قبلت اللجنةُ المنظّمة لجائزة نوبل ملفّ ترشيح اتحاد الشغل التونسيّ لنوبل "السلام" من ضمن منظمات وهيئات وشخصيات دولية، وفي ذلك اعتراف مسبق بالدور الكبير الذي قام ويقوم به في المشهد السياسيّ التونسيّ كقوة اقتراح وحكَم بين الخصوم السياسيين المتصارعين على السلطة، وضامن للديمقراطية واستقرار البلاد. ويكون هذا الترشيح إحدى ثمار ثورة الياسمين بما رافقها من وعي وإصرار على الحياة في كنف السلم والكرامة والحرية رغم المحاولات اليائسة لجرّ تونس إلى البداوة والعنف والدمار، وثمرة مدرسة حقيقية أولاها الرئيس الأسبق لحبيب بورقيبة كلَّ الاهتمام والعناية والتبجيل، وجعلَ من مبادئها الأساسية، تكوينَ الفرد على الشعور بالانتماء والتفاني في خدمة بلاده باعتباره رأسمالها الثابت، في غياب ثروات طبيعية كتلك التي تزخر بها الجزائر. ويكون منَ المخجل واللامعقول أن نعقد مقارنةً بين اتحاد الشغل التونسيّ ونظيره في الجزائر، مثلما تكون المقارنة عبثيةً في مجالات التعليم والسياحة والثقافة، كقطاعات يظهر فيها جليّا مدى وعي الإنسان وقدرته على صنع القيم المضافة؛ ولهذا السبب بالذات تقطع تونس خطوات عملاقة للخروج من عنق الزجاجة بعد ثلاث سنوات من ثورتها على الطغيان والفساد والتضييق، وليسَ مستبعدا أن تطوي نهائيا أزماتها السياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور، لأنَّ نخبها وشعبها ومؤسساتها ليست كيانات افتراضية وواجهاتية، وإنّما فعالياتٌ على الأرض في محكّ الواقع، تطرح الأسئلةَ الحقيقية وتقطع الخطوات اللازمة في مواضع السير بالاتجاه الصحيح. وصحافتها لا تقتات من ريع الإشهار العمومي لأنَّ رأسمالها وضمان بقائها هو القارئ والمشاهد والمستمع. الصحيفة في تونس تباعُ ب 700 مليم، أي حوالي 45 دج.. وليس بيد السلطة أيّ وسيلة للضغط على حرية التعبير والابتزاز بالإشهار العموميّ كما يحدثُ في بلادنا؛ وما تتعرّضُ له "الجزائر نيوز" بنسختيها الناطقتين بالعربية والفرنسية بعد غلق حنفية الإشهار، مؤشّر قويّ على رغبة السلطة في خنق هذه التجربة، لأنها تجرّأت على الانحياز إلى مصلحة الشعب والبلاد وليس إلى العُصبة المتنفّذة، وسوف يمتدُّ هذا الموت المبرمج إلى كلّ الصّحف التي غرّدت خارج سرب "العهدة الرابعة" وأنصار استمرارية "الفساد" وعبادة الأشخاص، كما لا يُستبعد أن يُعاقبَ كلّ "المشاغبين" منَ الجزائريين الأحرار، الذين عبّروا عن رفضهم خلود جماعة معيّنة في الحكم، والاستئثار به، وخنق كلّ الأصوات المناوئة لهم، واعتبارها إرهابية وجاحدة وعميلة للخارج. لا أدري كم منَ الوقت ستصمد الجريدة، وماذا سيكون مصير عشرات العاملين فيها من صحفيين وتقنيين وغيرهم، لكنَّ الأكيدَ هو استحالة الاستمرار بدون "سيروم" الإشهار، وهو عقابٌ جماعيّ شبيه بالذي كانت تقوم به فرنسا الاستعمارية ضدّ الأهالي المساندين للثورة والمجاهدين؛ غير أنَّ التاريخ أثبت في كلّ محطاته، أنَّ طريق الظلم والاستبدادا مسدود، وكلّما تعاظم قربت نهايته؛ وليسَ أدلَّ على هذا من جبهة الرفض التي تتسع من يوم لآخر، وتكبر مثل كرة الثلج، وأنَّ الحراك الحاصل ضدّ الأسياد الجدد من رجال المال الفاسد والأباطرة سيؤتي ثماره حتما؛ ولا يُعقل أنَّ جزائر ثورة التحرير من الطغيان، سترضى بأن يؤول مصيرها إلى جماعة مصالح متخصّصة في نهب ثروات البلاد وإنتاج الفشل والإحباط وخنق الأنفاس والتضييق على الحريات والتنكيل بالحقوق الأساسية للإنسان. أمّا الكائنات التي تدور في هذا الفلك منَ المنتفعين الصغار والكبار، ومن عبدة الأشخاص وأوثان المرحلة فتستحقُّ بدورها جائزة نوبل للانبطاح و"الشيتة"، وسوف تجلب لنسلها الخزي والعار تماما كما جلبَ "الحركى" لأبنائهم وأحفادهم المذلّة والمهانة. الحاصل أنَّ جيراننا في تونس يخرجون بصعوبة من النفق المظلم، ولكن بثبات وإصرار ويقطعون يوميا خطوات نوعيةً بالاتجاه الصحيح، فيما يتجبّر أسياد الجزائر ويتشبتون بمنطقهم المغلوط في اعتبار أمن البلاد واستقرارها مرتبطا ببقائهم في السلطة، وأنّهم أصحابُ فضل في حصائل الفشل الذريع الذي يعتبرونه نصرا؛ وهي حالة من العمى المؤدي إلى الاصطدام بحائط الواقع. فمبروك لاتحاد الشغل التونسيّ ترشيحه لنوبل "السلام" ومبروك لمركزيتنا النقابية اصطفافها إلى المطبّلين والمزمّرين والراقصين في الزفاف غير الشرعيّ بالجزائر لعريس الجماعة المريض المزمع دخوله عليها اليومَ.