يتساءلُ البعضُ: أينَ هم الكتّاب الكبار منَ الحراك؟ وعلى مشروعيته، فإنَّ السؤال في غير محلّه، لأنَّ المطلوبَ من هؤلاء ليسَ التظاهر والإعتصام، وإنّما إنتاج الأفكار والقيم والرموز، تماما كما هو مطلوب منَ الصحفيين، نقلَ الأخبار والمعلومات، وليس التظاهر والتنديد، فتلك مهمّة الجموع والجماهير. فما الذي ألقى ب احميدة العياشي ومصطفى بلفوضيل وعلاوة حاجي إلى الشارع، وما الذي أودى بحدّة حزام وحسان واعلي وحياة سرتاح ومحمد شرشال إلى مخافر الشرطة للإستماع إلى أقوالهم في التجمهر غير (المرخّص)، وليس في مضمون كتاباتهم وأفكارهم. هنا أيضا يُصبحُ التساؤل أكثرَ من مشروع، ويتطلّب التأمّلَ والبحثَ والتحليل،لأنَّ الكتّاب والصحفيين والفنانين لم يتظاهروا من أجل قضيّة تخصُّ قطاعهم كمهنيين ومبدعين، وإنّما من أجل مسألة أسمى، تخصّ عامة الجزائريين وتتعلّق براهن البلاد ومستقبلها. ليسَ منطقيا أن نُطالبَ أمين الزاوي وواسيني لعرج ورشيد بوجدرة ومنْ همْ في حجمهم وقيمتهم الإبداعية بالنزول إلى ساحات التنديد والتظاهر السلميّ، وليسَ كذلك مطالبة عمر بلهوشات وعبروس اوتودرت ومعمر فراح وشريف رزقي بالمثل، لكن من واجب وسائل الإعلام أن تقتربَ من هؤلاء، وتنقل آراءَهم ومواقفهم ممّا يحدثُ، وأعتقدُ شخصيا في أنهم سينحازون إلى صفّ زملائهم في المهنة والإبداع، وإلى قيم الحرية والكرامة. وعلينا كذلك في هذا السياق، أن نفرّقَ من بين هؤلاء، المقيمين بإقامات الدولة الرسمية، بعيدا عن الشعب، مجاورين رجال السلطة وموظّفيها الكبار، وبين منْ يعيشون في الأحياء الشعبية معَ عامّة الناس، يرتادون نفس "المقاهي" و"المطاعم" و«البارات"، بغضّ النظر عن المقيمين في الخارج، والمالكين فيه "عقارات" و"حسابات بنكية"، تضمنُ في أيّ لحظة اللجوءَ الآمن، والعبورَ من "جهنّم" إلى "الجنّة".. ولا حسد إطلاقا. لأشخّصَ الآن المسألة، لماذا يخرجُ الروائي والمسرحيّ والإعلاميُّ احميدة العياشي إلى عراء الشارع، ويندّدُ بمشروع العهدة الرابعة واستمرارية الفساد، ولماذا تفعل كذلك الصحفيةُ القديرةُ حدّة حزام مديرةُ "الفجر"، ولماذا يكرّسُ الأيقونةُ "سعد بوعقبة" قلَمَه للغرض، وما الذي يدفعُ شاعرا رهيفَ الإحساس وأكاديميا هادئا ودقيقا مثل عاشور فنّي إلى الإنخراط في المسعى، وما الذي جاء ب«سيناريست" مبدع مثل محمّد شرشال إلى حركة "بركات"؟ ولماذا صار مصطفى بلفوضيل ناطقا رسميا لها، وكيفَ وجد علاوة حاجي نفسه مقتادا بالعنف إلى شاحنة الشرطة لحجز المجرمين في العادة، وهو يردّد عبارات الحقّ الدستوريّ في التظاهر السلميّ والتعبير عن الرأي، ولماذا كاتب من قيمة كمال قرور، برغم بعده المسافاتي عن العاصمة، ووضعه الماديّ المريح، يجدُ نفسَه في "المعمعة"؟ ولماذا يتظاهر الإعلاميّ الجزائريّ في لندن سليم صالحي أمام السفارة حاملا بين يديه "العلمَ الوطنيّ"، ولماذا لا يتوقّفُ الصحفيُّ الجزائريُّ المقيم في واشنطن، مسعود بن الربيع، عن التفاعل مع أحداث بلاده، والشعور بمآسيها كما لو كانَ معنيا مباشرة بالموضوع؟ في حين يلتزمُ آخرون كثيرون الصمتَ، ويضطرّون إلى غلق هواتفهم لتفادي الإحراج في الإدلاء بالرأي والموقف. أقول لكم بكلّ صدق، كلّ الذين ذكرتهم منْ هذا الفصيل، وهم كثيرون، يعيشونَ حياة كريمة، ولا يشربون حليبَ "الأكياس" ولا يركبون "الباصات"، ولا يخافون من فواتير "الكهرباء" و«الماء"، لكنّهم في ذات الوقت، يتألّمون لمعاشات "العار" وتدهور "الصحة" و«التعليم" و«تكميم الأفواه"، كما يرفضون أن يستمرّ استنزاف المال العام، والعبث بثروات البلاد، وعبادة الأوثان والأصنام، وعندما تقرّرُ حدّة حزام أن تعيدَ إلى الرئيس بمناسبة عيد المرأة تكريمَه لها سابقا، واعتباره غيرَ مشرّف لها، وعندما يصدحُ المخضرمُ بوعقبة في وجه الأنصار كما في وجه الخصوصم بأنَّ الجزائر "خطّ أحمر"، وعندما يصبحُ اقتياد احميدة العياشي إلى مخفر الشرطة كلصّ دجاجة، لا حدثا.. ويُحاكم رسّام كاريكاتوريّ على "صورة" لم تُنشر، وعندما تتعاطفُ قامة من رمزية الشهيدة الحيّة "جميلة بوحيرد" معَ الحراك، فتنحازُ "تروتسكية" من عيار "لويزة حنون" إلى معسكر "سعيداني" وتخرجُ منَ الرحم الدكتورة المناضلة "أميرة بوراوي"، فثمّ بالتأكيد حلقة ضائعة، تستدعي التوقّف، وطرحَ مليون ونصف المليون سؤال.