في أول حوار له بعد التعديلات التي أجراها الرئيس بوتفليقة على مستوى الدولة حكوميا وعسكريا، يتحدث الشيخ جاب الله في هذا الحوار عن نظرته للمشهد السياسي المنظور بصراحته المعهودة وربما أكثر.. التعديل الذي لا يستجيب لتطلعات الأمة ليس تعديلا. وما حدث ليس تعديلا في نظري. فالوجوه هي نفسها عرفها الجزائريون منذ سنوات ولهم انطباعاتهم عنها وحكمهم عليها ويبدو لي الانطباع فيما هو شائع، بأنه انطباع سلبي. فالذي حدث هو نقل شخص منظور إليه سلبيا من منصب إلى منصب آخر. فماذا يمكن أن يرجوه الشعب من نتائج. كلهم ليسوا جددا.. معظمهم كانوا وزراء وبعضهم ولاة معروفين لدى غالبية الشعب. التعديل فيه نوع من الاستخفاف بالشعب الجزائري، كأن في الأمة إلا الإطارات التي اصطفاها بوتفليقة منذ زمن، وليس هناك من هو أهلا في نظره وهذا انطباع سلبي أيضا، فعلى المسؤول الأول أن يختار الأصلح والأكفأ للأمة ولا أحد يستطيع أن يجرأ على القول بأن من هم بالطاقم الوزاري، هم الأصلح والأكفأ، بل العكس هو الصحيح.. الانطباع الآخر هو أن المسؤوليات الحسّاسة أسندت لوجوه معروفة بولائها المطلق لرئيس الدولة، وهذا قوّى الانطباع بأن الذي يهم الرئيس هو الولاء وليس الكفاءة والصلاح والاستقامة، وهذا يتنافى مع قوله عليه الصلاة والسلام "من ولي من أمر المسلمين شيئا، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله" وفي رواية والمؤمنين. فعلى المسؤول اختيار الأصلح وفي الأمة من هو أكثر نزاهة صلاح واستقامة، فالذي حدث هو البحث عن من هو الأكثر ولاء، وهذا سلوك قادح في أهلية هؤلاء لتولي مثل هذه المسؤوليات.. يبقى لماذا اختار الرئيس هذا الخيار، فهذا ما تمت قراءته في الصحف. هي لا تخرج عما قيل، فالرجل إما يبحث عن التمديد أو الترشح، ويحتاج على رأس المسؤوليات أولياؤه الذين يريدون ما يريد ويسايرونه فيما يريد ويوفرون له ما يريد سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية لتحقيق وتنفيذ ما يريد. أنا لست مع الأولى ولا الثانية. الرئيس لا يقوم بواجباته منذ أشهر بسبب المرض. هذا الذي يظهر، أما حقائق الأمور فلا نعرفها.. ربما يكون قد تعافى نسبيا ولكن ليس بالصورة التي تؤهله لقيادة الدولة والذي يعرف الرئيس جيدا يعلم بأنه سيظهر بشكل أوضح وأكثر، لأنه لا يصبر على الظهور. أنا أتحدث عن القدرة الجسدية، ثم إنه غائب عن عمله وممارسته منذ فترة طويلة. يبدو لي أنها جرت بالتوافق لأنها ليست أكثر من عودة للعمل بالنظام الذي كان سائدا مطلع التسعينيات، إذ قبل 92 دائرة الاستعلام والأمن لم تكن موجودة وقد استحدثها الشاذلي بن جديد. الأصح هو 20 سنة، لأن المصلحة التي قادها لم تكن موجودة كما قلنا، إذ اُستحدثت المصلحة بعد توقيف المسار الانتخابي، بمبرر الإرهاب، ثم إن هذه المصلحة لم تكن تدير مفاصل الدولة كما يعتقد البعض بل كان جهازا يجمع المعلومات.. وإذا اعتقد البعض بأن التعديلات التي أجراها الرئيس على هذه المصلحة هي بخلفية المواجهة، فما الذي يجعل فرضية أنها حدثت بالتوافق، فرضية مستبعدة. لا دليل على هذا ولا ذاك، ما يوجد حاليا مجرد احتمالات. والمستفيد من وراء كل هذا الوضع هم الفئة التي تورطت في الفساد وبالتالي ملفاتها قد تُقبر لأنها لم تعد بيد الجهة التي كانت مسؤولة عليها وتُقبر من ثمة كل جرائم النهب والسلب. وإذا كانت هذه الفرضية قائمة أليست سلبية.. على الإنسان ألا يذهب بعيدا في قراءات التفاؤل وهناك من أراد أن يقرأها من حيث أن الإجراءات ستُعزز أمورا.. فهل ستُعزز الحريات مثلا، إن مثل هذه الأمور لا يُسندها الواقع ولا المعطيات ولا السير العام المعروف عن النظام الجزائري وأنا لم أنظر إليها.. ما حدث هي عودة لنظام سابق وقد تكون لغايات نبيلة ولكن أقول ربما.. أقول ذلك بمجرد ظن فأنا لست على تواصل بأحد وليست لدى المعطيات فهذا مجرد تحليل، فأنا منكفئ على نفسي وعاكف على الكتابة والتأليف، منذ فترة طويلة من الزمن. هذا الأمر لا يرتبط بالبديل.. فالبديل قائم أصلا لأنه متعلق بالرؤى والتصورات الهامة فيما يتعلق بالإصلاح في الميادين المختلفة، من طرف كل واحد.. وهذا البديل موجود بشكل عميق ومدروس من ذوي الخبرة. أما السؤال يتعلق بقراءة حدث معين الذي توجد معطياته بيد أصحابها، ولم يفصحوا عنها.. فهم كتموا الخلفيات الحقيقية. كشف مثل هذه الأمور يعود دوره للإعلام وليس للسياسي.. فهذا عملكم فأنتم الذين تتواصلون. من يقول هذا الكلام فهو الجاهل للثقافة الدستورية، لأن رئيس الجمهورية يملك الصلاحيات التي تسمح له بكل ذلك منها التحكم في الدستور، بل يكاد الرئيس أن يكون المؤسسة الوحيدة التي تملك الصلاحيات الواسعة والشاملة والحقيقية، فإذا أخل بممارسة صلاحياته فالخلل فيه هو وليس في الدستور، ومن يعتقد أنه يمدح الرئيس بالقول إنه استعاد كامل سيطرته فإنما هو يقدح في الرئيس إذ يعني ذلك بأن الرئيس كان قاصرا ومغلوبا ومغبونا. أنت تعرف ما للرئيس من خلال الدستور. للأسف، النخبة الحاكمة في الدولة هي من التيار العلماني المتحكم في مفاصل السلطة، وقد أعادت هذه النخبة بناء الدولة بعد 92 وفق عملية التمركز في كل المفاصل وقامت بتقوية شبكة الدولة الخفية أوالدولة العميقة أو الدولة التي تتحكم في كل شيء. وهي اليوم مستفيدة من حالة ما يُشبه اليأس عن طريق الحراك الشعبي الإيجابي الفعّال والمؤثر بسبب تبعات الأزمة الأمنية في التسعينيات وهي أزمة مست مختلف الجوانب، ثم زاد من الجراح ما نشاهده في ليبيا وسوريا ومصر، ولذلك فالشعب الجزائري في هذه الظروف غير مستعد للقيام بأي رد فعل قوي لاستعادة حقوقه المهضومة والمعتدى عليها، وبالتالي النظام مستغل لهذه الحالة فمضى يعمل على تكريس سياسات الاستخفاف بالشعب والتمكين لرجال النظام وأوليائهم ونشر الفساد المالي والسلوكي وغيره من أنواع الفساد.. ولكن دوام الحال من المحال فهذه سنة التدافع بين الطغيان والحرية وسيأتي وقت يمل الناس من المستبدين لأن سياساتهم قاهرة لهم ومعتدية على حقوقهم، فينتفضون مطالبين بالحرية، وهكذا دواليك إلى أن يصل الوقت الذي يتقوى فيه الوعي السياسي والتنموي والحقوقي وتقوى إرادة الأمة على العطاء والتضحية، فتتغير الأمور بشكل فعّال، فلا تزال الجزائر بالنسبة لهذه المرحلة، بعيدة نسبيا لأنها عاشتها في مرحلة التسعينيات ودفعت فاتورة كبيرة، زيادة على أن الجزائر تعيش اليوم حالات التدافع الحاصل في سوريا وليبيا مثلا وترى فاتورته ولكن سيأتي الوقت الذي تنتفض فيه. فالسلم الاجتماعي المشترى بالأموال قد تعجز عنه السلطة إذا لا سمح الله نزل سعر البترول عن 70 دولارا، وقد تعجز عن دفع أجور الموظفين، وقد تتغير المعطيات وتتوفر معطيات تدفعه للانتفاضة مطالبا بحريته. الوجوب ينبغي أن يظل قائما لأنه لا يجوز للشعب الرضى بالظلم حتى لا يلحقه إثم الظالم وما قلت إنه فاقد للقدرة على ذلك حاليا، وهذا الفرق. لقد نسيت ذكر الأرندي.. فهؤلاء لا يتحالفون على المشاريع النهضوية أو الإصلاحية بل على نصرة جهة مقابل الاستفادة منها وهذا النوع من التحالف يضرها ولا ينفعها فلا تفرحوا بهذا التحالف فهم يلتفون حول شخص دفعته المؤسسة العسكرية ليكون رئيسا مقابل أن يُشركهم بطريقة أو بأخرى في التمتع بالريع والتحالف القادم سيكون على منوال التحالف الماضي وربما أسوأ. النظام أفسد الحياة السياسية والطبقة السياسية.. لعلك تتذكر الشعار الذي رفعه النظام "هل أنت معي أو ضدي" في فترة الإرهاب. فجل الطبقة السياسية رضخت للنظام وأصبح همها أن يرضى عليها ويُشركها معه في الريع. والطمع عدوى، فانتقل إلى غيرهم، وبدل أن تكون الأحزاب أطرا للتنسيق بين الطاقات وتُحسن توظيفها في النضال للتمكين لهم في الإصلاح والتغيير، تحولت لسجلات تجارية للاستفادة في المناسبات الانتخابية. وأضحت الانتخابات مناسبة لتحقيق المكاسب فيُوظف المال للتزوير والإدارة والإعلام والقضاء يشتغلون على التزوير لصالح الأحزاب الموالية للنظام، وهذه من أسوأ أنواع الفساد.. ولنكن واقعيين لا يُمكن انتظار الخير من طبقة سياسية هذا حالها، فنحن بحاجة لإعادة صياغة الطبقة السياسية، وينبغي رفع الدعوات لتحقيق ذلك. هذه أحكام. جاب الله مؤسس لتيار تاريخي سياسي معين فهذا الأمر لا يُنكره إلا جاحد أو جاهل لأنها حقيقة.. جاب الله يريد تغييرا حقيقيا إيجابيا في البلاد هذا واقع وحقيقي لا يُنكره إلا جاحد.. وجاب الله يملك تصورا بديلا لكيفية بناء الدولة وإصلاح المجتمع فكتاباته شاهدة على ذلك.. أما جاب الله لا يريد التنسيق مع الآخرين فهذا كذب لأن الذي يعرف التاريخ يعرف تحالفنا ضمن مجموعة سبعة وأربعة أحزاب ومع مجموعة العقد الوطني لمعالجة الأزمة وتحالفنا في ما كان يُعرف بمجموعة الستة في انتخابات 99 وتحالفنا في إطار وثيقة الدفاع عن الحريات الديمقراطية، ولكن جاب الله لا يتحالف مع المتحالفين من أجل مقاعد البرلمان والبلديات ولا يفعل هذا الشيء لأنه يتعارض مع قناعات جاب الله.. الناس تبحث عن المغنم في نضالاتها وأنا صاحب رؤى في كل الجوانب والمجالات ولا أنزل إلى هذه الدرجات لأن النظام جعل مثل هذه الممارسات أنها صميم العمل السياسي. ومتى خالجتني فكرة الترشح حتى تقول تستعمل عبارة "لا تزال"، فأنا ترشحت نزولا عند رغبة مؤسسات وليست رغبتي. فأنا لست مسؤولا على أقوال الناس. فغالبا من يكتب ليس صاحب وازع ديني يدفعه للتبين والتدقيق ومعظم ما يقال في جاب الله فهو من الغث وليس السمين لأنه ضمن محاولة إضعافه، وهذا يصب في محاولة النظام لتقزيم جاب الله. ويوم تكون المنافسة السياسية يمكن معرفة وزن كل سياسي وأما معيار الانتخاب غائب لا يُمكن الحديث عن الترشح، وأنا لم أسع يوما للترشح. لا بل مبدأ إسلامي والحقيقة.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تسأل الإمارة فإنك إن اُعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن اعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها"، وجاب الله حامل لهذا المشروع ومناضل لأجله وأطبقه على نفسي وأملي ألا تقرر مؤسسات الحزب ترشيحي للرئاسيات المقبلة.