يعتزم نائب برلماني مساءلة الوزير الأول عبد المالك سلال، عما إذا كان نائب وزير الدفاع وقبله وزير الدفاع المنتدب ووزير الخارجية، أعضاء في الحكومة التي ينسق نشاطها.. هذا السؤال التاريخي الذي بدأ التفكير في توجيهه جديا للوزير الأول في شكل سؤال شفوي، يعد سؤالا تاريخيا في سيرة السلطة التشريعية منذ استقلال البلاد. أما سبب التفكير في طرحه أن مساعدي وزير الدفاع منذ تنصيبهم في الحكومة ومعهم وزراء الخارجية، لا ينزلون للرد على أسئلة نواب الشعب الشفوية امتثالا للدستور، بل أدى تجاهل الوزراء المذكورين لتلك المساءلات إلى خرق دستوري غير مسبوق، تمثل في رد الوزير المنتدب للدفاع سابقا، عبد المالك قنايزية عن سؤال شفوي، برد كتابي، وهو ما يُعتبر دوسا صريحا للحذاء الخشن على الدستور حسب النائب فيلالي غويني.. ما اعتبره نواب احتقارا للسلطة التشريعية والشعب معا.. "الجزائر نيوز" حقّقت وغاصت في ثنايا سنوات طويلة من مقاطعة أهم قطاعين وزاريين للرد على النواب وجاءت بهذه الحقائق.. يقول إطار سامي رفض الكشف عن هويته ويشتغل بإدارة البرلمان للعقد الثاني على التوالي، بأن ظاهرة مقاطعة البرلمان من طرف وزراء السيادة ليست جديدة "ولكن مسكوت عنها فقط"، ثم يضيف بأنه "لا ترتبط مقاطعة الأسئلة الشفوية بنائب أو وزير منتدب للدفاع الوطني أو وزراء الخارجية على مر الحكومات، بل ظهرت المقاطعة ما ما كان يُعرف في بداية الألفينات بقدوم الوزراء مزدوجي الجنسية إلى الحكومة مثل عبد اللطيف بن آشنهو لما كان وزيرا للمالية وشكيب خليل على الطاقة وحميد تمار على الاستثمار". ويسرد محدثنا رواية سرّية يرويها لأول مرة وهي أن شكيب خليل لم يكن يشأ أن يقابل النواب أو يجلس معهم على طاولة واحدة، وكان في كثير من الأحيان يُرسل أمينه العام أو مستشاريه لعرض مشاريع قوانينه أمام لجنة الطاقة بالبرلمان، وكان يرفض النزول للرد على الأسئلة الشفوية ما جعله من الوزراء النادر رؤيتهم في البرلمان ما عدا في جلسات الافتتاح والاختتام البروتوكولية، وينقل الإطار السامي أيضا عن عبد اللطيف بن آشنهو وزير المالية سابقا أن قوانين المالية كانت تتطلب في بعض الأحيان عقد جلسات داخل اللجنة البرلمانية المختصة حتى بأيام عطلة الأسبوع من أجل الاقتصاد في الوقت لصالح المناقشة عندما يكون قانون المالية بالغ التعقيد وغزير الجديد، "وتمديد الجلسات في اللجنة أو خلال المناقشة أمر عادي، خاصة وأن قانون المالية هو القانون الوحيد المطلوب مناقشته في مدة زمنية محددة المتمثلة في 75 يوما إجمالا، 45 يوما منها كحد أقصى بالمجلس الشعبي الوطني، إلا أن عبد اللطيف بن آشنهو كان يعطل مناقشة القانون بنهاية الأسبوع لأنه قال بأنها أيام يخصصها للسفر إلى الخارج كي يعيش مع أولاده ليعود منع بداية الأسبوع، في إشارة إلى أنه غير مضطر لمنح الدولة من أيامه.. كانت الكواليس السياسية تدعو يومها وزراء مزدوجي الجنسية بالوزراء المتعاونين أي شبه الرسميين، رغم إدارتهم لوزراء سيادة. لكن طرح بعض نواب اليوم يختلف ومشكلتهم ليست مع جنسيات الوزراء، بقدر ما هي مع أسلوب لا يتوانون في وصفه بالعنجهي والمحتقر للبرلمان ونواب الشعب. خلال بحثنا عن مزيد من المعطيات حول هذا الموضوع، يُفاجئنا النائب عن حركة الإصلاح الوطني فيلالي غويني الذي يقضي عهدته الثانية تحت قبة البرلمان، بملف يقول إنه غير مسبوق في حياة السلطة التشريعية المستقلة. لقد وجه فيلالي غويني في 03 جانفي 2013 سؤالا شفويا لعبد المالك قنايزية للوزير المنتدب المكلف بالدفاع الوطني أي قبل تنحيته من الحكومة الأخيرة مضمونه بسيط ولا يمت بصلة لأسرار الدولة أو ما شابه، ويتعلق الأمر "باستمرار تأخر تسوية الملفات على مستوى مكاتب الإحصاء والتجنيد". يقول النائب فيلالي غويني إن دواعي طرحه للسؤال كانت لقاءاته مع شباب من ربوع الوطن يشتكون في كل مرة من وضعياتهم غير المسوية عبر مكاتب التجنيد التي ينتمون إليها، خاصة المودعين لملفات الإعفاء من الخدمة الوطنية، وكانت تلك الملفات تتعلق بمصير آلاف من الشباب الذين تشترط عليهم مسابقات التوظيف وثيقة تُثبت الوضعية القانونية لهم إزاء الخدمة الوطنية. ويقول النائب فيلالي إنه أعقب هذا السؤال، بسؤال شفوي آخر بتاريخ 22 جانفي للوزير ذاته، حول "تزايد عمليات التهريب عبر الحدود"، مستدلا برقم مرعب لتدفق المخدرات عام 2012 والذي بلغ حسب ما جاء في السؤال 48 طنا. واعتقادا منه بأن الوزير المنتدب للدفاع آنذاك سينزل عاديا للرد على أسئلة عادية، "أتفاجأ لورود رد كتابي من وزارة الدفاع على السؤال الأول الخاص بتسوية ملفات الشباب للخدمة الوطنية". ويضيف فيلالي "لقد أصابني دوار في رأسي وساورتني الشكوك حول الشكل الذي أوردت وفقه سؤالا للوزير عبد المالك قنايزية لأنني أعلم علم اليقين بأن القانون والدستور يلزمانه بالرد على السؤال الشفوي برد شفوي ينزل بموجبه أمام النواب". ولكن بعد أن اطلع النائب على النسخة الأصلية التي بحوزته، تأكد أن سؤاله أُرسل شفويا، "ولكن برغم ذلك تملكتني الشكوك أكثر وراح ذهني يُفكر فيما إذا كان السؤال قد تم تزوير شكله على مستوى سجل البرلمان من الشفوي إلى الكتابي لتبرير شكل رد الوزير المنتدب للدفاع المخالف للدستور والقانون، لأتفاجأ بأن سؤالي مسجل بسجل المجلس الشعبي الوطني كما أوردته أي شفويا". تفيد المادة 133 و134 من الدستور بأنه "يُمكن أن يوجه أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو للحكومة ويكون الجواب عن السؤال الكتابي، كتابيا، خلال أجل أقصاه 30 يوما ويتم الإجابة عن الأسئلة الشفوية في جلسات المجلس". ويُعلق النائب فيلالي على هذه المادة بأنها فتحت المجال أمام أعضاء الحكومة في التمادي في فتح المدة الزمنية على مصراعيها للرد على الأسئلة الشفوية، وقد يُعلق الرد لسنوات وقد لا يجيب الوزير وإن انتهت العهدة التشريعية أو تغيرت الحكومة "وهذا إجهاز حقيقي على آليات الرقابة التي يملكها الشعب على الحكومة". وأردف قائلا "الوزراء ينتقون الأسئلة الشفوية عندما يكونون بحاجة إلى تمرير رسائل سياسية للرأي العام أو جهات أخرى ويمتنعون عن الرد على أخرى تخص قضايا الساعة ويُراهنون على عامل الوقت لتجاوزها ووأدها". سبق ل "الجزائر نيوز" وتحدثت مع المستشار الإعلامي السابق بالمجلس الشعبي الوطني، موسى صيودة وقال بأنه "عن طريق عملية حسابية بسيطة تجد أن بارتفاع عدد نواب المجلس إلى 462 عضو، وطرح كل واحد منهم عشرات الأسئلة للوزراء، يُصبح الطاقم الحكومي في حاجة إلى أكثر من عهدة تشريعية للرد عليها جميعها، وهو الأمر الذي ينبغي أن يُراعى فيه أيضا الأجندة والنشاطات الحكومية وإلا يصبح لزاما على الحكومة التفرغ للرد على الأسئلة فحسب دون مهامها الأخرى". هذه الرواية يرد عليها النائب فيلالي غويني بقوله "إن هذا التصوير حالة مستحيلة ولم يحدث أن وقع في تاريخ البرلمان، بدليل أنه على سبيل المثال فقط منذ الجلسة الأولى للعهدة الماضية لقد تم تسجيل أقل من نصف النواب الذين طرحوا أسئلة شفوية طيلة العهدة التشريعية السادسة ومنهم من طرح سؤالا واحدا طيلة العهدة كاملة، وبالتالي هذه الحسابات ما هي إلا مبررات تضعها الإدارة لإيجاد منفذ للحكومة كي تتملص من الإجابات على نواب الشعب"، ويزيد "ثم هل كل الأسئلة استعجالية حتى يضطر الوزراء الرد عليها جميعها، فهناك أسئلة مرتبطة بالظرفية وأخرى بالاستعجال ثم أن وزير العلاقات مع البرلمان موجود كي يرد بدل الوزراء، لكنهم لا يفعلون عندما يتعلق الأمر بأسئلة مهمة خاصة في الدفاع والخارجية"، واصفا تصرف الوزراء الأوصياء على هاتين الحقيبتين السياديتين "بأنها احتقار وعنجهية إزاء النواب والشعب، ويرون أنفسهم بأنهم أناس لا يُسألون عما يفعلون وفوق القانون". بالنسبة للخضر بن خلاف عن جبهة العدالة والتنمية "النظام الداخلي للمجلس أصبح لا يواكب النظام التشريعي وما زال فيه كثير من الخلل، فهو مثلا يتحدث عن رئيس حكومة ونحن لنا وزير أول، أيضا مسألة فتح النقاش لا يوجد آليات عكس النظام الداخلي لمجلس الأمة"، مضيفا "إن فتح المدة أمام الأسئلة الشفوية أمر مقصود، مثل الحواجز المزيفة التي يضعها مكتب المجلس الذي يقبل ما يريد ويرفض ما يريد من أسئلة"، وأعطى بن خلاف مثالا هاما عن سؤالا يخص الدبلوماسية وهو طرحه لسؤال شفوي يخص "فتح المجال الجوي أمام القوات الجوية الفرنسية لتدخل عسكري في مالي، إذ سألت عن مدى احترام الإجراءات القانونية خلال منح هذا الترخيص، وهو سؤال لا إجابة له إلى اليوم حتى عن طريق وزير العلاقات مع البرلمان". وأردف "لقد عرفنا في البرلمان وزراء فوق العادة مثل زياري في الصحة سابقا وحراوبية في التعليم العالي، إذ كانوا يترفعون على الرد على أسئلة النواب، وهناك من الوزراء من لا توجه لهم الأسئلة أصلا مثل الدفاع والخارجية وامتنعت شخصيا عن توجيه أسئلة إلى وزيري الدفاع والخارجية لأنني أعرف الرد مسبقا". والحل في نظر لخضر بن خلاف "أريد أن أوجه مستقبلا سؤالا شفويا للوزير الأول لكي يشرح لنا هذا الموضوع سأقول له فيه هل وزير الدفاع أو ممثلوه في الحكومة ووزير الخارجية هم أعضاء في الجهاز التنفيذي أم لا، كما ينص عليه دستور البلاد". من جهته، اتهم الطاهر ميسوم مكتب المجلس الشعبي الوطني بعرقلة الأسئلة التي وجهها إلى وزيري الدفاع والخارجية بخصوص تحديد تاريخ تعويض معاشات متقاعدي الجيش للأول وبخصوص الشاب الذي اعتقلته السلطات المغربية وهو في منافسة رياضية رسمية ممثلا للجزائر، دون أن تحميه دولته. وقال النائب ميسوم "وجهنا عدة أسئلة إلى وزير الخارجية والدفاع ولكن المشكل في مكتب المجلس الذي يتصرف وفق سلطة تقديرية لإرسال الأسئلة إلى الوزراء المعنيين، لكن الأسئلة لا تزال بدون أجوبة منذ بداية العهدة التشريعية السابعة". أما حزب الأغلبية البرلمانية، جبهة التحرير الوطني، فتقول على لسان بهاء الدين طليبة، نائب رئيس الغرفة السفلى في تصريح ل "الجزائر نيوز"، "إن هذا ليس إشكالا كبيرا، فالسلطة التشريعية جعلت آليات مرنة للرد على أسئلة النواب الشفوية، تتمثل في وجود وزارة قائمة بذاتها هي وزارة العلاقات مع البرلمان وهي تتكفل بالرد على أسئلة زملائنا كلما استلزم الأمر". ويضيف بهاء الدين طليبة نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني "إن المهام الكثيرة والكبيرة لوزراء الدفاع والخارجية هي السبب الرئيس الذي يجعل المسؤولين نادرا ما يظهرون أمام البرلمان". كان عبد المالك قنايزية الوزير المنتدب للدفاع على عكس نائب وزير الدفاع الحالي يحضر بشكل دوري جلسات البرلمان وسط باقي أعضاء الحكومة، مستمعا لتدخلات النواب في المناقشة، لكنه لم يظهر يوما على المنصة يخطب فيهم ردا على أسئلتهم رغم توجيه الأسئلة الشفوية له، وكان الوزير المنتدب السابق من الوزراء الذين لا يقترب منهم الصحافيون مهما بلغ النقاش أوجه حول الوضع الأمني داخل أو خارج الجزائر.. فكأن الصحافيين يعلمون بقانون غير مرئي وغير معلن لا يسمح باقترابهم من ممثلي المؤسسة العسكرية داخل البرلمان، فمنذ 10 سنوات لم تظهر صورة واحدة لوزير منتدب للدفاع في عهدتين تشريعيتين على صفحات الجرائد وهو يتكلم أمام ميكروفون أو عدسة كاميرا.. كان يخرج اللواء عبد المالك قنايزية إلى بهو البرلمان بغرفتيه وسط أمواج من الصحافيين الذين ينقضون على الوزراء من كل حدب وصوب، بينما تراه يمشي وسط ذلك التهافت بثبات متأكدا بأن المؤسسة العسكرية لا تسمح لأي صحفي الاقتراب منه لتوجيه سؤال ما له.. وإذا كان قنايزية قد دخل البرلمان وفعل "فعلته" التي ذكرها النائب فيلالي غويني، وغادر البرلمان بعد تعديل حكومي، فإن نائب وزير الدفاع القايد صالح "مطالب باستدراك هذا الخطأ غير المسبوق الذي يدوس على آلية دستورية صريحة بالرد شفويا على ما بقي معلقا من أسئلتنا وبالشكل الذي يمليه الدستور لأنني لن أسحب أسئلتي". ويتمنى أيضا معظم نواب البرلمان الذين وجهوا أسئلة متعلقة بالحقيبة الدبلوماسية أن يمحو الآثار السيئة والصورة غير الدستورية التي خلفها وراءه مراد مدلسي بعدم نزوله إلى البرلمان للرد على كثير من أسئلة الشعب، عبر نوابه. بينما لم نتمكن من ربط الاتصال بمديرية إعلام وزارة الخارجية الذي يُسمى بلاني، أبدت المؤسسة العسكرية مرونة محسوسة في الرد على الموضوع، وقال مصدر عسكري ل "الجزائر نيوز" في هذا الباب "إنه لا يمكننا التطرق إلى الحديث عن تصرفات سابقة لمسؤول عسكري غادر الحكومة، أما عن الأسئلة التي بقيت معلقة قد يكون كثير منها تجاوز ظرفه الموضوعي، كما أنه لا يُستبعد مستقبلا أن ينزل نائب وزير الدفاع قائد الأركان الفريق قايد صالح إلى البرلمان". وحرص المصدر العسكري على التذكير بأن "مهام نائب وزير الدفاع غزيرة وصعبة وحساسة للغاية وتشمل ميادين كثيرة ومتشعبة تحتاج إلى عناية فائقة وسهر طويل حفاظا على أمن الدولة ومصالحها الإقليمية والدولية، وهي حاليا تقوم بها بصرامة فائقة".