في الوقت الذي تشهد فيه القاهرة حراكا سياسيا محتدما يحيل إلى تحديات ظروف “ما بعد الثورة"، يبدو المشهد الثقافي المصري، أنه يكابد مشقة تجاوز تداعيات “السياسة" على “الثقافة"، فكل الصراعات والمكايدات بين مختلف الأطراف تأخذ أحيانا منحا سياسيا، في حين الكثير من الكتاب والمثقفين ظلوا يحذورن من غياب المشروع الثقافي “للثورة". سيما وأن ما اصطلح عليه ب “علم الثورات" ظل يحدثنا عن دور “النخب الثقافية" في صناعة التغيير، وأن الفعل الثوري ينبغي أن يسبقه فعلا ثقافيا مؤسسا ومتجاوزا وليس العكس. الكثير من “المثقفين" بدوا غرباء في “ربيع الثورات العربية" لم نشهد “روسو" جديد في المحيط العربي، بل إننا لم نتعثر برموز تقود هذا العمل إلا فيما ندر من الحالات. وهو ما يفسر هذه “الاستفاقة" المتأخرة نسبيا، للحراك الثقافي المصري الموازي والمتمم أو حتى المواكب للعمل الثوري. لم تعد الندوات الثقافية، في أكثر من منبر (كساقية الصاوي، وصالونات الأدباء، كصالون علاء الأسواني وغيرها)، تحتفظ بطابعها الثقافي، بل تماهي المثقف مع قضايا السياسة، في لحظة يصعب فيها الفرز بين ما هو سياسي وثقافي أدبي. وبين المبشر بهذه الاستفاقة، والمحذر منها، يبدو المشهد الثقافي والأدبي المصري، في ذروة تفاعلاته، فأدوار النشر لا تزال تؤكد أن وتيرة “النشر" في أحسن حالاتها، وقائمة “الكتب الأكثر مبيعا" في تمدد واتساع بشكل لم يسبق له مثيل خلال الخمسة عقود الماضية منذ ثورة جويلية 1952. وهو ما يبشر بنتائج قد تأتي متأخرة، حسب الكثير من المراقبين.