دخول الجزائريين عالم الجيل الثالث من خدمات الهاتف النقال قريبا لا يعني أنهم سيتمتعون، فورا وعلى نحو مطلق، بجميع مزايا هذه الخدمة التي يمكن من خلالها الاستفادة من عدد لا يحصى من التطبيقات بدءا من تحميل الأغاني والأفلام، والحصول على الرسائل الإلكترونية، ووصولا إلى الدفع الإلكتروني عن طريق الأنترنيت وباستعمال الهاتف النقال.. من المؤكد أن البداية ستكون "محتشمة"، وفق ما يؤكده مختصون في الميدان ووفق ما يراه مواطنون أيضا، لعدة اعتبارات، منها أن التمكين لخدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال يحتاج إلى صناعة محتوى راقية جدا تتماشى مع متطلبات الخدمة ذاتها، وهي الصناعة التي سوف يكون المحيط المؤسساتي، حول نشاط متعاملي الهاتف النقال، طرفا أساسيا فيها. يصل المبلغ المالي للحصول على الرخصة الواحدة من الجيل الثالث من خدمة الهاتف النقال إلى عشرات ملايين الدولارات دفعها كل متعامل من متعاملي الهاتف النقال من أجل السماح له بالحصول على رخصة مؤقتة في اتجاه تجسيد هذه الخدمة بين المشتركين، وعلى سبيل المثال فإن المتعامل التاريخي "موبيليس" عرض، وفق مسؤوليه، دفع 50 مليون أورو من أجل الحصول على الرخصة، حيث كان هذا العرض هو الأعلى مقارنة بين المتعاملين الآخرين وهما "جيزي" و«نجمة"، ما ساهم في حصوله على المرتبة الأولى التي تتضمن أفضليات، منها الأفضلية في اختيار الموجة والأفضلية في اختيار الولايات ال 15 التي ستشملها الخدمة خلال العام الأول من انطلاق الخدمة يوم الفاتح من ديسمبر المقبل، حيث ينتظر، وفق بعض مسؤولي متعاملي الهاتف النقال، الحصول على الرخصة النهائية بمجرد دخول الخدمة حيز التجسيد. لم ينتظر المتعاملون الثلاثة حلول الفاتح ديسمبر، موعد انطلاق الخدمة، من أجل دخول "السباق المحموم" للحصول على أكبر قدر من الزبائن، فالتحضير بدأ منذ فترة معتبرة.. كل يخرج أوراقه الرابحة للتعامل مع أكبر قدر من المشتركين في مجال الجيل الثالث من الهاتف النقال. مثل هذه الرغبة في المنافسة التي بدأت تلوح في الأفق، أكثر فأكثر، نجدها موجودة مثلا في نبرة حميد قرين، مدير الاتصال في مؤسسة "جيزي"، الذي يقول إن المؤسسة "تعمل من أجل الحصول على أحسن العروض التي تستجيب للمتطلبات المحددة والمستهدفة، وهو أمر متاح لنا لكوننا الرواد منذ عشر سنوات". ولم ينتظر مسؤولو "جيزي" كثيرا لإخراج إحدى أوراقهم الرابحة في هذا المجال وذلك من خلال اعتمادهم على مؤسسة إيطالية، هي جزء من المجموعة، وتدعى "وينس إيطاليا"، للحصول على أحسن عرض وأحسن شبكة، وهي المؤسسة التي تم اختيارها كأحسن متعامل أوروبيا في مجال خدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال لسنة 2011. وبغض النظر عن كون مجموعة "فيمبلكوم" العالمية هي جزء أيضا من المجموعة وما قد يحمله ذلك من إضافات في المنافسة لفائدة المتعامل "جيزي"، فإن مسؤولي هذه الأخيرة يراهنون كثيرا على كفاءة الإطارات وعلى التكوين المستمر الذي تحظى به، وهناك فرق كثيرة من الكوادر تم إرسالها على مراحل إلى إيطاليا من أجل التكوين، وبعض الكفاءات التي عملت في "جيزي" وجدت لنفسها مكانة كبيرة لدى متعاملي الهاتف النقال في البلدان المغاربية المجاورة وفي إفريقيا عموما، وفق ما يؤكده حميد قرين نفسه. الموجة.. محدد رئيسي في ضمان جودة الخدمة منذ فترة، أكد المدير العام لمؤسسة "موبيليس"، سعد داما، أن المؤسسة التي يشرف عليها تستهدف اقتناء أحسن الأجهزة التي تسمح بالحصول على شبكة راقية في مجال خدمة الهاتف النقال، حيث ذكر ذات المسؤول أن المتعامل التاريخي يتعامل مع موردين كبار في هذا المجال على غرار المجموعة الصينية العالمية "هواوي"، غير أن مسؤولي "جيزي" يظهر عليهم الميل أكثر ربما نحو "الجودة الأوروبية"، ولذلك فإن حميد قرين، مسؤول الاتصال في "جيزي"، يتحدث عن كون أحسن الأجهزة والمعدات في هذا المجال موجودة لدى متعاملين اثنين هما "ألكاتل" الفرنسية و«سيمنس" الألمانية، ومن الواضح أن نوعية الشبكة هي أحد المحددات فقط التي سوف تصنع ملامح المنافسة بين متعاملي الهاتف النقال في الجزائر، فهناك محددات أخرى على غرار الأسعار المطبقة والموجة التي يتم اعتمادها في الخدمة بالنسبة لكل متعامل كأداة لضمان جودة الخدمات. وعلى هذا الأساس، فإن محمد صالح دعاس، مستشار الرئيس المدير العام لمؤسسة "موبيليس" مكلف بالإعلام والعلاقات العامة، يرى أن الأفضلية التي يتمتع بها المتعامل التاريخي الذي احتل المرتبة الأولى في عملية فتح الأظرفة الخاصة بخدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال.. تسمح له باختيار الموجة، وهو أمر "ينعكس على الاستثمار وبالتالي نوعية أحسن" في مجال جودة الخدمة ونوعية الشبكة، وترافق الأفضلية من هذه الناحية، أفضلية أخرى تشمل اختيار الولايات ال 15 خلال العام الأول من دخول الخدمة حيز التجسيد، وبالنسبة ل "موبيليس"، فقد تم اختيار ولايتين هما باتنة والأغواط، وهما، بالنسبة لذات المصدر، تشكلان ولايتين مهمتين وسوقا جيدة بالنسبة ل "موبيليس" التي سوف تقدم خدماتها، على مستوى كل ولاية، خلال مدة سنة كاملة علما أن هناك أربع ولايات إجبارية التغطية، لكل المتعاملين، هي الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينةوورقلة. وتراهن "موبيليس" أيضا على برنامج استثماري ضخم بواقع ملياري دولار، يمتد من سنة 2012 إلى غاية سنة 2016، هذا البرنامج يتضمن أساسا تجسيد خدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال فضلا عن إعادة تأهيل الشبكة التقنية والتجارية مع توسيعها أكثر رغم كون "موبيليس" تملك، وفق مسؤوليها، أكبر وأوسع مدى من حيث الوكالات التجارية بواقع 143 وكالة تجارية وأكثر من 90 ألف نقطة بيع. ويؤكد محمد صالح دعاس، مستشار المدير العام في "موبيليس" مكلف بالإعلام والعلاقات العامة، أن "موبيليس" استثمرت خلال السنة الماضية 2012 وحدها ما يصل إلى 300 مليون دولار في إطار البرنامج المشار إليه، وخلال التسعة أشهر الأولى من السنة الجارية 2013 وصلت استثمارات ذات المتعامل، وفي إطار ذات البرنامج، إلى 232 مليون دولار، حيث تمت الإشارة على مستوى إدارة المؤسسة إلى أن الاستثمارات سوف تتسارع بقوة مع إطلاق مشروع خدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال. مع بداية دخول خدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال حيز التجسيد، ستكون الولايات الأربعة الممثلة في الجزائر العاصمة و وهرانوقسنطينة و ورقلة مغطاة ومستفيدة إجباريا من خدمات هذا الجيل من تطبيقات واستعمالات الهاتف النقال، وخلال العام الأول سيتم توسيع الخدمة إلى العديد من الولايات الأخرى، وبالنسبة للمتعامل "نجمة"، فإن المعطيات التي حصلنا عليها من جانب دائرة العلاقات العامة والإعلام لهذا المتعامل تشير إلى أن شبكة الجيل الثالث من خدمة الهاتف النقال للمؤسسة ستغطي 25 ولاية من الولايات ال 48 الموجودة عبر التراب الوطني، وذلك قبل نهاية العام المقبل 2014، ووفقا لمعطيات ذات الإدارة، التي استندت إلى تصريحات كان قد أدلى بها الرئيس المدير العام للمتعامل "نجمة"، فإن هذه الولايات تعبر عن أكثر من 80 بالمائة من السكان. وتراهن الإطارات الموجودة في "نجمة" على تجربتها الكبيرة في مجال تطبيق "الوسائط المتعددة" التي يعتبر هذا المتعامل أول من أدخلها إلى سوق الهاتف النقال في الجزائر عام 2004، وهو التطبيق الذي استطاع جذب أكثر من 2 مليون زبون إلى يومنا هذا، وفق معطيات المؤسسة المشار إليها دائما. وعندما يشير مسؤولو "نجمة" إلى أن المؤسسة تؤكد، من جهة أخرى، التزامها في تعزيز بروز صناعة محتوى "منتوج بالجزائر"، فذلك لكون صناعة المحتوى المحلي في مجال الخدمة المشار إليها سيكون محددا رئيسيا في نجاحها، وخدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال لا تقتصر، كما قد يعتقد البعض، على تحميل الأفلام والأغاني أو حتى تلقي الرسائل الإلكترونية فيما بين المشتركين، على اعتبار أن الأنترنيت ذي التدفق العالي هو "روح" الجيل الثالث من خدمة الهاتف النقال، بل إن الخدمة تمتد إلى أوسع التطبيقات الممكنة عندما يتوفر المحتوى الملائم الذي يحمل طابعا محليا، حيث يمكن من خلالها أيضا اعتماد الدفع الإلكتروني والحصول مثلا على مواعيد القطارات كما يحدث في الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في مجال تطبيقات خدمات الهاتف النقال. رهان الأسعار: بين كلفة الاستثمار وفارق الاستعمالات هناك مسألة أخرى ذات أهمية كبرى تتعلق بخدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال، وهي المسألة المرتبطة بالأسعار التي سوف يتم تطبيقها في السوق من أجل حصول الزبائن على هذه الخدمة.. ويؤكد جوزيف جاد الرئيس المدير العام لمؤسسة "نجمة"، في حوار أدلى به لموقع "كل شيئ عن الجزائر"، مؤخرا، أن الأسعار بخصوص الجيل الثالث من خدمة الهاتف النقال، التي سوف تسمح بالحصول على الأنترنيت وفق تدفق عال وسريع، لن تعرف أية ارتفاع وأنه لن تكون هناك تكاليف إضافية لدخول الجيل الثالث من الخدمة، حيث ستبقى الأسعار هي نفسها سواء على صعيد الاشتراك الشهري للأنترنيت اللامحدود أو بخصوص الاستعمالات اليومية، وفق تصريحاته دائما. وعدا هذه التوضيحات التي أدلى بها جوزيف جاد بخصوص الأسعار، فقد أبدى ممثلو ومسؤولو المؤسسات الأخرى العاملة في مجال الهاتف النقال، تكتما شديدا على الأسعار التي سيتم تطبيقها بخصوص هذه الخدمة بحجة "مقتصيات المنافسة" وبحكم أن "الوقت لم يحن بعد" من أجل الإعلان عن الأسعار التي سيتم تطبيقها للحصول على الخدمة. ويأمل مدير الاتصال في "جيزي" أن يكون الجيل الثالث من خدمة الهاتف النقال في متناول الجميع، مشيرا إلى أن المؤسسة التي ينتمي إليها ستقدم، في هذا الإطار، أحسن العروض الممكنة من خلال معادلة بطرفي السعر والنوعية، أما محمد صالح دعاس مستشار المدير العام في "موبيليس" مكلف بالإعلام والعلاقات العامة، فهو يرى أن الأسعار التي سوف يتم تطبيقها في الخدمة ستتراوح حسب الاستعمال الذي يحصل عليه الزبون من ناحية أن الحصول على خدمة "الإيمايل" لن يكون مثلا في مستوى التحميل من حيث الأسعار، كما قال، حيث ستكون هناك "اشتراكات تستجيب لكل الاستعمالات" وفق ذات المصدر الذي يؤكد أيضا أن السلطات العمومية قامت بجهود جبارة من أجل تخفيض قيمة الحصول على رخصة الجيل الثالث من خدمة الهاتف النقال عندما حددت القيمة المالية للحصول على الرخصة ما بين 30 و50 مليون أورو، وهي القيمة التي تقل كثيرا عن تلك التي تم دفعها خلال الحصول على الرخصة الأولى في مجال الهاتف النقال، قبل سنوات، والتي فاقت ال 700 مليون دولار. ولا تلتقي هذه التطمينات كثيرا مع ما أكده أحد المختصين في المجال ل "الجزائر نيوز"، فضل عدم الكشف عن هويته، عندما يشير إلى أن قيمة الرخصة الخاصة بالحصول على خدمة الجيل الثالث من الهاتف النقال تبقى مرتفعة وأن ذلك سينعكس، ولو في البداية، على الأسعار التي لن تكون، حسبه، في متناول المواطن متوسط الدخل.