ستة وأربعون عاماً على انطلاقة أشرف ظاهرة عرفها التاريخ المعاصر، أربعة عقود وخامسها يشارف على الانتهاء من مسيرة نضال سالت على جوانبها الكثير من شلالات دم الحرية والعطاء، سنين طوال من التشرد والمعاناة والاضطهاد قاساها شعبنا في الوطن والشتات وتوجت بانطلاقة أكبر ثورة في عالمنا المعاصر، وكانت مدرسة لحركات التحرر العالمية، وميداناً لتدريب وتطوع آلاف من أحرار العالم بأجناسهم المختلفة··· وكان أول الرصاص، انطلقت الرصاصة الأولى معلنةً بذلك بداية مرحلة جديدة من كفاح الشعب العربي الفلسطيني بانطلاقة الثورة وكفاحها المسلح لاسترداد حقوقها المسلوبة من قِبل كيان مُصطنع اسمه ''إسرائيل''، كما أخذت منظمة التحرير الفلسطينية تأخذ طابع البيت الواحد للشعب الواحد وتوِّج هذا كله ونتيجة طبيعية لمحصلة نضال ثوارها بأن تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني· كل ذلك وضع فلسطين على الخارطة السياسية والجغرافية للعالم، وبدأ الحديث عن شعب فلسطيني شُرِّدَ قهراً عن دياره، بدل الحديث عنه كمجموعة من المهاجرين بلا عنوان سابق أو لاحق واستمر النضال الوطني الفلسطيني وبقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وطليعتها ورأس حربتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني ''فتح''، والتي قدمت آلاف الشهداء والأسرى على مذبح الحرية، وكان الزعيم الخالد الراحل شيخ الشهداء ومعلم الثوار أبو عمار، الرجل الذي وهب حياته للثورة والوطن والشعب، وكان الزعيم والقائد والأخ والأب، هذا الوالد الذي كان النوم يتسلل إلى جفنيه خلسة، سرعان ما كان ينهض هذا المارد مستيقظاً، ناهضاً مفكراً مهموماً بآلام شعبه، طامعا بتحقيق آمال هذا الشعب، الشعب الذي يستحق الحياة على الأرض التي من أجلها يرخص الموت، وتحلى الحياة، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة· عرف بل أيقن أبو عمار، ومنذ البدايات، بحتمية انتصار الثورة، وأن النصر آت لا محالة، وأن هذا النصر يتطلب الصبر، وبُعد النظر، ووسع الأفق، وكان زعيمنا وأبانا أبا عمار صاحب قدرة وبصيرة ليرى الأمور على حقيقتها· وبعد الخروج البطولي من لبنان للثورة الفلسطينية وتشتيتها في بقاع الأرض، وانطلاقة الانتفاضة الأولى المجيدة، وبتحول العالم إلى قطب واحد مع سقوط وانهيار الإتحاد السوفيتي متزامناً مع ضغوط مورست عالمياً ومن قِبل بعض الأنظمة العربية، كان لا بد لمن يتمتع بهذه الصفات ببعد نظر ثاقب كأبي عمار أن يجد طريقاً آخر بجانب الكفاح المسلح، ويسلك أقرب الطرق التي تؤدي إلى أرض الوطن، فكانت اتفاقيات أُسلو وما تبعها من اتفاقيات مع الملاحظات العديدة على هذه الاتفاقيات من ''فتح'' وخارجها وباقي فصائل العمل الوطني، إلا أن كان هَم أبو عمار أن يصل للوطن وأن يجد له ولرفاقه موضع قدمٍ على هذه الأرض التي حلم هو ورفاقه بالعودة إليها، وكان له ما أراد، وبدأت معالم الدولة الفلسطينية بالظهور تدريجياً برغم كل العقبات التي كان يحاول الاحتلال أن يضعها في طريقه، وبدأ القائد بوضع اللبنات لبناء مؤسسات الدولة رغم تواضعها، وبدأ المواطن الفلسطيني يُحس بمعنى المواطنة وبدأت تتبلور لديه طابع هويته الوطنية· وجاءت انتفاضة الأقصى بعد زيارة شارون المشؤومة للأقصى، ورَفض أبو عمار التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية لا يقبلها زعيم بحجم أبو عمار والذي وعد شعبه بدولة فلسطينية مستقلة بحدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدسالشرقية، ولا أقل من ذلك، فبدأ مسلسل حصار أبو عمار ومن ثم قتله، واستشهد أبو عمار ثابتا قابضاً على الجمر، محافظاَ على الثوابت التي عرفناها منه وتعلمناها عنه، استشهد القائد الأب المعلم، ولم ينته المسلسل إلى هنا، بل ذهب بعيداً ودخلت حماس لعبة الانتخابات بعد أن تخلصت من رموزها المقاومة، وبدأت حماس ومنذ فوزها في الانتخابات عام 2006 بتدمير المشروع الوطني وتوجته بانقلابها الدموي على الشرعية واختطفت غزة رهينة لأطماعها الفئوية لتشكيل وتأسيس إقامة ظلامية مسخ· لقد عملت منظمة التحرير الفلسطينية من خلال أجندة فلسطينية بحتة، ورفضت كل مظاهر الوصاية والإملاءات عليها أو على شعبنا، وأبت إلا أن تكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، غير بعيدة عن المواقف العربية التي تنسجم مع مصالح شعبنا، وليس بعيداً عن التنسيق المستمر مع أشقائنا العرب وخاصة الشقيقة الكبرى مصر، أما العمل من خلال أجندة دمشقية -فارسية، فهذا لن يُقبل· إن شعباً استطاع أن يشكل منظمة بحجم منظمة التحرير، لهو قادر على أن يقذف بهؤلاء الصغار إلى مزبلة التاريخ، وستبوء محاولاتهم القضاء على المشروع الوطني بالفشل، وسيسجل التاريخ محاولاتهم هذه كصفحة سوداء في تاريخهم، ولن يغفر لهم لا الشعب ولا التاريخ عبثهم بمقدرات الشعب والمغامرة بمصير شعب أنجب قيادات تاريخية كالقائد أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد، سعد صايل، والكمالين، وأبو الهول، والقائد الرفيق الراحل جورج حبش والشهيد أبو على مصطفى، والرفيق الثائر نايف حواتمه، والرفيق الأسير أحمد سعدات، وغيرهم كثيرين لا يسعني هنا أن أُحصيهم جميعا، إن أسماءكم محفورة بحروف من ذهب في ذاكرة شعبكم، وإنها لثورة حتى النصر·