في الوقت الذي تستعد فيه مختلف القطاعات لاستقبال الدخول الاجتماعي الجديد، عادت تهديدات الاضطرابات والاحتجاجات والتجمعات لتضفي عليه نوعا من التوتر جراء القبضة الحديدية التي ما تزال مستمرة بين نقابات العديد من القطاعات والوزارات الوصية على منوال الصحة، الداخلية، التربية، العمل والبريد والمواصلات على منوال ما حدث في السنوات الماضية. وتأتي هذه التهديدات التي أطلقتها جل النقابات بعد هدنة لم تعمر طويلا شهدتها بعض القطاعات خلال فصل الصيف، ويتعلق الأمر تحديدا بقطاع التربية، الصحة والتشغيل، تزامنا مع بداية العد التنازلي لانتهائها مع الدخول الاجتماعي، ولئن كان السؤال الذي يطرح اليوم يتمحور حول ماذا حضر مسؤولو هذه القطاعات لاحتواء مسلسل المطالب الذي يتكرر مع كل دخول اجتماعي، فإن الغليان الذي ستعرفه القطاعات المذكورة سيبقى يمثل مطرقة فوق رؤوس الوزارات المعنية في ظل التماطل الذي عرفته عملية التكفل بالملفات المطروحة على مكاتبها. وخلافا ربما للمواسم القليلة الماضية، فإن أجواء الدخول الاجتماعي لهذا العام تزامنت مع الأنباء التي رشحت أن يكون التغيير الوزاري الذي سيمس بعض القطاعات خلال شهر سبتمبر الداخل، وهو ما يجعل وزارات القطاعات المعنية بالدخول الساخن أمام امتحان حقيقي. إذا اعتمدنا على التصريحات التي أدلت بها بعض نقابات قطاع التربية، وبالتحديد النقابة الوطنية لعمال التربية التي أعلنت نواياها الاحتجاجية التي تعتزم مواصلتها تزامنا مع الدخول المدرسي، حيث تحمّل وزير القطاع مسؤولية الانسداد الذي ميز الحوار مع الوصاية وكذا الاضطرابات العديدة والمتواصلة التي عرفها هذا القطاع والمتمثلة أساسا في عدم الاستجابة للمطالب المهنية والبيداغوجية والاجتماعية لعمال التربية. كما لوحت من جهتها نقابة الأسلاك المشتركة والعمال المهنيين لقطاع التربية بدخول اجتماعي ساخن في حالة استمرت الوزارة في غلق باب الحوار حيال مطالبها التي تتأزم يوما بعد يوم والتي تهم 130 ألف عامل، وتأتي تهديدات نقابة الأسلاك المشتركة بعد سنة مضت اعتبرت بيضاء على مستوى الحوار الاجتماعي مع الوصاية التي تتهمها بعدم طرح تصور منطقي لحل المشاكل المادية والمهنية والاجتماعية، ناهيك عن الأداء الضعيف المتعلق أساسا بالقرار الصادر في 18 ديسمبر 2011 تحت إشراف رئيس الجمهورية والخاص بميزانية التسيير التي رصد لها مبلغ 317 مليار دج لتغطية الزيادة في الإنفاق والمترتب عن رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون، بالإضافة إلى مراجعة القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية بالموظفين. ويمكن القول إن قطاع التربية المقبل على اضطرابات جديدة ستضاف إلى الفضائح التي ميزت نهاية الموسم الدراسي الماضي خاصة ما حدث في شهادة البكالوريا. إذا كان هناك قطاع آخر شهد سجالا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية مع ملف التربية، فهو بدون شك القطاع الصحي الذي عرف اضطرابات كبيرة ومسيرات متواصلة وقبضة حديدية حقيقية مع الوزارة الوصية، انتهت قبل أسابيع معدودة باستجابة وزير القطاع إلى مطلب من مطالب مختلف الأسلاك التي تنتمي إلى هذا القطاع، ويتعلق الأمر بمنحة العدوى، فيما تبقى جل المطالب الأخرى دون تقدم على منوال القانون الأساسي للمهنة، ما ينبىء كذلك بدخول اجتماعي مكهرب بين الوصاية ومختلف النقابات على منوال ما حدث الموسم الماضي. كما يشكل كذلك ملف البطالين الذي أثير في الربيع الماضي قنبلة موقوتة تزامنا مع الدخول الاجتماعي، إذ بعد أن استطاع هذا الملف أن يزعزع كل الطاقم الحكومي واضطر معه الوزير الأول عبد المالك سلال لإصدار تعليمات والنزول إلى الميدان للاستجابة لمطالب هذه الشريحة من المجتمع، فإن اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق بطالي الجنوب أعلنت عن إجراءات لم تطبق لحد الآن، وأنها تستعد لشن المزيد من الاحتجاجات في الأيام المقبلة على مستوى 32 ولاية، وهو ما أكده منسق اللجنة الطاهر بلعباس الذي اتهم السلطة بعدم رغبتها في فتح حوار حقيقي مع ممثلي الشباب البطال، وبدل ذلك لجأت إلى فرض إجراءات ردعية ضد المتظاهرين البطالين وتضييق الخناق عليهم وتوقيف بعضهم وتقديمهم للعدالة، وهو ما يفسر بغياب إرادة للتكفل بانشغالاتهم، ما جعل المنسق يعلن عن مسيرات ضخمة مع بداية سبتمبر عبر كل أنحاء الوطن. وفي سياق آخر، ردت اللجنة على المناورات السياسية من طرف الأحزاب التي استغلت احتجاجات البطالين لأغراضها السياسية، رغم أن مطالب اللجنة بعيدة عن النشاطات السياسية والحزبية. أما ملف عمال البريد الذين شنوا مؤخرا إضرابا وطنيا، فإن دخولهم في هدنة لمدة شهرين ينذر هو كذلك بالانفجار خلال شهر أكتوبر القادم في حالة لم تتم الاستجابة لمطالبهم، وهو ما يجعل الدخول الاجتماعي يكتسي طابع القنابل الموقوتة التي سيكون المواطن هو الضحية الأولى فيها. نفس السيناريو ستعرفه قضية الحرس البلدي الذي فشل قبل أشهر في تنظيم مسيرته التي أفشلتها مصالح الأمن، ويومها وعد ممثلو هذا القطاع بمزيد من التصعيد مع بداية الدخول الاجتماعي، ما يجعل هذا الأخير مطرقة فوق رؤوس خمس وزارات والأكيد أن المواطن هو الذي يدفع الثمن في الأخير.