لا أريدُ أن أُسمّي الضحيّةَ، ليسَ احتراما للموتى وإنّما لمقتضيات أخلاقية ومهنية صرفة، لأنَّ قضيّة الحال وقعت أطوارُها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وكان بطلَها "الدونكيشوت" الصديق عامر مخلوف، المعروف بنظرته النقدية الموضوعية وصدق سريرته، وتحكّمه في أدوات اشتغاله النقدي. المعركة مرّت في صمت، لأنَّ ساحتنا الثقافية والأدبية عامة، صارت تحكمها الولاءات الشخصية والاعتبارات السطحية، إلى حدّ جعلها أقربَ إلى "الغشّ" منها إلى "المنتج الأصيل" تماما كما يحدثُ في سوق الاستهلاك اليومي لعامة المواطنين. لقد اقتنى الدكتور عامر مخلوف من المعرض الدولي للكتاب في الجزائر خلال نسخته الأخيرة، مجموعة من الكتب من مختلف التخصصات، ودأبَ على قراءتها والترويج لها عبر موقعه الاجتماعي "فيسبوك"، وأثناء عرضه البعض منها، استوقفتني قراءته إحدى الروايات، لكاتب يشتغلُ بالصحافة الوطنية، سبقَ له نشر روايته الأولى قبل سنوات. وحدثَ أن أُصيبَ الدارسُ بخيبة أمل كبيرة، وقال بحسرة ما معناه أنّه قرأَ الأثرَ الأوّلَ لهذا الكاتب، ووقفَ على جملة من الاختلالات السردية المخلّة بهذا الجنس الأدبيّ، لكنّه اعتبرَ الأمرَ عاديا لحداثة تجربة المعني، لذلك قرّرَ أن يطّلعَ على روايته الجديدة (الثانية)، ليكونَ حكمه عليها بما يتطلّبُه مقامُ النقد العلميّ البنّاء. لقد كشفَ الدكتور عامر مخلوف أنَّ الكاتب لم يتطوّر منذ تجربته الأولى، وأنّه لم يكتب في الحقيقة "رواية" كما جاء في الغلاف، وإنّما هي كتابة أقربُ إلى التقريرية الصحفية منها إلى عوالم الرواية المتشعّبة، وكشف في سياق تعاطيه مع "المكتوب" جملة من النقائص والسهولية في إنجاز العمل، فنصحَ الكاتبَ بأن يعيد النظر في "انتحاله" صفة "الروائيّ"، من باب أنّه ليسَ عيبا على الإطلاق أن يخفق الواحد في أن يصير بتلك الصفة، وليركّز اهتمامه على حقل اشتغاله في الصحافة بانتظار أن تنضج تجربته أو أن يتخلّى عنها تماما. ما لفتَ انتباهي في الموضوع، أنَّ المعني (ضربَ النّح)، ولم يُعلّق على محتوى الدراسة النقدية، وربّما اعتبرها مساسا بذاته الإبداعية العليا أو أنها من قبيل "الحسد" و«الغيرة"؛ كما امتنع الكثير من متابعي الصفحة عن التعليق خوفا على مشاعر "الضحية"، ما دفعني إلى إعادة نشر الدراسة بصفحتي وبعث النقاش حولها من جديد، فلم أجد أيَّ تفاعل، وتعمّقَ إحساسي بالبؤس لما وصلت إليه قُدرتنا على الصمت وقتل "المبادرات" البناءة، فتقمّصتُ دورَ الضحية بعد استئذانها افتراضيا وكتبت للدكتور:(شكرا لكم أستاذي مخلوف على اهتمامكم بما كتبت. لقد قرأتُ دراستكم، وإذ أشكركم على الجهد والوقت المخصّصين لكتابي، فإنّني أُثمّن كشفكم تلك الاختلالات فيما اعتبرتُه "رواية"، وأعدكم بأنّني سأتوقّف حالا عن هوسي بهذا النوع الأدبي، وأعمل بدءا من الآن على تطوير أدواتي، فإذا حدثَ أن عاودتني الرغبة بالكتابة في المجال، أعدكم أن أُطلعكم على العمل قبل نشره. فإن ارتأيتم صلوحيته للنشر، قمت بذلك وإن كانت تجربة فاشلة، فسوف أتخلّى تماما عن الأمر وأُكرّس وقتي وجهدي في عملي. ألفُ شكر لكم ودمتم صديقا عزيزا.) من يومها لم يظهر أثر لصديقي الروائي على حسابي الافتراضي، ويكونُ في أغلب الظنّ قد حظرني من قائمة أصدقائه مع أنَّ نيّتي كانت خالصة.