المشاكل وترفض الإرادة السياسية التعامل معنا.. لقد أبلغت باستقالتي في آواخر الشهر الجاري أمام المجلس الوطني، لأننا لا نستطيع الذهاب أبعد مما ذهبنا إليه، بسبب محدودية العمل السياسي في الجزائر، وحتى يتعاملوا معك ينبغي أن تكون قد تقلدت مسؤوليات في مؤسسات الدولة ونهبت أموال الشعب. الوزير الأول السابق، اعترف بوجود مافيا، وعندما يعترف رجل بهذا الوزن في الدولة الجزائرية، معناه أن الدولة في خطر.. أنت تختفي وراء تصريح الوزير الأول السابق، ولكن حتى رؤساء الأحزاب يعلمون ببعض ملفات المافيا، ألست ممن يعلمون ويصمتون؟ بل أنا من الذين إذا علموا يدينون، فنحن ندين ما قام به مثلا مدير التشغيل في إحدى دوائر العاصمة، الذي كان يمنح رخص عمل ب 200 مليون سنتيم للأجانب، وخاصة الفرنسيين والسوريين منهم، وحسب المعلومات التي لدي عدد الأجانب الذين تحصلوا على رخص تشغيل ودعم بالجزائر تقريبا 500 ألف. وما الهدف من رخصة العمل بالنسبة للأجانب؟ هي الإقامة بطبيعة الحال وإنشاء المشاريع.. لكن أنا أسأل، يا هل ترى الجزائر بحاجة إلى يد عاملة حتى نمنح رخص العمل لهذا العدد من الأجانب؟ لو لم تكن هناك مافيا مثلما سبق وقال الوزير الأول، كيف يحدث هذا ومن ترك المدير ينشط بهذه الطريقة المافيوية، ولماذا لم يتحرك وزير العمل؟ الجزائري عندما يتقدم للبنك من أجل قرض لا يُمنح له، أما الأجنبي يؤجر دكانا ويطلب قرضا، فيوافقون له.. هل هذه عدالة؟؟ البعض يبرئ الرئيس بوتفليقة من هذا الفساد المستشري في أرجاء الدولة أفقيا وعموديا، ويتهم محيطه، أين موقف خالد بونجمة في هذا الباب؟ بوتفليقة ليس له محيط، لأنه ببساطة لا يقدر المحيطين به ولا برامج المحيطين به، هناك أصحاب مصالح، نعم، لكن محيط بمعنى بيئة عمل ومناخ لائق في نظري غير موجود، محيط يهدف للحل السياسي لإنقاذ الجزائر، كما هي نظرتنا لإخراج البلاد من الإرهاب الإجرامي، وقد أفلحت مصالح الأمن في ذلك بتعاون مع الشعب الجزائري وإرادة منه، وهذا ما أنجح المصالحة، التي فتحت الباب أمام فرصة البناء مجددا، لكن الفرصة تنساب من بين أيدينا بهذا الفساد الذي عم البلاد.. اليوم تبعث برسالة إلى الرئيس بوتفليقة فلا تصل إليه.. الكل اليوم أصبح يتحدث عن محيط الرئيس وكل من هب ودب يحسب نفسه من محيط الرئيس.. أصبحنا نسمع عن وزراء وولاة يتحدثون باسم رئيس الجمهورية.. الحقيقة أن هناك خمس شخصيات تنهب المشاريع من محيط الرئيس.. لماذا لا تتحرك العدالة عندما تكشف صحافتنا الفضائح مثلما حدث مع “الجزائر نيوز"، وتتحرك العدالة عندما يُنشر تصريح في الصحافة الأجنبية، مثلما حدث مع “إيني" الإيطالية وسوناطراك؟ هذه نقطة استفهام كبيرة. لقد اطلعت عبر الأنترنيت على موقف وزير الأشغال العمومية وردوده عبر إحدى القنوات مما نشرته “الجزائر نيوز"، وعوض الدفاع عن نفسه قانونيا، راح يكيل الاتهامات ضد الجريدة وأن هناك انتهازيين وراء الملف المنشور.. هذا واقع بائس لمكافحة الفساد. ماذا عن تعديل الدستور، هل أنت مع أو ضد التعديل؟ ما لم أفهمه في هذا الملف، هو رغبة الرئيس وهدفه من التعديل. لماذا يدعوننا إلى التشاور حول التعديلات الدستورية، بينما لا يطرحون المسودة التي يرغبون فيها للنقاش السياسي.عليهم إطلاعنا على المواد المراد تعديلها. المشكل، اليوم، ليس في العهدات الرئاسية، وهل يذهب الرئيس إلى عهدة أخرى أم لا. ولكن في كيفية التعديل، لماذا لا يطرح بوتفليقة دستوره للنقاش السياسي، لماذا لا تنشأ محكمة دستورية خاصة بالتعديل لتناقش نظرة الرئيس في التعديل بشكل واضح وشفاف. لست أدري لماذا نحن البلد الوحيد في العالم الذي أصبح يغيّر دستوره من “العام للعام" بينما دول العالم لا يتغير دستورها من 60 إلى 70 سنة.. المشكل ليس في الدستور. حتى الآن لا يوجد رجل سياسي في الجزائر يملك معطيات حول ما الذي يرمي الرئيس بوتفليقة من وراء تعديل الدستور، هناك مجرد كلام في الكواليس، ومما يدور وجود مناورة لإلغاء المادة التي تفرض على المترشحين المولودين بداية الأربعينيات إثبات عدم تورط والديهما ضد الثورة الجزائرية، لكن المسألة تبقى مجرد مناورة وسنقف بالمرصاد لها إذا حاولوا المساس بها. وإذا أردنا تعديل الدستور لنحترمه، لماذا لم يحترم الرئيس دستوره الحالي، وتشكيل أعضاء مجلس الأمة امتثالا لمضمونه (يكون عدد أعضائه نصف عدد المجلس الشعبي الوطني) فكيف يُعقل أن يرتفع عدد أعضاء الغرفة السفلى، بينما يبقى عدد أعضاء الغرفة العليا على شكله القديم. أما أن تقوم بتعديل دستور كما تشاء وتنزله إلى برلمان يحتوي على نواب لم يكونوا يحلموا بدخول البرلمان وجاءوا إليه بطرق ملتوية.. فهذا خطير على المجتمع الجزائري. تتوقع أن يتراجع الرئيس عن تعديل الدستور؟ أقول إذا كانت هناك مسودة محضرة فليقدمها للنقاش السياسي، لقد قالوا في الثلاثي الأول، لكن التعديل لم يأت. عندما استقبلنا الوزير الأول سلال، أطلعنا أنه مكلف بالتشاور مع رؤساء الأحزاب لمنح آراءهم حول التعديل وفقط، ولم يطلعنا على ما الذي يريده الرئيس. ما الذي يمنعه من طرح مضمون التعديل، كما يراه هو، للنقاش السياسي؟ إلى حد الآن، لا ندري إذا كان الرئيس سيعدل الدستور أم تراجع عن ذلك. المنطق يقول إن من يرغب في تعديل الدستور هو من يعرض مسودته واقتراحاته لكي تناقش، أما ما يحدث عندنا أن الرئيس هو من يطلب من الطبقة السياسية تقديم المقترحات، كأنها هي التي بادرت وصرحت بأنها هي الراغبة في تعديل الدستور. ماذا نقترح للرئيس ونحن لا نعرف ماذا يريد. المؤسسات لا تسير بشكل منطقي يا ناس.. الشعب لا يجد من يحاسبه اليوم، فنحن ببرلمان تملك جبهة التحرير الوطني فيه الأغلبية، لكن الحكومة تكنوقراطية.. بهذه الصورة هل يسع الشعب محاسبة برلمان لا يملك السلطة الرقابية على حكومة لا تنتسب لأغلبيته؟ يتحدثون عن مادة تحديد العهدات الرئاسية، هل الشعب الجزائري هو الذي فتحها في التعديل الأخير؟ لماذا يريدون تحميلنا مسؤولية ما فعلته ثلاثة أحزاب مشكلة للتحالف الرئاسي؟ على التحالف مواجهة الشعب، وتبرير لماذا فتح العهدات للرئيس ثم يريدون تعديلا آخر.. نحن لم نكن في حزب ولا في برلمان، ثم هل الأولوية، اليوم، تعديل الدستور أم مكافحة الفساد؟ لقد قلنا للشعب في الحملة أن يمنحنا الفرصة ويحاسبنا، لكن من يحاسب من في هذه الحالة، ونتحدث عن إصلاحات! أسمحوا لي بالقول إنها ليست إصلاحات لأنها ليست عميقة، بل بريكولاج. لكنه صرح بذلك؟ صرح بكثير من الأشياء ولم تحصل، صرّح بتعديل الدستور ولم يظهر شيء، قال “طاب جنانا" ولكنه يعيّن الشيوخ والمتقاعدين في مجلس الأمة ومختلف هيئات الدولة ويترك الشباب جانبا، لقد ترك المتخرجين من الجامعات ومن لهم أعمال جليلة في مختلف الميادين وتم تهميشهم وإقصائهم. دعنا ندخل قضية الحركى، أنتم قدمتم لوزارة المجاهدين مشروعا لإحياء خمسينية الاستقلال، لكن مشروعكم لم ير النور، وهناك من يرجع عدم مرور مشروعكم إلى ضغط من الحركى ومن ورائهم فرنسا هل هذا صحيح؟ المشروع لم يمر حقيقة، لكن الأكيد أنه كانت هناك إرادة ويد خفية للتصدي له، واستبدل بشخصية أقامت احتفالات انتهت في منتصف الليل مقابل عشرات الملايير. كيف نفسر عرقلة الإدارة لمصالح أرامل الشهداء وأبناء الشهداء، بينما يأتي الأقدام السود من بعيد ليستعيدوا أملاكهم في الجزائر؟ المسؤولون على هذا البلد لهم جنسيات فرنسية، لهم ولأولادهم ولا أحد تكلم، ومن يتكلم “يدّوه".. “واحد ما يامنش بالاستقلال وما يامنش بالثورة وله جنسية فرنسية وتضعه في منصب مسؤولية.. محتاج ليه باش تردوا وزير؟ ما عندكش إطارات وخبراء وطنيين.. اليد الخفية معروفة".. أنت خرجت، اليوم، فجأة في ثوب المعارض، وهو ما لم يفهمه كثير من الناس، ألم تتعرض لضغوطات تحملك على الصمت قليلا أو التفاوض معك؟ لم أتعرض لضغوطات، وأنا حر فيما أقول.. وما أقوله وما سبق وقلته مبني على معطيات ومتغيرات سياسية تتطلب مراجعة المواقف، وهذا ليس عيب، ولن أتفاوض مع أي كان. الرئيس طلب مني مساندته وعرض علي برنامج عمل نال إعجابي السياسي وكنت أظن أن ذلك سيتم بإشراك إطاراتنا وكفاءاتنا في تسيير السلطة، لكن كل رسائلنا لم يُرد عليها.. من يعمل بدون مقابل؟ لماذا أسسنا حزب إذا لم يكن لدينا طموح للوصول إلى السلطة، سواء في البرلمان أو في هيئات منتخبة أخرى أو في الإدارة، ثم لماذا يشوهون أبناء الشهداء ويصورونهم على أنهم هم الذين أخذوا حيدرة وتراخيص استيراد السيارات وأشياء أخرى.. من هم في السلطة هم الذين ينهبون، وابن الشهيد أولى بثروة أجداده الذين استشهدوا، وأولى من أبناء الوزراء والولاة. من ترونه رئيسا للجزائر في 2014؟ إذا بقيت على رأس الجبهة سيكون هناك كلام آخر، أما إذا رحلت سيكون هناك رجل حتما سيقود الجزائر، ويمكن أن تقدم الجبهة الوطنية من أجل العدالة الاجتماعية مرشحا من الشخصيات الوطنية، لكن لا أعتقد أن رئيس 2014 سيكون رجل إجماع، لن يكون رجل إجماع بقدر ما يكون رجل يفصل فيه الصندوق، لأن أساليب السبعينيات انتهت ورجل الاجماع بتحالف ثلاثة أحزاب بمنطق السيطرة انتهى. المهم بالنسبة لنا، هو أن الجزائر ماتوا عليها رجال وعلينا المحافظة عليها، وأكبر خطأ للرئيس بوتفليقة هو سوء اختياره للرجال، لأن البلد في حاجة إلى نخبة نظيفة، وهذه هي النخبة التي لم تجد مكانة لها. لا يوجد من يفكر في مشاكل الإطارات والمجتمع. ألم تتمكنوا من تجسيد أي مطلب على أرض الواقع منذ تأسيس الحزب؟ تجسيد المطالب نضال لا يرتبط بالطول أو قصر الزمن، ولكن مواجهة الواقع. معركتنا هي الشباب ومستقبل الشباب، خاصة الممنوعين من الإندماج أو السفر، لماذا يهمشون ويقصون المسبوقين قضائيا، هل يوجد قانون يمنع الجزائري من جواز سفره.. الواقع يقول نعم، والقانون يقول لا.. المسبوقون قضائيا يمنعون من جوازات سفرهم.. ما هو القانون الذي يقول إذا دخل واحد إلى السجن يمنع من العمل.. نحن نصنع قنابل موقوتة بسياسة التهميش والإقصاء وقد يثور هؤلاء إذا استمرت سياسة المنع من العمل والسفر.. وما دام تقول “هذا سرّاق" لماذا تحافظ على أوروبا وتمنعه من جواز سفره، ولماذا تشجعه على السرقة في بلده وليس في الخارج.