رواية "سييرا دي مويرتي" ل "عبد الوهاب عيساوي" هي مثل المدينة التي سرعان ما نندمج فيها ونسكن اليها وتزول فيها وحشة الغربة رغم أننا قد زرناها لأول مرة. فحتى وان تعددت الدواعي حول حلولنا بتلك المدينة، وحتى وان كان الباعث قاسيا قساوة النفي الى حيث مستقر البرد على ربوة صخرية ... فإن لتلك "الرواية-المدينة" السحر الذي يبدد كل تلك القساوة ليصهر داخل "السور- النص" كل تلك المتناقضات ويجعل منها فسيفساء يومية تأبى الا أن تكون خالصة. كل الشخصيات التي تلتقيها في "الرواية - المدينة" تحدثك عن نقمتها على الأماكن وشعوب تلك الأماكن ... مانويل ناقم على اسبانيا ... الأمير الكمبودي ناقم على مملكة كمبوديا وعلى الشعب الذي لم ينتفض معه ... بابلو ناقم على كل شيء الا المجحودة التي فر اليها ... المعتقلون الفرنسيون والروس والبولونيون لا يُستثارون الا عندما تأتي اللجان القنصلية ولكنهم سرعان ما يعودون الى العيش بطريقة عادية يلعبون الدومينو ويحضرون القهوة من نوى البلح أو يزاولون العمل في تنظيف المدينة ... وكأن الجميع قد اندمجوا بسرعة في منفاهم الى جلفا حيث توجد آخر نقطة للقطار نحو الجنوب. يقول عبد الوهاب أنه اشتغل كثيرا على استقراء الأماكن والوثائق التاريخية وكل ما كتب عن معتقل "عين الأسرار" ... فلو كان غير "عبد الوهاب" قد فعل ذلك لكان قد أثّث روايته من المعتقل وجعل حدود زمكانها داخله. فالعمل الروائي عند عبد الوهاب من خلال "سييرا دي مويرتي" هو نوع من الثورة والتمرد على المكان الأصلي لأحداث الرواية لينقلها الى فضاءات أرحب ... فنجد "دحمان السلمي" يستقبل "مانويل" في دكانه ويعطيه متنفسا جديدا ... وتجد "أحمد الصبائحي" يستقبل "مانويل" في خيمته ... وتجد "الرابي يعقوب" يأخذ "كورسكي" الى عالم آخر غير عالم المعتقلات حيث يمارسان طقوس الديانة اليهودية ... وتجد مدير المعتقل "باروش" يأخذ الأسرى الى أمكنة أخرى تحكي قصة الصفقات التي كان شريكا فيها كمصنع الآجر ورغم بشاعة الاستغلال الا أن ذلك يبقى نوعا من أنواع التنفيس اليومي. ان شخصيات "الرواية-المدينة" تبدو وكأنها اتفقت على توزيع الأدوار بينها من باب التضامن والتفريج عن الآخر ... انه التضامن الخفي والعميق الذي يتسرب الى أفئدتهم عبر أحداث الرواية. انه سحر جلفا في رواية "سييرا دي مويرتي" ... تجعلهم يكفرون بديانتهم هناك ويستكشفون عوالم ايمانية جديدة هناك في الصحراء حيث "الله قريب جدا من الناس" ... مانويل ينقم على الكنيسة التي تركت الجمهوريين لوحدهم في مواجهة فرانكو ... الكل ناقم على كل شيء الا على جلفا ... في نهاية الرواية يتأكد لنا عشق الأسير "مانويل" لجلفا وتفضيله لها على اسبانيا ... لأن روحه التي "تأسف وهي تعلم أنها ستضيع في العالم ، غير قادرة على دخول اسبانيا" ... جلفا تزداد وحشة مع رحيله ... والوجهة هي المكسيك ...