امتدت الأبسطة الحمراء أمام الفنانة الكبيرة، على الجانبين، خلف الحواجز، تزاحمت جماهير ضخمة، نساء يزغردن، يمسكن بأطفالهن الصغار بأيديهن الممدودة نحو النجمة، بأمل أن يحظى الأطفال بلمسة من أنامل السيدة الجميلة التي تربعت على عرش القلوب، وكلما التفتت، بابتسامتها المشرقة، نحو مجموعة، انطلق التصفيق لها والترحيب بها·· عند بوابة دار العرض، ارتفع صوت المزامير وإيقاعات الطبول· دخلت، وكأنها ملكة، وبعد أن جلست على مقعدها، في أول صف، أطفئت الأنوار ليعرض فيلم عن مشوارها على الشاشة، مصحوبا بتعليق مكتوب بمداد المحبة· ثم، صعدت إلى خشبة المسرح، لتسلم جائزة تكريمها، وسط هتافات ومئات فلاشات كاميرات التصوير· السطور السابقة عن يسرا، صاحبة الحضور المبهج، الطيبة، التي انساقت مع مجموعة لاطمي الخدود، في سرادق العزاء الكئيب، الذي أقيم عند سفح الهرم، بلا ضرورة أو هدف، حيث ألقى الأستاذ محمود ياسين، بيانا خائبا، استعرض فيه قدراته في الأداء الذي جاء مفتعلا، متصنعا، ثم تولى الفنان حسين فهمي قراءة البيان مرتين، مرة بإنجليزية مرتبكة، ومرة بفرنسية متلعثمة، ولم يفته أن يرسم على وجهه ذلك التجهم الذي يلائم المياتم، وكما في الجنازات، تطوف الكاميرا لتلتقط بعض الوجوه المعبرة عن الحدث: مجموعة جد صغيرة، قليلة، من فنانينا، وعدد كبير من المقاعد الخالية· جاء المشهد كله، تعيسا، قاتما، مغاليا في تشكيه وتبكيه، خاصة من ''يسرا''، المكرمة، وحسين فهمي، الذي تم التعامل معه، في الجزائر، بمنتهى المحبة والاحترام، حين ترأس لجنة تحكيم مهرجان وهران، فهل كان يليق بهما المشاركة في هذه المحزنة المزيفة؟ من ناحية ثانية، واستمرارا لمسلسل التدني، كتب أحد الكتاب مقالا، يدخل في باب ''المعايرة'' يقول ''لقد نسينا ونسوا، أن المخرج الراحل يوسف شاهين هو الذي صنع لهم فيلما جعلهم في أذهان الناس، بلدا خليقا بالاحترام، لأنه حكى قصة المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد''·· هكذا، كأن شاهين هو الذي اخترع جميلة، وأنها ليست إفرازا ناصعا للنضال الجزائري، وأنها هزت ضمائر الشرفاء في كل مكان، حتى داخل فرنسا نفسها، ونسي الكاتب أن الجزائر هي التي ساهمت في إنتاج ثلاثة أفلام ليوسف شاهين: ''العصفور''، ''عودة الإبن الضال''، ''إسكندرية ليه''، كما أنها فتحت الطريق أمام خيري بشارة، حين ساهمت في إنتاج أول أفلامه، ''الأقدار الدامية'' عام .1980 من ناحية ثالثة، أعلن مطرب هرب من التجنيد، أنه لن يغني مع وردة الجزائرية، لأنه يحب وطنه جدا، وقال مسؤول عن إنتاج سينمائي وتليفزيوني، أنه لا يحتاج للسوق الجزائرية·· لكل واحد من هؤلاء يجب أن يقال: لا تبصق في البئر، فقد تحتاج للشرب منها، مرة أخرى· عن جريدة الشروق المصرية