دخلت أخبار عدد الضحايا والمصابين في كلّ من سوريا ومصر، مرحلة "اللاعدّ" أو مرحلة "اللاخبر" إن صحّ التعبير، ما ينبئ بدخول "الثورتين" إلى متاهة يصعب تحديد مخارجها، في الوقت الذي تراجعت فيه أخبار الفوضى في تونس، موازاة مع أحاديث عن دخول الإصلاحات فيها مرحلة التجسيد، ما يعني أن هناك اختلافا استراتيجيا بين "الحركات التغييرية" في مصر وسوريا من جهة وتونس من جهة أخرى. قبل أسابيع قليلة، كتبت في هذه الزاوية "ألا خوف على تونس"، واستشهدت بحديث للمحامية والناشطة التونسية، راضية نصراوي، التي قالت إنه "لا خوف على تونس من فوز حزب النهضة، وإن على التونسيين أن يبقوا فطنين، لأن فوز النهضة في الانتخابات الأخيرة ليس معناه صك على بياض، فهي في حال ما تراجعت عن وعودها وحاولت المساس بالحريات، فإن الشعب التونسي الذي ملأ الشارع للإطاحة ببن علي سيخرج مرة أخرى للإطاحة بالنهضة".. وأجدني اليوم أكثر اقتناعا بما ذهبت إليه نصراوي، مع إضافة معطى آخر أجده أكثر تأثيرا على مسار الأحداث المتسارعة في الدول العربية المذكورة، وأقصد بذلك، مسألة تورّط الجيش في اللعبة السياسية في كل بلد. الفرق بين ثبات خطوات التغيير في تونس وتعثرها في كلّ من مصر وتونس حتى الآن، هو أن الجيش التونسي خرج منذ البداية من المعادلة، ولم يتدخل في الشأن السياسي التونسي لا من قريب ولا من بعيد، وأن الساسة التونسيين وقادة حركة التغيير السلمي فيها، استطاعوا بالفعل أن يصلوا إلى صيغة تفاهم مشترك جعلتهم يتفقون على مسار معين للمرحلة الانتقالية. على عكس الشأن المصري، أين أصبح المجلس العسكري في مصر طرفا في معادلة الصراع على السلطة، وبذلك فقط ثقة الشعب الذي بات يتعامل معه كندّ وليس كشريك، في الوقت الذي تتصاعد فيه أيضا أصوات السوريين اتهاما للجيش السوري بالتورط في قتل المناوئين للأسد. لقد وضع العسكر في مصر قدميه في خانة التصنيف، تحت مسمّى "الولاء للقبّعة"، أما العسكر السوري فقد وزّع قدميه على ضفتي الصراع على الحكم في سوريا، قدمٌ مع الأسد وأخرى ضدّه. في حين استطاع العسكر التونسي – مع فرق الوزن طبعا – أن يترك كلتا قدميه؛ بمنأى عن التصنيف، وهو ما يجعل من "الثورة" التونسية "ثورة" مختلفة.