تعتبر رسالة الإعلام من أنبل الرسائل بما تقدمه من خدمة متمثلة في تنوير الرأي العام وإمداده بما غاب أو غُيّب عنه من معلومات، لذلك يعتبر من أهم الرهانات الواجب تحقيقها في عالم الإعلام تكريس الحق في الوصول إلى المعلومة باعتباره من أهم مبادئ الحكم الراشد، ولا يمكن أن يضطلع برسالة في هذا المستوى من النُبل إلا أناس من طينة المناضلين بحكم ما يلحق المتصدي لهذه الوظيفة من إكراه مادي ومعنوي... وتاريخ النضال الإعلامي حافل بالتضحيات الجسام التي قدمها رجال الإعلام المؤمنين بالرسالة من غير المقتاتين بالانتساب إليها. هذا الفعل النضالي صار غائبا في سلك المنتسبين إلى الأسرة الإعلامية بفعل بعض السلوكات التي أخذت في التوسع، سعيا وراء تحقيق الحظوة والتقرب من أصحاب القرار لتحصيل مكاسب مادية وأخرى معنوية، فيلاحظ تهافت أصحاب الأقلام على إجراء المقابلات الصحفية مع هذا وذاك وهم يعلمون أنه ليس هناك ما يخشاه المسؤول بقدر خشيته من أن تشير إليه الصحف بالسوء فيُسكت هذا المراسل بمنصب وذاك بخدمة والآخر بهدية و ... وحتى المراسلين الهواة أتقنوا لعبة الابتزاز على المستوى المحلي فصاروا يسعون إلى تحقيق ليس أقل من الوضع تحت التصرف وإعفائهم من مهامهم الأصلية التي تتنوع بين أعوان أمن أو أعوان إدارة بسطاء أو حتى رجال تعليم يطلبون تفريغهم من وظائفهم الأصلية فتُجاب طلباتهم خوفا من سلطة أقلامهم، فيصبح شغلهم الشاغل البحث عن عثرات المسؤولين لابتزازهم في صورة ليس هناك أسوأ منها، مما أعطى صورة نمطية مشينة عن السلوك الإعلامي المشوب بالخلفية الاستغلالية... أما واقع الإعلام اليوم كمؤسسات وفق ما يظهر أن ساحته مقسمة بطريقة تظهر مدى البعد عن الإيمان بالخط الافتتاحي المنتسب إليه، لذلك نجد بروز ظاهرة التجوال الإعلامي محاكاة لما يحدث في التجوال السياسي لدى الأحزاب، فنجد الكثير من الأقلام المعروف منها والمجهول يتنقل تبعا لمصلحته الضيقة أو تبعا لما يدرّه عليه الوضع الجديد بعيدا عن الاتجاه الفكري المبني عن تفكير عقلاني بحتمية هذا التحول، فما أصاب الحقل السياسي من ألغام يبدو أن الحقل الإعلامي ليس ببعيد عنه وهو مصاب بنفس الأمراض من الانقسام والاستنساخ والتبعية والتحرك وفق أجندات مرسومة ومحددة بحيث لا يمكن التحرك خارج الخطوط الحمراء مهما ادعت بعض العناوين استقلاليتها، وإلا قُطع عنها الحبل السري المربوطة به ممثلا في توزيع المادة الإشهارية بمنطق الولاء والبراء، وليس هناك أي تفسير منطقي لحصول عناوين معيّنة على أكثر من نصف عدد صفحاتها كمادة إشهارية طاغية على محتوى المادة الإعلامية التي هي أصل الفعل الإعلامي، وفي المقابل هناك الكثير من العناوين الإعلامية كان سبب توقفها حرمانها من الإشهار بسبب توجهها الذي لا يعترف بالحدود الإقليمية، ومعلوم أن الارتباط بين العمل الإعلامي المحترف والمال ارتباط وثيق، لذلك يطرح المنشغلون بالهم الإعلامي ضرورة التخلص من هذه الأحادية القطبية حتى تستطيع المؤسسات الإعلامية تحقيق استقلالية حقيقية وليس مجرد استقلالية صورية عنوانها " جريدة ........ يومية وطنية مستقلة " وهي في حقيقة الأمر تعرف أنها ليست مستقلة بل تابعة لعصب تحكم قبضتها على دواليب الإشهار. وما يطرح بحدة قبل المطالبة بالإسراع في إصدار قانون السمعي البصري هو فك هذا الارتباط الذي يرهن أي نوع من الاستقلالية و يجعل المشهد الإعلامي صورة مكررة للصحافة الورقية الموصولة بحنفية الإشهار والتي لا تملك في حقيقة الأمر إلا المساحة المسموح بها، عندئذ يمكن لأصحاب المهنة المطالبة بقانون الحق في الحصول على المعلومة وحتى قانون تجريم من يتكتم عنها ولو بداعي واجب التحفظ.