شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. ولد موسى بن نصير في سنة 19ه في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب في الحجاز، وكان والده ينسب إلى قبيلة بكر بن وائل التي كانت توجد في أرض الحيرة غربي الفرات، وكانت ولادته في زمن كان الزحف الإسلامي كاسحا. وكان موسى بن نصير قريبا من قلب عبد العزيز بن مروان، "والد عمر بن عبد العزيز" وجاء معه الى مصر، ونال ثقته، ثم طلب الخليفة إلى عبد العزيز أن يكون مستشارا لابنه بشير والي البصرة، وعندما مات بشير عاد عبد العزيز إلى مصر ليأخذ التاريخ على يديه مسارا آخر. أقنع عبد العزيز الخليفة أن يقود موسى بن نصير حملة في الشمال الإفريقي، ويستعيد ما فقده العرب في فتوحاتهم السابقة، واستطاع موسى بن نصير بذكائه الحاد وشجاعته أن يواصل الزحف حتى المحيط الأطلنطي، وانسحب البيزنطيون نهائيا من الشمال الإفريقي، وكان من طموحات موسى بن نصير أن يعبر المسلمون مضيق جبل طارق ويفتحوا الأندلس ثم جنوبفرنسا فإيطاليا ويستولوا على القسطنطينية ويعودوا إلى دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية عن طريق أوروبا. موسى بن نصير الأعرج الذي يعفيه دينه من القتال، كان يشعر أن بداخله طاقة وقدرة خارقة على القتال ومواجهة الأعداء أقوى من أي صحيح، فلم يستسلم لعجزة أو لعرجه وأخذ يخطط لنفسه، فأخذ يحفظ القرآن ويتفقه في الدين ويدرب نفسه على أعمال القتال وحمل السلاح واستخدامه حتى صارت لديه قدرة فائقة على خوض المعارك. وأرسل موسى بن نصير قائده طارق بن زياد لفتح الأندلس، ثم تبعه بنفسه بعد ذلك ليتم فتح هذه البلاد ويدخل قلب أوروبا، وقد صور أحد المؤرخين حال الأندلس بعد الفتح الإسلامي بقوله: "وفي أقل من أربعة عشر شهرا قضى موسى بن نصير على مملكة القوط قضاء تاما، وفي عامين فقط وطدت سلطة المسلمين فيما بين البحر المتوسط وجبال البيرينيه، ولا يقدم لنا التاريخ مثلا آخر اجتمعت فيه السرعة والكمال بمثل ما اجتمعت في هذا الفتح". وخرج موسى بموكبه الرائع من إشبيلية في ذي الحجة سنة 95 هجرية، بعد أربع سنوات من الجهاد المرير في غرب أوروبا، ومعه القائد طارق بن زياد في طريقه إلى دمشق، وعندما اقترب هذا الموكب المهيب من دمشق، جاءته رسالة من سليمان بن عبدالملك يطلب إليه الإبطاء في السير، لأن الخليفة كان يعاني المرض، وكان سليمان يريد أن يكون هذا الموكب بداية لعهده عندما يتولى أمر الخلافة بعد أخيه، ولكن موسى أصر على مواصلة سيره، ووصل دمشق قبل وفاة الوليد بأربعين يوما، وقد فرح الوليد حتى أنه برغم مرضه ذهب إلى المسجد، وخطب الناس وشكر الله على ما أفاء به على المسلمين في عهده من فتوحات وقابله الخليفة مقابلة تليق بالخدمات التي قدمها الرجل للإسلام والمسلمين، وكان دخول هذا الموكب الهائل في السادس عشر من جانفي عام 715م. ويقول عنه الجاحظ: ومن العرجان.. ثم من أصحاب الفتوح والزحوف.. موسى بن نصير. وقال أبوالحسن: رأى الوليد بن عبدالملك في المنام أن رجلاً من أهل الأندلس أعرج يكني أبا عبد الرحمن من أهل الجنة يفتح الله على يديه المغرب، فكتب إليه موسى بن نصير: أنام الله عينيك يا أمير المؤمنين.. أنا أبو عبد الرحمن وأنا موسى بن نصير وأنا أعرج.. وأنا فاتح الأندلس. ويقول الباحث الإسلامي حامد الجوجري: إننا أمام نموذج عبقري فذ لعب دورا خطيرا في نشر الاسلام في الشمال الإفريقي، كما أنه خطط لفتح الأندلس وشارك في فتحها مشاركة إيجابية بالرغم من هذا العرج الذي ولد وعاش به طوال حياته، واستطاع موسى بن نصير بذكائه الحاد وقدرته الإدارية تأمين مكاسب المسلمين، ثم ولّى موسى أحد قادته من البربر وهو طارق بن زياد مدينة طنجة مما أكسبه حب البربر وولاءهم، فاعتنقوا الإسلام وكانوا من المدافعين عنه فيما بعد، وتتبدى عبقرية موسى بن نصير عندما أقام قاعدة لصناعة السفن تحسباً لأي عدوان بحري من جانب الروم. وبهذا أصبح للمسلمين أسطول كبير في المغرب العربي يدعم الأسطول العربي في المشرق.