أنهت "لجنة الخمسين" المكلفة بإعداد دستور انتقالي جديد في مصر، مهامها بالتصويت على البنود التي يتضمنها الدستور الجديد، إيذانا لتسليمه إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور للموافقة عليه وتحديد موعد للاستفتاء الشعبي. ومثلت قضايا، "حظر الأحزاب الدينية، وامتيازات المؤسسة العسكرية ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية" أبرز العلامات وأكثرها إثارة للجدل في مسودة الدستور الجديد الذي يتم عرضه اليوم (الثلاثاء) على رئيس الجمهورية. وكان أعضاء "لجنة الخمسين" المكلفون بتعديل الدستور، الذي أقر في عهد مرسي وتم تعطيله إثر عزل هذا الأخير في يوليو، قد وافقوا مساء الأحد على كافة بنود المسودة. وأبقت المسودة النهائية للدستور على نص أدخله الرئيس الراحل أنور السادات ومعمول به منذ عام 1980 ويؤكد أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". وتضمنت المسودة بندا ينص صراحة على حظر الأحزاب الدينية، إذ يقول "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني". وكان هذا مطلبا أثارته الأحزاب والأوساط الليبرالية بعد فوز جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية بنحو 60 بالمئة من مقاعد البرلمان المصري وانتخاب الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان رئيسا للجمهورية. وقال عمرو موسى لوكالة فرانس برس إن أي حزب "يمكن أن تكون له هوية دينية، ولكن عليه احترام القوانين والدستور والدولة المدنية المصرية". وكانت الأحزاب الدينية، وأولها حزب الوسط، من أول الأحزاب التي صرح القضاء المصري بتأسيسها بعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت الرئيس حسني مبارك بعد حكم دام 30 عاما. وتعكس المسودة قوة وسيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد الأمور في مصر بعد الشعبية التي حازت عليها عقب قيام وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس محمد مرسي إثر مظاهرات عارمة مطالبة برحيله في 30 يونيو. وكانت شعبية المؤسسة العسكرية قد تراجعت أثناء فترة حكم المجلس العسكري لمصر بعد تنحي مبارك في فبراير 2011 وحتى تسليم الحكم إلى مرسي في يوليو 2012. وعلى عكس ما كانت تطالب به القوى السياسية إبان ثورة يناير، تزيد مسودة الدستور من الامتيازات التي يتمتع بها الجيش حاليا. فطبقا للتعديلات، يشترط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على اختيار وزير الدفاع خلال فترتين رئاسيتين كاملتين من وقت التصديق على الدستور. ولا تشير المسودة إلى كيفية عزل وزير الدفاع أو الجهة التي تملك سلطة عزله. وتنص المادة 234 على تعيين وزير الدفاع بالاتفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. كما تعطي مسودة الدستور لموازنة الجيش حصانة من الرقابة المدنية، إذ حصرت مناقشتها بمجلس الدفاع المدني المكون من 14 شخصية، بينهم ثمانية عسكريين. وتسمح المسودة أيضا للجيش بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وهو بند كان موجودا في الدساتير السابقة ويعارضه بشدة الناشطون المدافعون عن الديمقراطية. لكن مسودة الدستور الجديد تحدد الجرائم التي يمكن أن يحاكم بمقتضاها المدني أمام المحاكم العسكرية. وحصلت المادة المثيرة للجدل، التي قرأها رئيس اللجنة وطلب التصويت عليها خلال جلسة علنية، على تأييد 41 عضوا في اللجنة، بينما عارضها ستة أعضاء، وامتنع عضو واحد عن التصويت. وتنص المادة على أن "القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، ويختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة، ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على منشآت القوات المسلحة أو معسكراتها أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمالهم الوظيفية".