الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد
الأمة العربية
الأيام الجزائرية
البلاد أون لاين
الجزائر الجديدة
الجزائر نيوز
الجلفة إنفو
الجمهورية
الحصاد
الحوار
الحياة العربية
الخبر
الخبر الرياضي
الراية
السلام اليوم
الشباك
الشروق اليومي
الشعب
الطارف انفو
الفجر
المساء
المسار العربي
المستقبل
المستقبل العربي
المشوار السياسي
المواطن
النصر
النهار الجديد
الهداف
الوطني
اليوم
أخبار اليوم
ألجيريا برس أونلاين
آخر ساعة
بوابة الونشريس
سطايف نت
صوت الأحرار
صوت الجلفة
ماتش
وكالة الأنباء الجزائرية
موضوع
كاتب
منطقة
Djazairess
الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي
وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر
تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية
تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية
اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات
رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر
جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية
إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025
رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة
بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا
وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع
وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية
فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة
توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية
لصوص الكوابل في قبضة الشرطة
تعليمات جديدة لتطوير العاصمة
عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!
رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا
فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة
التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة
الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها
بوغالي في أكرا
محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً
صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات
شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات
تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج
السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة
حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع
الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة
تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية
مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو
رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي
إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة
غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل
اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"
لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة
مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"
السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل
توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار
4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز
سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل
الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪
رياض محرز ينال جائزتين في السعودية
شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر
العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري
"الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان
وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا
هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟
الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان
أدعية شهر شعبان المأثورة
حشيشي يلتقي مدير دي أن أو
صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا
المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية
العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة
الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة
قِطاف من بساتين الشعر العربي
عبادات مستحبة في شهر شعبان
تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
أشْلاَءُ حُلْمٍ... تَلاَشَتْ خَلْفَ التِّلاَلِ..!
محمد الصغير داسه
نشر في
الجلفة إنفو
يوم 27 - 07 - 2014
1- وَأنَا عاَئِدٌ مِنَ الْجَلْفَةِ إِلَى الْبِيرِينِ، تَوَقَفْتُ فِي مَدِينَةِ {حَاسِي بَحْبَح} الْمِضْيَافَةِ اسْترَحْت فِيهَا اسْتِرَاحَة مُسَافِرٍ، وغَادرتُهَا عَصرًا عِندْمَا صَفَا الجوُّ واعتدَلَ، وهبَّت نَسَائِمُ الصَّيْفِ مُنْعِشَةً تُدَاعِبُ الْجُفون، وَتَحْمِلُ ألَقاً تُضَارِعُه ألْوَانُ السُّهُوبِ القزَحِيَّة، يمَّمْتُ وَجْهِي شَطرَ مَدِينَةَ {حَدِّ الصَّحارِي} عرَّجْتُ عَلى السَّبْخَة وَبُرْجَ الْحَمَّام، دَخلتُ المُنْعَرجَات وَالشَّمْسُ تَلِجُ مَخْبَئِهَا خِلْسَة تَارِكةً خَلفَهَا احْمِرَارًا، النَّهَارُ يَسْحْبُ بسَاطَ أنوَارِهِ، ليتوَارَى خَلفَ أسْوَارِ الغابَاتِ والصُّخُورِ، تَنْتفضُ الطيُورُ عَلى ذُرَى الأشْجَار وأغْصَانِهَا جَذَالَى تَنْتَشِي بهَذا السُّكُونِ، تبْدَأُ حَرَكَةُ الكَائِنَاتِ رَاكِضَة صَاخبَة تَظْهَرُ وَتَخْتَفِي، وأنَا أسِيرُ فِي هَذَا الليْل الدَامِسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، مُتدثرًا بألوَانِ الجِبَال السَّمْرَاءَ، والمُسَافرُ صَيْفًا فِي هَذِه البرَارِي يَقرَأ في خَطوَاتِه أحْدَاثَ الأرْضِ وأَخبَارَهَا، ويَسْترْجِعُ الذِّكْريَاتِ الْعَذبَة، وَأحْيَاناً يَسْكنهُ هَاجِسُ الخَوْف؛ الطرِيقُ يَتلَوَّى فِي ارْتَفَاعٍ وانْخِفَاضٍ، الدُّرُوبُ مِن حَولِي مُوحِشَة، السَّمَاءُ مُكتَظةٌ بالنُّجُومِ المُتلألئَة، ولاَ غَيْمَة فِي الأفُقِ، وَأنَا أسْرَحُ فِي هَذا الفَضَاء وَحِيدًا.
أتوَغَّلُ فِي تِلك الشِّعَابِ والْمُنْخفَضَاتِ بِبُطْءٍ.. يَالَهُ مِنْ مَشْهَدٍ جَمِيلٍ سَاحِرٍ..! لَكِن مَاذَا يندَسُّ في الْعَتَمَةِ؟ أنَا لاَ أُصَدِّقُ..! إنِّي ألْمَحُ امْرَأةً..أجَلْ.. امْرَأةٌ غَريبَة، تَكُونُ قَدْ فقَدتْ عِيَّالهَا أو هُم فقدُوهَا، تَجْلسُ القرْفُصَاء عَلى قارِعَةِ الطرِيق، تَمدُّ يَدَهَا مُتودِّدَة مُتلطفَةً، أسْألُ نفْسِي مِنْ أينَ جَاءَت؟ وأينَ هِيَّ مُتوجِّهَةً ؟ ليْسَ هُناك مَنازِلَ وَلاَ سُكَان فِي هَذَا الْعَرَاءِ، آلَمَنِي المَنْظرُ واسْتدْعَى كُلَّ نَوَازِعِي.
توَقفتُ بَعدَ تردُّدٍ، والْفَضَاءُ يَتلفَّعُ خَوَاءً أكْبرَ، سَألتُها: من تَكُونِين يَا امْرَأَة؟ كيْف وصَلتِ إلَى هُنَا؟ مَاذا تُرِيدِينَ؟ كُنتُ حَذرًا مِنهَا ومِمَّا يُخفِيه الظلاَم، رَفَعَتْ صَوْتَهَا جَاهِشَةً بالبُكَاء، مُتَذَلِلَّةً تَسْتَعْطِفُنِي، رَحَل العيَّال وترَكُوهَا هُنا وحِيدَة، إنَّهَا جَائعَة وخَائِفَة، اعْمْل مَعْرُوفًا يَاهَذَا..رجَاءً خُذْنِي مَعَك..أشْفَقتُ عَليْها ولِنْتُ لطلبِهَا، فتحْتُ لَهَا البَابَ فَرَكِبَت، ولمَّا اسْتَوَتْ جَالِسَة أفرَجَتْ عَنِ أَنْيَابٍ مُلَوْلَبَةٍ وابْتسَامَةٍ شَاحِبَةٍ.
2- ومَا إنْ تَحرَّكَت السيَّارَةُ حَتَّى فَاضَ جَسَدُها عَلى المَقعَدِ كُلهِ وغَطاه، تدَلَّت أطرَافُهَا كَسَتَائِرَ خَيْمَةٍ؛ امْتَدَّ صَدْرُهَا ليَصِلَ الزُّجَاجَ، مَالَ ثَدْيُهَا نَحْوي ليُغَطِّي لوحَة القيَّادة، نهْدَاهَا تُلاَمِسَان الْمِقْوَدَ، تَنَاثَرَ شَعْرُهَا الطوِيل وَقَذَفَتْ بِهِ إلَى الْخَلْف؛
تَتلاَحَقُ أنفاسُهَا شَخيرًا وزَفِيرًا وَغَمْغَمَة كَالأَنِين، وفِي ثَغْرهَا بَريقُ ابْتسَامَةٍ، أحسَسْتُ بِارْتجَافٍ فِي قَلْبِي وازْدَادَ نبْضُه، كَانَتْ تَقتَرِبُ مِنِّي أكْثرَ وَأنَا ابْتَعِدُ.. أشُمُّ فِي نَحْرِهَا رَائحَةَ الأعْشَابِ الجَبَليَّةِ، جَسَدُهَا كُضُرَام نَّار يَلتَهِبُ، أشْعُر بالرُّعْبِ يَكتسِحُنِي، أتظاهَرُ بالصَّبرِ وَعَدَمِ اللاَّمبَالاَة؛ أقَاوِمُ زَحْفَهَا بِكلِّ مَا أتِيتُ مِنْ قُوَّة، لمْ يَكُنِ الأمْرُ سَهْلاً، وليْسَ فِي إمْكَانِي فِعْل شَيْءٍ، كَانَ الْمَشهَدُ مُقزِّزًا يُثِيرُ فِي النَّفْسِ قَرَفًا.
تتَوقَّفُ السَيَّارَة، يَعْلُو أَزِيزُهَا، يرْتَفَعُ صَوْتِي بالدُّعَاءِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَبَيْنمَا أنَا عَلى هَذِه الحَال، أشْتُمُهَا فَلاَ تَنْشَتمُ، ألُومُهَا فتضَحَكُ مُقهْقِهَة، تَتمَادَى في إزْعَاجِي، وَجَاءَ شَيخٌ عَجُوزٌ يَتَجَرْجَرُ فِي اسْمَالِهِ كَشَبحٍ قادِمٍ مِن عَالَم الأَمْوَاتِ، يَحْمِلُ قِرْبَةَ مَاءٍ تَنْبَعِثُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْقَطَرَانِ؛ يَجُرُّ عَصَاه، يَسْتوْضِحُ الأَمْرَ بْسُؤَالٍ عَجِيبٍ:أتَعْرفُ مَن تَكونُ هَذِه الْمَرَأَة؟! كَيْفَ تَتَجَرَأُ أنْ تَأخُذَ زَوْجَة غَيْرِكَ؟ أَجَبْتُهُ بِغَضبٍ وانفِعَالٍ: لوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَا تَرَكَهَا هُنَا، تَبًا لَكَ ولامْرَأةٍ لا تَخْجَلُ من تصَرُّفاتِهَا العَابِثَة، ولنُكْرَانِهَا الْجَمِيل، ابْتلعَ رِيقَهُ وضَحِكَ مِلْءَ حُنْجَرَتهِ، وَقَالَ: قَدْ تَكُونُ كَلِمَاتِي قَاحِلَةً لاَ تُعْجِبُكَ، وَلَكِنْ سُتُعْجِبُك إنْ تدبَّرْتَ الأَمْرَ، لَيْسَتِ الْبَرَاكِينُ وَحْدَهَا تَثُورُ..هَهَهْ..مِنَ النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ شَرَفهُ، لاَبدَّ أَنْ أُخْبِرَكَ وَأَنَا لَكَ نَاصِحٌ أَمِينٌ، الإنْسَانُ ضَعِيفٌ لا يُمْكِنُهُ أنْ يَكُونَ وَحِيدًا فِي مَكَانٍ مَهْجُورٍ وَقَدْ قِيلَ { الرَّفِيقُ قَبْلَ الطَّرِيقِ} إنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ مِنْ أُولَئِكَ الصَّعَالِيك الَّذِينَ يَفْتَرِشُونَ الْعَاصِفَةِ، اللَّيْلُ مُخِيفٌ يَا وَلَدِي وَلاَ بُدَّ مِنَ الْحَذَرِ، إليْكَ قَدَحًا مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ الزُلاَل لترْوِي ظَمَأَكَ، اسْتَأنَسْتُ بِهِ وَقد انْدَلَقَ إلَى سَمْعِي اعْتِذَارٌ كَالرَّجَاءِ، ألتَفتُ مُنْتَبِهًا وإذَا بِالسيِّدَةِ يَلوحُ عَلى شَفَتيْهَا شَبَحُ ابْتسَامَةٍ بَاهِتَةٍ وهِيَّ تقُولُ: بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُونَ قلوبًا ليسَتْ لَهُم فِي الأَصْل، وَأوْرَاقُ أسْئِلتِهم تَحْتَرِقُ فِي غَيْرِ طَائِلٍ، هَذَا الشَّيْخُ مِنْهُم، أخَذَتْ تَنْزَلْقُ فِي بُطْءٍ مِنْ مَكَانِهَا وَتَعْتَذِر، فَجْأةً تَخْتَفِي وكأنَّ الأرْضَ ابْتلَعْتهَا.
3- وإذَا بِفتَاةٍ شَقرَاءَ فَاتِنة الجَمَالِ، سَامِقَةً الطُّولِ عَذبَة الصَوْتِ، تَجْلسُ مَكَانَهَا وتُحيِّينِي بِلُطفٍ، وَأخْرَى فِي المَقعَد الخَلفِي تَتَحَرَّكُ بجسَدِهَا الرَّشِيق وَصَوْتهِا الشَجِيِّ الآسِر، إنَّهَا فَتاةٌ سَمْراءَ رَهيفَة القلْبِ، مَليحَة الْعَيْنَيْنِ، فَفَزعْتُ أسْألُ: مَاذَا يَحْدُثُ؟ ارْتجَفَتْ نَشْوَةُ البوْحِ فِي دَاخِلي، كَلمَات مُلتحِفَة بالصَّبر واللِّينِ، ويَندَلِقُ الْبَوْحُ شَلاَلاً، لم يَكنْ يَخْطُرُ ببَال أنْ ألتقِي بِفتَاتيْن كًنْتُ تَخَيَّلتهُمَا ذَاتَ مُنَاسَبة سَرْديَّة، ورَافَقتهُمَا في رِحْلة البَحْثِ عن وَطنٍ، كَانتْ مَطَارِقُ الحَيَاة تَنْهَلُ عَلىَ رأسَيْهِمَا {ومَن رَأَى السَمَّ لا يَشْقَى كَمَنْ شَرِبَا} قالتْ الأُولَى أنَا فَاطمَة الشَّاميَّة، التِي كَانَتْ ولا تَزَالُ تبْحَثُ عَن وَطنٍ ضَائِعٍ، ألا تَذْكُرُ ذَلِكَ ؟ بَلَى.. قَالَتِ الثَّانيَّة إنَّهَا مَرْيَمُ الْمَاليَّة الَّتِي خَطفُوهَا ذَاتَ تَارِيخٍ، وَعَادَتْ إلى بَيْتِهَا لتَسْتأنِفَ رِحْلة البَحْثِ عَنْ مَأوَى، ابْتسَمَ الشَّيْخ وَقَالَ مَازِحًا: أزوُّجِّكَ بهَاتيْن الْفَتَاتيْن، قُلتُ: أنَا مُتزوَّجٌ، وأشحَتُ عنه بِوجْهي مُسْتَنْكِفًا، اسْتَرِقُ النَّظرَ إلَى الْفتاَتَيْنِ، وأنَا مُعَجَبٌ بِذَلاَقَةِ لسَانَيْهِمَا، هَمَسْتُ إليَهِمَا كأنِّي أعْرفُهُمَا: مِنْ أيْنَ جِئْتُمَا؟ والَى أيْنَ تنْوِيَّان الذَّهَابَ؟ جَالَ الشَيْخُ بِعَيْنَيْه الْمُرْهَقَتَيْن وَقَالَ: الانْسَانُ فُضُولِي بِطَبْعِهِ؛ دَعُونِي ارْحَلْ..انْجَلَتْ الصُّورَة.. وَللتَوِّ اخْتفَى..!
قَالَتْ الفتاةُ الشَّامِيَّة: خَرَجْنَا لتوِّنا من مَقَابِر تُشبِهُ هَذِه، وأشَارَتْ إلَى مَقبَرَة {المَقسَم} المَهْجُورَة، والتِي لاَ تَبْعُدُ إلاَّ بِضْعَة اذْرُعٍ مِنْ مكَان تواجُدِنَا، ثُمَّ نَكَّسَتْ رَأسَهَا مُتَشَبِثَة بالصَّمْت هُنيْهَة، وكأنَّهَا تعْزِفُ ترَانِيم الوَجَع، وَتَنْفُخُ في جَبَرُوتِ الْغَضَبِ، وَهِيَّ تذْرِفُ سَيْلاً من الدُّمُوع وَتَصْرُخُ: كُنَّا نَحْلمُ بالعَوْدَة إلى أوْطانِنَا بعْدَ أنْ هَجَرْنَاهَا مُكْرَهِينَ، ولِلأسَفِ تنَاثرَت أحْلاَمُنَا المَقتُولة بَيْن الشُتَاتِ والمَلاَجِئ، ومَا بَقِيَّ لنَا مِن أمَلٍ طوَاهُ النِّسْيَانُ، سَكنَّا الْمَقَابِرَ هَربًا من جَحِيم الحُرُوب الظالمَة، ومِن عِصَابَاتِ المَوْتِ الجَائعَةِ المأجُورَةِ، تِلْكَ الَّتِي تُحَارِبُ بِالوَكَالَة،وَتَبِيعُ الأَوْطَانَ.. إيه..أبْنَاءُ الشَّام مُشرَّدُون مُعذَّبُونَ ضَائعُونَ هَائمُونَ فْي تِطوَ افِهِم بَيْنَ المَلاجِئ والمُخَيَّمَات؛ مِثلَ أغْصَانٍ تتقاذَفُهَا أمْواجُ البَحْرِ، مَجْدُ الآبَاءِ مُغتصَبٌ مُعَفَّرٌ بالتُرَابِ، وَنحْنُ نَشْكُو وَجَعًا لمَنْ لا نَرْجُو عِنْدَهُ الْبُرْءَ.
4- تَتنَهدُ مَريَم وهي تبْكِي بِحُرْقَة، وَمِنْ هَوْلِ بُكَاءِ الْبُكَاءِ بَكَيْنَا؛ وبِصَوْتٍ خَافِتٍ: تَقَولُ نَحْن نمُوتُ في اليَوم أكْثرَ مِن مَرَّة، قلوبُنَا تَتَمزَّقُ بَيْنَ الحِرْمَانِ ونَارِ الغُربَة، وتحَرَّكَت في مُقْلتَيْهَا دُموعٌ تَلمَعُ كَاللُّجَيْنِ يَسْتوطنُهَا التَوَتُّر، تَصْرُخُ فَاطِمَة وَالْفُؤَادُ وَلُوعٌ: هَذَا ابْتِلاَءٌ وَظُلمٌ مُبِينٌ! ألمْ يَأن لحِكَايَة الرَّبِيعِ الْعَرَبِي أنْ تنَامَ كمَا نَامَتْ حِكَايَاتٌ مُلفَقَةٌ مِن قبْل.؟
فجْأة أقبَلَ أَطْفَالُ غَزَّةَ أفوَاجًا مُتلاحِقَةً، وَهُم يحْمِلُونَ الْحِجَارَةِ فِي يَدٍ وَفِي الْيَدِ الأُخْرَى الرَّايَاتِ الْخَضْرَاء وَيَنْشُدُونَ، وصَدَى صوْتُ إنشَادِهِم يترَدَّدُ بَيْنَ ثنَايا الجِبَال والرَّوَابِي، والنِسَاءُ خَلْفَهُم مُتلفِعَاتٌ بلبَاسٍ أبْيَضَ، تُهدْهِد مَشَاعِرهُنَّ أقدَامٌ غَضَّة، يَمْشِينَ علَى اسْتِحْيَاء، والحُزنُ لا يَعْرفُ إلاَّ لُغَة الأحْزَان، فسَألتُ مُتعَجِبًا: وأيْنَ الرِّجَالُ؟ رَفعَت فَاطمَة عَقِيرَتَهَا وَقَالَت: هُمْ السَّبَبُ ..! هَلْ القَذَائِفَ وَالبَرَامِيلَ الْمُتَفَجِّرَةِ أبْقَتْ شَيْئًا؟ لقدْ خَسفَتْ بهِم وبالدِيَّار وَلَمْ تَتْرُكْ إلاَّ النِّسَاءَ وبَعْضَ الأَطفَال فِي الْمَلاَجِئ هِيَّام.
أفْجَعَنِي الْمَشْهَدُ فارْتَشَفْتُ الرُّعْبَ مَفْزُوعًا،أُفْرِكُ عَيْنَيَّ وَأَحُثُّ جَسَدِي عَلَى التَحَرُّكِ، وَالْكَلِمَاتُ تَتَنَاثَرُ يَكْسُوهَا الانْكْسَارُ.
حَمِدْتُ الله أنَّ مَاحَدَثَ لِي مُجرَّد حُلم، وَجَدْتُ سَيَّارتِي قد انْحَرفتْ كَثَوَرَاتِ الْعَرَبِ، ولحُسْنِ حَظي نَجوَتُ؛ أصْلحَتُ العَطبَ، وَتسمَّرتُ في مَكَاني مَشدُوهًا، أبَلِّل عَيْنَيَّ بمَاء الْغَبَشِ، وصَمْتَ الْمَكَانِ لا يَخْدَشُه سِوَى عَوَاءُ الذِّئَاب، فَيَا لِلْهَوْل مَا ذَا أسْمَعُ وأرَى..؟!
إنَّهَا تَقِفُ مِنْ حَوْلِي مُتَرَبِّصَةً..أجَل.. مُتوَثبَة، إنَّهَا ذِّئَابٌ مُكَشِّرةً عَنْ أنْيَابٍ كَالمَنَاشِير، وَذِي أفَاعِي تجُوبُ المَكانَ وتَتَهَيَّأ لفِعْل شَيْءٍ، لا رَيْب أنَّهَا ترِيدُني.. أجَلْ.. فَلاَ وَقْتَ للانْتظَار والترَدُّدِ، ارْتمَيتُ بسُرْعَة البَرْقِ مُتَخَنْدِقًا فِي مَقصُورَةِ السَيَّارَة وأوْصَالِي ترْتَعِدُ، اسْتأنفُ السَّيرَ وأنَا أحْتَلِبُ البَوْحَ، و أشْلاَءَ حُلْمِي تَتَلاَشَى خَلْفَ التِّلاَلِ.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
شِعريارُ أَو قَلبُ العَقربِ ...سِيرةٌ شعريَّةٌ -مقاطع-
الرقية الشرعية .. أحكام.. وأقوال .. وأفعال
الرقية الشرعية .. أحكام.. وأقوال .. وأفعال
آداب الطريق
هل هناك إسراف مذموم في الصدقة؟
ارْتِبَاكات..!
أبلغ عن إشهار غير لائق