تقدم الطرائف الفكاهية صورة واضحة حول ما كان يدور في مجالس الخلفاء والملوك في شؤون الحياة اللاهية وغير اللاهية، وهذه الطرائف بنكهتها الأصيلة وبيئتها الحضارية، تبرز أجواء عصرها بعضها من نسج الحيال الذي لا يقبله عقل. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن الموضوع بالتفصيل، ولكن من المفيد تقديم النماذج التالية: 1) كان الخليفة المقتفي باللّه يطوف بالكعبة عندما لفت نظره شاب يتحدث إلى فتاة جميلة الوجه فقال له: إتق اللّه في هذا المكان قال الشاب: واللّه يا أمير المؤمنين إن هذه الفتاة هي ابنة عمي وأعز الناس عليّ، غير أن أباها رفض زواجي منها لفقري وفاقتي. فقد طلب مني 100 ناقة و100 أوقية من الذهب ولم أقدر على ذلك، طلب الخليفة أباها ودفع له ما اشترطه على ابن أخيه ولم يقم من مقامه حتى عقد له عليها ثم عاد إلى مقر الخلافة وكان قد نذر على نفسه ألا ينشد شعرا وإذا أنشد شعرا عليه عتق رقبة عن كل بيت.. بعد عودته دخل بيته وهو يترنم بالشعر، فقالت له إحدى جواريه أراك اليوم يامولاي تنشد شعرا فقال: أنا في قمة راحة البال أنني أعتقت خمسة من خمسة وجمعت رأسين في الحلال!! 2) كان للخليفة المأمون عامل يعرف بالجور في حكمه فأرسل له أحد أعوانه فلما قدم عليه أظهر له أنه تاجر لنفسه فأكرمه وأحسن إليه وطلب منه أن يكتب إلى الخليفة المأمون يشكو سيرته ليزداد فيه رغبة، فكر في الكتاب بعد الثناء على أمير المؤمنين أما بعد: قدمنا على فلان فوجدناه أخذا بالعزم وعدل بين رعيته وأفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة وهم يريدون النظر الى وجه أمير المؤمنين والسلام وكان محتوى الرسالة ما يلي: @ أخذا بالعزم: أي إذا عزم على ظلم أوجور فعله في الحال @ عدل بين رعيته: أخذ كل ما معهم حتى ساوى بين الغني والفقير. @ أفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة. يعني أن الجميع صاروا فقراء لا يملكون شيئا. @ يريدون النظر إلى وجه أمير المؤمنين: أي يشكون إليه ما نزل بهم، فلما وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين عزله وولى غيره. 3) التفت المأمون إلى رجل ادعى النبوة وقال له: إلى من بعثت؟ قال: للناس كافة فقال له المأمون: بما أوحى إليك؟ قال: أوحى إليّ أنه سيدخل عليّ رجلان يجلس أحدهما عن يميني ويجلس الآخر عن يساري فقال المأمون: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه، وخرج يضحك مع رفيقه.