من «إنجازات» الإحتلال الخارقة في العراق أنه تمكن من خلال سياسة «فرّق تسد» التي ينهجها المحتلون في كل زمان ومكان من تأجيج النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية وتفتيت نسيج الشعب العراقي بين طوائف ومذاهب وجماعات متباينة، لكل جماعة أهداف ومصالح خاصة، ولكل جماعة أيضا مليشيات مسلحة وحتى سجون سرية تحجز وتعذب فيها من تعتبرهم خطرا عليها دون المرور عبر جسر العدالة... ما إن سقطت بغداد في التاسع أفريل من عام 2003 حتى سُنّت السكاكين وأخذت تمزق وحدة الشعب العراقي، وطفا إلى السطح «وباء» الطائفية الذي ينمو ويتكاثر عادة في الأجواء المتعفّنة التي يخلقها المحتلون عمدا، وتطايرت مع مرور الأيام والسنوات شظايا الشعب العراقي إلى طوائف متعددة همّ كل واحدة هو كيف الاستفادة من الوضع الجديد لانتزا أهم المواقع السياسية حتى لا نقول أهم قطعة من «الكعكة» العراقية المسيلة للعاب وما تدرّه هذه المواقع من مزايا مادية يهون في سبيلها ما قد يدفعه عامة الشعب من ثمن باهض... لقد تسبّب الاحتلال عن قصد من خلق واحدة من أكبر المعضلات التي نتابع اليوم فصول إعاقتها للعملية السياسية وعرقلتها لمسار العودة بالعراق إلى الاستقرار وقبل ذلك إلى الإستقلال، وها هي الطائفية والمذهبية ترهن الانتخابات التي جرت منذ ما يقارب الشهر وتكاد تنسفها بعد أن أصرّ كل مترشح ومشارك فيها بأنه الأحق بالفوز، ليتأكد بأن دروس الدعم والتقوية التي قدمها المحتلون للزعامات العراقية فيما يخص أبجديات الديمقراطية والتي من بينها القبول بالهزيمة لم تأتِ بنتيجة... وها هو كل واحد من صنا المشهد السياسي العراقي يصرّ على أنه الأحق بالفوز، ومن ثم بتشكيل الحكومة القادمة، وقد خلق هذا الموقف الشاذ والغريب والمحبط حالة من «الفوضى» والتوتر وتصاعد التهديدات من هذا الطرف والآخر تبدو مسدودة الأفق بين من يدعو إلى إعادة الفرز ومن يدعو إلى إعادة الانتخابات كلها ومن يلوح بعصا التدويل ومن يحتمي بالسفير الأمريكي في بغداد الذي تقول العديد من الجهات بأنه الحاكم الفعلي في بلاد الرافدين، ليظهر في النهاية بأن المذهبية والطائفية تكاد تعصف بهذه الانتخابات وتجهض هذه التجربة الديمقراطية التي كان يعول عليها كثيرا، ومن المؤكد أن تظل الطائفية تغذي نزعة الفرقة والخلافات في العراق، مما يوحى بأن استعادة العراق لاستقراره السياسي والأمني لن يكون غدا ما لم تسار مختلف الزعامات إلى وضع انتماءاتها الطائفية جانبا والتركيز على الانتماء للوطن الواحد، ومن ثم تجاوز خلافاتها واختلافاتها وتوحيد جهودها لخدمة العراق والشعب العراقي الذي ظل طول سنوات الاحتلال السبعة يدفع الثمن الغالي، وقد حان الوقت للتوقف عن العبث بأمنه ولقمة عيشه وسيادته