الإهمال وضع المجتمع بين فكّي حوت أزرق ومتاهة لعبة «مريم» أصبح أطفالنا في السّنوات الأخيرة رهينة ما تقدّمه التكنولوجيات الحديثة من تسلية وترفيه، ما جعلهم مدمنين حقيقيّين لها، فتراهم أينما توجّهت مطأطئي الرّؤوس، غير مبالين بما يحدث حولهم معزولين بتلك السّماعات التي فصلتهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عن العالم الواقعي، وحوّلتهم إلى مجرّد أعداد افتراضية في العالم الرّقمي. «الشعب» جمعت لكم في هذا الاستطلاع آراء المواطنين حول هذا الموضوع الذي يصنع الحدث هذه الأيام. سرقت منهم سحر طفولتهم «جميلة بن دالي»، أمّ لأربعة أطفال، كان لها رأيها الخاص في الموضوع وقالت: «التكنولوجيا الحديثة سرقت من أطفالنا طفولتهم وكل الأحلام التي تصنع حلاوتها وتميزها، سلبتهم في غفلة منهم ومن الأولياء تفاؤلهم وبراءتهم، التي أصبحت تنتهك بمواقع إباحية في متناول من يريدها مهما كان سنه، والأدهى والأمر أن كل ذلك يحدث بمباركة الأولياء الغير مبالين بالنتائج المدمّرة لمثل هذا الانغماس التكنولوجي والرقمي على شخصية أطفالهم التي تتطور في محيط غير ملائم يجعلها غير سوية ما يؤدي إلى بناء جيل كامل عاجز عن إعطاء الإضافة المنتظرة للبلد مستقبلا». وأضافت «جميلة» قائلة: «لن أحصر الخطر في لعبة الحوت الأزرق التي زادها التّهويل شهرة وفتح أعين الأطفال الذين لم يكونوا يعرفونها، ما أثار فضولهم وجعلهم يتسابقون للتعرف عليها عن قرب ما سيكون له آثارا وخيمة في الأسابيع المقبلة. وهنا يجب أن نتساءل عن سر هذا التهويل الذي عرفته هذه اللعبة رغم أننا ومنذ سنوات نعلم أن إدمان الإبحار في الأنترنيت يسبب الاكتئاب لدى الطفل أو المراهق قد يصل إلى درجة الانتحار، لذلك لم يكن الحوت الأزرق سوى لعبة من كل تلك الألعاب الافتراضية التي تقود أطفالنا إلى الموت، سواء في أرض الواقع أو افتراضيا، فالتعامل اليومي مع الموت من خلال تلك الألعاب العنيفة التي يكون فيها الصغير أمام أعداء يتوجب عليه أن يقطع رؤوسهم، وأن يفرغ رصاص رشاشه في جسمه حتى يُبقي على حياته، وهذا كما يعلم لمبدأ أعتبره لا يتوافق مع التعاليم الدينية التي نُربّي عليها أبناءنا، هو مبدأ البقاء للأقوى وليس للأصلح، ما سيساهم في تدمير مجتمع بأكمله مع مرور السنوات، لذلك علينا أن نحذر من تلك الألعاب الالكترونية التي أخذتنا إلى عالم نجهله تماما». «محمد ساسي»، 35 سنة، سألته «الشعب» عن الموضوع قائلا: «الألعاب الالكترونية على اختلافها خطر حقيقي على الطفل، والعالم الافتراضي إن لم نجعل له حدودا في حياتنا سواء صغارا كنا أم كبارا سيكون له أثر قاتل على كل ما نعيشه كإنسان بصفة عامة وكفرد في المجتمع خاصة وأن اغلبها يوصل صاحبها إلى متاهات افتراضية تدخله في حالة من الحزن والانعزال عن العالم والمحيط الذي يعيش فيه، لذلك علينا ألا نحد من رؤيتنا المستقبلية ونحصرها في لعبة الحوت الأزرق التي عرفت تهويلا كبيرا رغم أن الخطر موجود منذ سنوات طويلة». واستطرد «محمد» قائلا: «غيّرت الألعاب الالكترونية الكثير من تفاصيل حياتنا التي كانت تصنع بهجتها وسعادتها، فقد أخذتنا إلى عالم يعيش فيه الفرد وحيدا منعزلا يحتاج إلى كثير من العنف ليبقى حيا. ومن منّا لم يجلس مع أصدقاء مشغولين بشاشة هاتفهم الذّكي؟ وكم منّا من شخص وجد نفسه يعاني السّكون والرّكود في عائلة مليئة بالأطفال، فعوض سماع ضحكاتهم وخطواتهم في البيت أصبح الصمت هو السائد في الكثير من منازلنا، فمن الصّغير إلى الكبير الكل منهمكون في قتل الأعداء الافتراضيّين بكثير من الدموية والعنف». المراقبة المستمرّة أنجع الحلول أما «رياض شايع»، 45 سنة، فقال: «لا أستطيع تفهّم السّبب الذي جعل الجميع يتحدّث عن أخطار الإدمان الافتراضي خاصة على الأطفال، فالعلماء والدّراسات أكّدت منذ سنوات طويلة الأضرار المنجرّة عن مثل هذه الألعاب الالكترونية التي عرفت رواجا كبيرا وسط الصّغار والمراهقين، فعلى الرغم من الفوائد التي عددها مخترعوها إلا أن سلبياتها اعتبرت مدمرة للفرد والمجتمع بصفة عامة، خاصة وأنّها تفقده الكثير من الروابط الاجتماعية والإنسانية التي تكون ركيزة أي مجتمع يبحث عن التطور والرقي، فمعظم الألعاب المستخدمة من طرف الأطفال والمراهقين ذات مضامين عدائية تؤثّر عليهم في مختلف مراحل نموهم، فعندما نفحص هذه الألعاب الالكترونية نجدها تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم دون وجه حق، ما يجعلنا نتأكد أنّها تعلّم أبناءنا أساليب ارتكاب الجريمة بدم بارد وكذا فنونها وحيلها ما يؤدي إلى تنمية مهارات العنف والعدوان من خلال التعود عليها بممارستها المستمرّة». وعن دور الأولياء في الحد من خطورة هذه الألعاب على أبنائهم، قال «رياض»: «الألعاب الالكترونية في وقتنا الحالي أصبحت بمثابة خطر يهدد مستقبل براءة أطفالنا وتوازن شخصيتهم، خاصة وأنها ذات طابع يتميز بالعنف والانحلال الأخلاقي لأننا في كثير من الأحيان نجد الطفل أمام خيارات إباحية تستغل فضوله وجهله من أجل إغراقه في محتواها ومضمونها الذي ينتهك طفولته. كل هذا يجب أن يجعل الأولياء أكثر حذرا من ذي قبل لأنها كما رأينا كانت السبب في انتحار الكثير من الأطفال، لذلك تعد الرقابة الأبوية الحل الناجع لإبعاد صغارنا عن الخطر، ولن يكون ذلك بمنعهم عن الألعاب ولكن بإعطائهم حرية في لعبها مع تتبّع خطواتهم، وتحديد مدة اللعب حتى لا ينحصر اهتمامهم فقط في هذا العالم الافتراضي المتغوّل».