تعد جمهورية الصين الشعبية، هرم مشكل من مليار و300 مليون نسمة، وهي قوّة إقتصادية متعاظمة إنسجاما مع دورها السياسي ومكانتها الهامة اليوم على الساحة الدولية. كيف لا..؟ وقد بات بلدا يقلق الغرب عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص، حيث يعملان على تأخير تقدّمه تكنولوجيا مع السّماح له على مضض بتطوره الفني الميكانيكي التقليدي وكل المنتجات الإستهلاكية. ليس هذا فحسب، بحيث كلما حدث تقدم صيني في هذا المجال يتحرّك الغرب للإصطياد في مياه الصين العكرة، عبر إستخدامه لأشكال مختلفة من أدوات التأخير مثل مرض ''السارس'' تارة، و''أنفلونزا الطيور'' تارة أخرى، وهو في ذلك لا يتردد في بثّ التهم حول حقوق الإنسان وما شابه، ويمارس في ذلك المزيد من الضغوط بمطالبة بكين بفتح الحريات الفردية والعامة وعدم الإنغلاق على نفسها. فالصينيون الذين تدرّبوا على القفز وامتلكوا المهارات، نجدهم منتشرين على وجه الأرض، حركتهم تبدو في الظاهر بطيئة وهادئة، لكن في حقيقتها نشطة، فاعلة، ممتلئة بالحيوية، فكل فرد لديهم ينتج، وكل أسرة، وكل بلدة، وكل مدينة تنتج، وفي المجموع كلهم مجتمعون ومنتجون، أينما حلّوا أو وجدوا في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وحتى في أمريكا يتشكلون ضمن ورش تعمل على شكل خلايا النحل، إنهم يزحفون وينتشرون في كل مكان، يخدمون بلدهم بكل إخلاص. لقد صدق الرئيس الصيني في قوله مخاطبا شعوب الأرض قاطبة:''هل هناك بيت لا يملك منتوجا صينيا الآن..؟''. ورغم تحوّل الصين إلى بلد مصنّع بامتياز، فهو لا يزال بلدا زراعيا كبيرا، وتعدّ معظم زراعته هي مورد رزقه وليست للتجارة، وهي منيعة أمام الطبيعة وتقلّب الأسعار. والواقع أنه حتى الستينيات كانت جمهورية الصين الشعبية تعاني الندرة في الإنتاج، قبل أن تقوم بالثورة الخضراء التي أتاحت لها الإكتفاء الذاتي في الغذاء، والآن تحاول زيادة الإنتاجية في القطاع الزراعي، ولديها في مخازن الحبوب ما يكفي لشعبها، بل إنها في موقع تصدير المواد الغذائية وحتى إرسال المساعدات الغذائية والإنسانية، فبكين تعتبر أن النموّ الزراعي الذي حققته هو أيضا محرّك للإقتصاد، وهو ما يلاحظ من خلال تركيزها الشديد في هذا البلد الكبير على دعم الفلاحين، الري، البنى التّحتية، النقل والصناعات الزراعية. إن التدقيق في النظام الصيني، يؤكد أنه أبقى على الصّلة بشعبه، وعلينا أن نتعلّم الصينية مع أنها رسم للكلمات نتعلّم من يصنع الأحداث والأشياء، ونصبح بذلك مراقبين حقيقيين وفاعلين في آن معا من أجل التعلّم الصحيح وإنجازه. وتربط الجزائر والصين علاقات وأواصر تمتدّ في عمق التاريخ، هذا الإرث التاريخي أكسب العلاقات الثنائية ميزة خاصة تساعد على التواصل الإجتماعي بين الشعبين، وساهمت في تحفيز المشاعر الصينية نحو إفريقيا والعالم العربي وتحديدا الجزائر، وكذا الحال هنا. ولم تعد العلاقات الممتازة بين الجزائر والصين تقتصر اليوم على الجانب التجاري، بل أصبحت تشمل مجالات عديدة. ولعل من أهمها تواجد حاليا أكثر من 20 ألف صيني للمساهمة في إنجاز مشاريع تنموية وحضارية هامة. كما أن العلاقات الإقتصادية وبرامج التعاون مع الكثير من الدول في إفريقيا وآسيا والعالم العربي، وهي علاقات التي تستمدّ قوّتها من القواعد السياسية والوجدانية التي سنّتها الصين لدعم علاقاتها مع مختلف الدول، وخاصة الدول العربية، حيث كثيرا ما تناصر قضايا الأمة العربية ونظرا لمحاولتها إتخاذ موقف عادل في الكثير من المسائل المطروحة على الساحة الدولية في مواجهة سياسة القطب الأحادي في العالم، فقد أصبحت مواقفها تحظى بتقدير دولي، مما يجعل الصين اليوم بموقع متقدّم على الساحة الدولية، يحسب له ألف حساب.